بغداد ـ عادل الجبوري
بعد مخاض عسير، ابصرت الحكومة العراقية الجديدة برئاسة حيدر العبادي النور، فقد كانت ليلة الاثنين الماضي، الثامن من شهر ايلول/سبتمبر الجاري، حافلة بحراك سياسي محتدم تحت قبة البرلمان العراقي، وقبله في كواليس واروقة بغداد واربيل السياسية.
نجح العبادي في اعلان تشكيلته الحكومية قبل احدى وعشرين ساعة من موعد انتهاء المهلة الدستورية المحددة له وفق الفقرة الثانية من المادة 73 من الدستور العراقي النافذ، والتي تنص على ان "يتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف، تسمية اعضاء وزارته، خلال مدة اقصاها ثلاثون يوماً من تاريخ التكليف".
نجح العبادي في اعلان حكومته العتيدة.. وماذا بعد .. وهل انتهت القصة؟؟؟بالطبع لم تنته القصة عند هذا الحد، وتشكيل الحكومة يعد الخطوة الاولى في طريق طويل وشائك يصعب السير فيه بسرعة وبسهولة كما هو الحال بالنسبة للسير في الطريق المعبد والسالك.
هناك اشكاليات ومآخذ وملاحظات غير قليلة على حكومة العبادي، البعض منها كان مطروحا بقوة على الحكومة-او الحكومات-السابقة، وهناك نقاط قوة في الحكومة الجديدة لم تتوفر في سابقاتها، بعبارة اخرى ان الاخيرة لها ايجابيات وعليها سلبيات.
ايجابياتاما الايجابيات، فان ابرزها، هي ان الحكومة تشكلت على ارضية واسعة من الدعم والتأييد الداخلي والخارجي لرئيسها المكلف، وهذا الدعم والاسناد حكمته ظروف معينة، ارتبط جزء منها بطبية اداء وسياسات ومنهجيات الحكومة السابقة لنوري المالكي، وجزء اخر ارتبط بخطر تنظيم داعش، ذلك الخطر الذي استشعره جميع العراقيين، ناهيك عن المحيط الاقليمي وعموم المجتمع الدولي.
والنقطة الايجابية الاخرى، تمثلت بأنها في طابعها العام تعد حكومة وحدة وطنية، شاركت فيها كل المكونات والعناوين، وذلك امر مهم للغاية في هذه المرحلة الحرجة والحساسة التي يمر بها العراق.
وكذلك فإن اعلان تشكيلها ضمن المهلة الدستورية المحددة وعدم الالتفاف على الدستور، او اضطرار رئيس الجمهورية الى تكليف مرشح اخر، يعد احدى النقاط الايجابية.
أضف الى ذلك جاءت الحكومة ببرنامج واقعي وواضح المعالم والملامح، وقابل الى حد كبير للتطبيق، فيما لو صمم المشاركون في الحكومة على ترجمته الى واقع عملي على الارض.
فضلا عن ذلك، فإنه وان طغت العناوين والمسميات السياسية والحزبية على اعضاء الحكومة العراقية الجديدة، الا ان الطابع التكنوقراطي لم يغب بالكامل عنها، بدءا برئيسها الحاصل على شهادة الدكتوراه في هندسة الكهربائيات والالكترونيات من احدى الجامعات البريطانية، الى جانب عدد لا بأس به من الوزراء الجدد.
سلبياتفي مقابل ذلك فإن ثمة سلبيات لا يمكن للمراقب السياسي ان يغض الطرف عنها او يتجاوزها، رافقت مجمل خطوات تشكيل الحكومة لتلقي بظلالها على صورتها التي برزت وتجلت واضحة ليلة الاثنين الماضي.
فقد كان مقررا ان تكون الحكومة الجديدة مرشقة، اي ان يتم الغاء عدد من الوزارات التي كانت موجودة في الحكومات السابقة، ودمج عدد اخر، خصوصا تلك التي تتشابه وتشترك في اختصاصاتها ومهامها ووظائفها، وقد دعت وطالبت المرجعية الدينية بالترشيق، ومعها قوى واحزاب وشخصيات عديدة، واكد العبادي بعد صدور كتاب التكليف له ان عدد الحقائب الوزارية في الحكومة المقبلة لن يتجاوز خمس عشرة وزارة، ولم يحصل شيء من هذا القبيل، فالحكومة الجديدة ضمت اكثر من ثلاثين وزيرا، الى جانب نواب رئيس الوزراء الثلاثة، ونواب رئيس الجمهورية الثلاثة.
وكان مقررا ومطلوبا، كما دعت المرجعية الدينية ومعها قوى واحزاب وشخصيات سياسية عديدة وشرائح وفئات اجتماعية مختلفة، ان لا تعود الاسماء التي لم تثبت نجاحا في السابق، او اقترنت بها شبهات فساد، الى الواجهة من جديد، ولم يحصل شيء من هذا القبيل، اذ ان عددا غير قليل من الوجوه السابقة، بقيت في القمة، وما تغير بالنسبة لها هو الموقع فقط، كما هو الحال مع وزير الخارجية هوشيار الذي اصبح نائبا لرئيس الوزراء، ونائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني الذي اصبح وزيرا للتعليم العالي، ووزير حقوق الانسان محمد السوداني، تولى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ونائب رئيس الوزراء الاخر روز نوري شاويس اصبح وزيرا للمالية في الحكومة الجديدة، وهكذا الامر مع اسماء اخرى.
وكان مؤملا ان لا تبقى بعض المواقع الوزارية شاغرة وتشغل بالوكالة الى امد غير معلوم، بيد ان ما حصل هو ان اثنين من اهم الوزارات، لا سيما في هذا الوقت بالذات، وهما الدفاع والداخلية، بقيتا من دون وزراء، بسبب الخلافات والتقاطعات بين الفرقاء حول هوية من يشغلهما، وربما لا يخفى على الكثيرين ان ارادات خارجية-اميركية تحديدا-تسببت في ذلك التعطيل.
الى جانب ذلك فان ان اغلب رؤساء الكتل السياسية شغلوا مواقع في التشكيلة الحكومية الجديدة، بدءا من نواب رئيس الجمهورية، ونواب رئيس الوزراء، ووزراء التعليم العالي والخارجية والمالية والنقل، وربما اخرين غيرهم.
وفوق ذلك كله، لم يكن متاحا لرئيس الوزراء المكلف، ان يرفض بعض الاسماء، ويأتي او يطلب طرح اسماء بديلة، بسبب اليات وسياقات المفاوضات بين الكتل السياسية التي طغى عليها طابع المساومات والترضيات من جانب، وضغط الوقت من جانب اخر.
تفاؤل مشوب بالقلقوارتباطا بهذه الصورة المتداخلة الخطوط والالوان، فانه من الصعب بمكان ان نستغرق بالتفاؤل، ونفترض ان لدى العبادي عصا سحرية تتيح له تغيير الاوضاع بين ليلة وضحاها رأسا على عقب، وان وزراء اليوم سيكونون مختلفين تمام الاختلاف عن وزراء الامس. وفي ذات الوقت من الخطأ ان نضيع ونغرق في متاهات التشاؤم واليأس، الذي غرقنا فيه خلال الاعوام السابقة.
فبين التفاؤل والتشاؤم، مساحة واسعة وأفق فسيح يمكن التحرك فيهما، ولتحدد الاداءات والسلوكات والمناهج والسياسات، بوصلة الاتجاه اما نحو التفاؤل، أو باتجاه التشاؤم.
22/5/140910
https://telegram.me/buratha