التقارير

حرب مكاسرة الإرادات

1308 07:48:30 2014-09-01

 

لؤي توفيق حسن *

إذا كانت الفوضى قدرنا... فلماذا لا تكون قدر غيرنا أيضاً؟

 “الضعفاء لا يخلقون الكرامة، والمترددون لن تقوى أيديهم المرتعشة على البناء”.

(جمال عبد الناصر)

تلفتنا هذه المماحكة الشاغلة للبعض باحثين عن "ظاهرة داعش". وبعضهم عن خبث يفسرها وفي التفسير تبرير !. وهذه عناوين بعضها على سبيل المثال: أن الظاهرة تلك جاءت على خلفية " أنظمة الاستبداد في العراق وسوريا "، أو أنها نتاج "فشل الدولة الوطنية في القضايا الرئيسية...التنمية والمواطنة وحقوق الإنسان"..الخ. كان يمكن لهذا الكلام أن يكون مقبولاً لو أن "ظاهرة داعش" هي بنت بيئتها، وليست كما هو حالها مستوردة من الخارج بنسبة 90%، والدليل ما تشهده المناطق التي تستولي عليها داعش من نبذ محيطها لها بما جعلها معزولةً عنه، أما ما يبدو من استكانة منه فهو كبت الخائف جراء الرعب الذي نشرته هذه المنظمة الارهابية الدموية. لندع الخبثاء جانباً وهم يتحركون وفق برنامج يلعبون فيه دور (الطابور الخامس) لداعش. أما الآخرون من (مثقفين) فهم اسرى مفردات أصابتهم بانفصال شبكي جعلهم خارج نطاق رؤية المشهد، وادراك تعقيداته. لا يقل عنهم غباءً اعتقاد البعض أن الولايات المتحدة تضرب "داعش" على خلفية إعادة النظر في حساباتها، ومنها الاعتقاد بأنها باتت مقتنعة بأنها تشكل خطراً على مصالحها.. فيما الحقيقة أن هنالك تناغم بين داعش وبين واشنطن. فالأولى عضلات بلا دماغ،تسيره الغريزة، والأخيرة دماغ يريد أن يقاتل بالآخرين تجنباً للتكلفة فكان له ما أراد !

 هذه هي المعادلة وقد تحققت بفعل اختراق أمريكي لما بات قيادات في تنظيم "داعش" بدأ في غوانتناموا مستخدمة فيه أمريكا أساليب السيطرة على الشخصية ومن ثم توجيهها، وهو بات فرعاً من علم النفس تتقنه جيداً، نتيجةً لبحوثٍ بهذا الشأن رصدت لها امكانيات كبيرة منذ زمن طويل ؛ وهذا لا يعني أن هذا التنظيم الواسع المتعدد في اطيافه القومية أو القبلية غير قابل للتفلت أحياناً من السيطرة الأمريكية بفعل الفائض الأيديولوجي الذي يتضمن في جذر عقيدته - فيما يتضمن - العداء "للنصارى" وبالتواتر لأمريكا والغرب عموماً. غير أن أمريكا تسعى لردم هذه الفجوة بمجموعات تدسها بين التنظيم لتتابع عبرها نسج شباك السيطرة والتوجيه على مفاصل قيادية وبعناصر من عملائها المتأسلمين تحت مسميات مختلفة تارةً بصورة متطوع سلفي جاء من الغرب!، وتارة بصفة صحفي مختطف،أو مفقود!!. –وهذا ينطبق على غيره من ( التنظيمات الجهادية)- ؛وهنا علينا أن نتوقع عشرات من أمثال "لورنس" في "داعش" أو ما شابهها ؛ يجري ذلك كله برعايةٍ اقليمية وعربية توفر الدعم المالي واللوجستي , والطامة الكبرى أن يوجد في الخندق المقابل من وقع في سوء التقدير في هذه المعركة البالغة التعقيد!!.

لم يكن عملية عسكرية دخول "داعش" إلى وسط العراق. لعله أقرب إلى أن يكون عرضاً عسكرياً بالنظام المرصوص !. كل شيء كان معداً جيداً حتى انسحب الجيش العراقي بدون معركة حقيقية أو اشتباك على الأقل !!!؛ ما بدا عملية تسليم واستلام تولاها الضباط مع نظرائهم الداعشيين. أما الوحيدون الذين دفعوا الثمن فكانوا الجنود العاديين، فضلاً عن السكان من مسيحين وأيزيديين.لهذا يبدو نوعاً من الدجل السياسي ما يقولة الساسة الأمريكيون عن أن القضاء على "داعش"، "قد يمتد لعدة سنوات" !. والدليل أن صد هجوم "داعش" على كردستان ثم دحرها قد تم بأيام وبيسر. إن شبكة الكلمات المتقاطعة غير صعبة!، والحقيقة أن توسع "داعش" نحو الشمال كان فرصةً ثمينة لواشنطن للتقدم بخطوات أخرى باتجاه تحقيق الدولة الكردية والتي طالما عبرت عن تأييدها في إقامتها، وعلى هذه الخلفية جاء دفع المجموعات الداعشية ليرسم حدوداً جديدة لهذا الكيان وفقاً لرغبات حكومة اقليم كردستان مشتملاً على مناطق كانت حتى الأمس القريب محل صد ورد مع الحكومة المركزية في بغداد، وبذا بات استيلاء البشمركه على الموصل أمراً مقبولاً أو مسكوتاً عنه في ظل أجواء الرعب التي أثارها توسع "داعش" بوصف ذلك اهون الشرين على ابنائها العرب !. من نافل القول بأن قوات البشمركة ما كان لها أن تحقق ذلك بامكانياتها المتواضعة وحتى بوجود النجدات التي أمدها بها حزب العمال الكردستاني الأكثر خبرة ومراسا لولا ضربات سلاح الجو الأمريكي المركزة والمسبوقة باستطلاعات جوية و مخابراتية لمواقع "داعش" العسكرية والقيادية واللوجستية وهذا أظهر مدى هشاشة هذا التنظيم الارهابي الذي يجري تسمينه في الإعلام !.

لن تترك امريكا وسط العراق في يد "داعش" على المدى المتوسط، وستسعى لإنشاء (كيان سني) أقل تطرفاً ؛ أما إدعاء أمريكا بأنها "تبحث عن شركاء لتحالف ضد داعش " فهو كذبة، والكذبة الأكبر هي إدعاء أوباما بأن تصفية "داعش" قد تمتد "لعدة سنوات"، كل هذا وذاك غايته الحقيقية كسب الوقت فيما تسعى أمريكا لتحضير الأرض في وسط العراق بغية بلورة توليفة من (حلفاء) لها من أصحاب النزعة الطائفية و الانفصالية في تحالف العشائر، والمتشنجين من بقايا (بعث) صدام للامساك بوسط العراق وبالتالي إيجاد قطع جغرافي يفصل سوريا عن جنوب العراق فإيران.

إن التوليفة المذكورة يمكن أن تتعايش معها السعودية كونها لا تشكل خطراً عليها. فكيف وإن مثل هذا الاقليم الفقير بموارده سيكون بأمسّ الحاجة للسعودية دعماً و متنفساً له. ضمن هذه الشروط والرؤية تتحرك أمريكا، وسنرى بين ليلة وضحاها (الحلف ضد داعش) ناشطاً في عملياته العسكرية جاداً في استهدافها بمقتل متى توافرت الشروط المذكورة، إما طرداً لمجموعات "داعش" نحو سوريا، او قضاءً عليها بالمكان بحسب الحال!.. هذا السيناريو سيتكرر تقريباً في سورية، فأمريكا لن تقدم على ضربات جوية لمواقع داعش فيما إذا كان حصادها سيجنيه الجيش السوري، ومن هنا فإن واشنطن تسعى إلى تاهيل عسكري لما وصفتها " المعارضة المعتدلة". وهذا جارٍ على قدم وساق من خلال تزويدها بأسلحة نوعية إلى جانب تدريب آلاف من جنودها في تركيا والأردن وبرعاية واشراف غربي. وذلك لتكون قوة قادرة على استثمار نيران القصف الأمريكي لداعش وبما يمكنها من احتلال المواقع التي تسيطر عليها هذه الأخيرة. وهنا تنفتح الآفاق على عدة سيناريوهات. إما اقتطاع جز من سوريا في رحلة "الشرق الأوسط الجديد"!، أو تسوية تفضي لضم هذه الميليشيات إلى الجيش السوري، ومنه المعارضة جزءاً وشريكاً في حكم سوريا. أي حصان طروادة لإضعاف مناعة سوريا تأسيساً للمزيد من تفتيتها في محطة لاحقة وفقاً للحسابات الأمريكية، والإسرائيلية بالتواتر.

إنها معركة قاسية ويبدو بأنها طويلة. ليس أمامنا إلا أن نخوضها. وهذا غير ممكن إلا بجبهة عريضة متماسكة في حساباتها وتعاضدها، بدءًا من طهران إلى شرق المتوسط، فغزة جنوباً. فإذا كانت الفوضى هي قدرنا فلماذا لا تكون هي قدر غيرنا بالمقابل , وليشرب غيرنا من ذات الكأس طالما هي حرب مكاسرة إرادات.                                                      

1/5/140901

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك