**عباس سرحان/مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات ..
لا يمكن تشبيه ما تعرضت له الأقليات خصوصا التركمان والشبك الشيعة في الموصل على أيدي عناصر داعش إلا بوصفه حرب إبادة جماعية وتهجير تقوم على أسباب دينية بحتة في ظل صمت عربي ودولي واضح على الرغم من فداحة الجرائم التي ارتكبتها هذه المنظمة الإرهابية.
عشرات الآلاف من الشبك والتركمان الشيعة نزحوا تماما من الموصل باتجاه مدن وسط وجنوب العراق تحت وطأة ظروف إنسانية قاسية، وقد تركوا كل شيء من مقتنياتهم ومعاشهم فيما قتل المئات منهم، وسُلبت دورهم وأموالهم وسياراتهم.
وقد روى النازحون قصصا مروعة عما تعرض له مواطنوهم ممن وقعوا في قبضة داعش، وقال أحد النازحين، م ج س لـ”مركز آدم” بعد وصوله إلى مدينة كربلاء في وسط العراق” تركنا بعض كبار السن من أقربائنا في منازلهم لعدم تمكننا من نقلهم معنا بسبب وعورة الطرق التي سلكناها فقام مجرمو داعش بقتلهم بعد تعذيبهم وتقطيع اوصالهم”.
فيما روى أكثر من نازح اختطاف داعش لنحو 600 رجل وشاب من قرية بشير وقرى أخرى تابعة لمحافظة الموصل، ولا يزال مصيرهم مجهولا حتى اللحظة، إلا أن نازحين يجزمون أن المخطوفين قد لقوا حتفهم بعد ساعات من خطفهم.
وقال، ج، هـ، لـ”مركز آدم” الارهابيون لايعرفون غير القتل انهم متعطشون إلى الدماء ولايبدو انهم يحتاجون الى خطف اشخاص لإبقائهم على قيد الحياة”.
وتمكنت جماعة داعش في يومي التاسع والعاشر من حزيران الماضي من الدخول الى مناطق عدة في شمال العراق أبرزها الموصل وصلاح الدين والأنبار وديالى، وهو ما شكل مرحلة جديدة في صراع الحكومة العراقية ضد الجماعات الإرهابية التي تصرح علنا أنها تستهدف الشيعة وتبيح قتلهم.
ولاتزال القوات العراقية عاجزة عن استعادة مناطق شاسعة من البلاد باتت تحت سيطرة داعش، فيما اكتفت الإدارة الأمريكية بإرسال مراقبين لمعاينة وتقدير الوضع عن كثب، دون أن يكون للإدارة الأمريكية والدول الأوروبية دور في تقديم المساعدات الإنسانية لآلاف النازحين.
الشيعة في الموصل وسهل نينوىيسكن الشبك الشيعة في نحو 50 قرية بمنطقة سهل نينوى في الموصل، وتشير المدونات التاريخية الى كونهم من الأكراد وقد توطنوا المنطقة قبل نحو 400 عام قادمين من مناطق مجاورة للعراق.
ويعمل الشبك بالزراعة وتربية الماشية وهم مسالمون ولم ينخرطوا في اي صراع مذهبي أو قومي على الرغم من كثرة الصراعات التي يشهدها العراق.
أما التركمان الشيعة فتشير المدونات التاريخية الى انهم دخلوا العراق في العصر السلجوقي، أولا قبل ان تدخل دفعات أخرى منهم في عهد السلطان سليمان القانوني وتستقر في مناطق شمال العراق مثل تلعفر واربيل وتازة وطوز خورماتو وسليمان بيك في كركوك وداقوق والسعدية وجلولاء ومناطق أخرى بين ديالى وشمال العراق، وقد كانوا ضحية الصراع الطائفي بعد 2003 ولقي عشرات الآلاف منهم مصرعهم.
لكن الشبك والتركمان لم يهجروا ديارهم بشكل تام إلا في حزيران الماضي حين حدث اجتياح مناطقهم في الشيخان والرشيدية والقبة الملاصقة لمدينة الموصل من الضفة اليسرى لنهر دجلة من قبل الجماعات الارهابية.
وقال أحد النازحين الى محافظة النجف، س، م، لـ”مركز آدم” استيقظنا صباحا لنجد داعش في محيط بيوتنا وقد انتشر عناصرها في قرانا وبين أحيائنا السكنية”.
ولم تقم داعش أولا باستهداف الشيعة بل حاولت تطمينهم عبر الإعلان انها لا تفرق بين سني وشيعي. لكنها سرعان ما تنصلت عن وعودها وجمعت من بقي من السكان في القرى التي سيطرت عليها بسهل نينوى.
ويروي شهود عيان أن المسلحين من عناصر داعش، وبعد أن جمعوا السكان فصلوا السنة عن الشيعة فأطلقوا سراح السنة وتمت تصفية الشيعة بدم بارد وكان مع عناصر داعش ممن ارتكبوا الجريمة ملثمون يرشدونهم الى الشيعة ممن حاولوا الاختباء بين السنة.
وقدر شهود عيان عدد الشيعة ممن تمت تصفيتهم بهذه الواقعة ما بين 150 و200 شخص من مختلف الأعمار، وسارعت داعش الى نهب منازل الشيعة وأسكنت مجهولين في عدد منها فيما قامت بتفجير المتبقي منها كما فجرت كل دور العبادة والمكتبات التاريخية العائدة للشيعة.
ولم تسلم حيوانات القرى الشيعية التي كانت مصدر الدخل الوحيد لعشرات الأسر القروية فقد عمد التنظيم الإرهابي إلى سرقة أكثر من 1000 رأس ماشية تم ذبحها تباعا وتوزيع لحومها على مقاتلي التنظيم وعلى من بقي من السكان.
النازحون ينتقدون الصمت الدوليويروي النازحون صورا من الجرائم الوحشية التي ارتكبتها عناصر داعش بحق المدنيين الشبك والتركمان في المناطق التي سيطرت عليها، ولم يخفوا امتعاضهم من الصمت الدولي وتأخر المنظمات الانسانية والحقوقية عن مساندتهم.
وقال النازح، هـ، ر، لـ”مركز آدم” هب المجتمع الغربي متعاطفا ومدافعا عن اسرائيل في الحرب الاخيرة على الرغم من حجم التدمير الذي الحقه الجيش الاسرائيلي بالفلسطينيين. لكن الغرب لم يسارع للتضامن معنا”.
ويعتقد النازحون أن المجتمع الدولي يمكنه أن يلعب الكثير من خلال امكانياته وخصوصا في مجال الضغط على الدول الداعمة لداعش كما ينتظرون منها تقديم الدعم الانساني للنازحين ممن هاموا على وجوههم في ظروف قاسية تسببت بوفاة العشرات بينهم اطفال لم يتحملوا قسوتها.
وأسكن النازحون في مدينتي النجف وكربلاء وخصوصا في دور العبادة والحسينيات والمواكب التي كانت معدة لإحياء المناسبات الدينية، وينتظر النازحون من المنظمات الانسانية الدولية مساعدتهم على وجه السرعة كونهم بحاجة ماسة الى الطعام والمستلزمات الحياتية والأموال لتمشية شؤونهم اليومية.
صور مأساويةبعد محاصرة تلعفر التي يتقاسم العيش فيها السنة والشيعة، غادرت العوائل السنية القضاء، وهو الأكبر في العراق، فيما شارك رجال شيعة القوات الامنية في صد الهجمات على القضاء لحين نفاد ذخيرتهم ما اضطرهم الى الانسحاب فاستباحت الجماعات المسلحة المدينة وأحرقت منازل الشيعة وقتلت العشرات منهم واضطرت عشرات الآلاف الى النزوح.
هذه النهاية للشيعة في تل عفر تزامنت مع صور مأساوية مروعة منها ما تناقله نازحون عن نسيان أم لطفلتها الرضيعة في مهدها بعد ان عاجلتها الجماعات الارهابية فسارعت الى ترك منزلها على عجل، ولم تتمكن من العودة الى المنزل بعد سيطرة الارهابيين على القضاء.
وأيضا ضياع بعض الصغار عن ذويهم وسط موجة الإرباك التي سادت القضاء بسبب القصف والهجوم المباغت الذي شنته داعش على مناطق الشيعة.
التوصياتبالنظر الى الأوضاع الإنسانية التي يمر بها النازحون والتي تتهدد حياتهم في أغلب الأحيان بمخاطر جمة، يطالب مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات المجتمع الدولي النهوض بواجباته الإنسانية من خلال:
أولاً- تقديم المساعدات العاجلة لآلاف النازحين تقطعت بهم السبل في مناطق النزاع والوصول اليهم لتمكينهم من الانتقال الى مناطق أكثر أمنا.
ثانياً- الضغط على إقليم كوردستان العراق لتسهيل عملية عبور النازحين عبر الإقليم الى مناطق أخرى في وسط وجنوب البلاد.
ثالثاً- زيارة النازحين ممن تمكنوا من الوصول الى مناطق آمنة وتقديم المساعدات الإنسانية لهم، وتهيئة المساكن السريعة لإيوائهم، فكما يبدو أن الحكومة العراقية ما زالت عاجزة لوحدها عن الوفاء بهذا المطلب.
رابعاً- ندعو المؤسسات الحقوقية والمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية الى توثيق هذه الوقائع، خصوصا عبر المقابلات الشخصية، لجمع الأدلة اللازمة لمحاكمة مجرمي الحرب وداعميهم المحليين والاقليميين والدوليين.
خامسًا- اعتبار الجرائم التي تعرض لها الشيعة والأقليات الأخرى جرائم إبادة جماعية ومحاسبة المتورطين فيها، بشكل مباشر أو غير مباشر، وخصوصا الدول التي تقف وراء هذا التنظيم، فمن غير المعقول ان يتمكن تنظيم داعش من السيطرة على مساحات واسعة من العراق دون مساعدة كبيرة تقدمها جهات محلية وإقليمية ودولية.
……………………………………
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو إحدى منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات…
17/5/140825
https://telegram.me/buratha