الياس فرحات*
لا شك ان فقرة الاتصالات عند «حزب الله» كانت الاهم في فقرات تقرير لجنة فينوغراد حول تقصير القيادات العسكرية الاسرائيلية خلال حرب تموز 2006.
ذكر التقرير ان حزب الله تمكن خلال فترة الحرب بكاملها من الاحتفاظ بنظام قيادة وسيطرة بفضل استمرار عمل الاتصالات رغم التفوق النوعي التكنولوجي الاسرائيلي. اتجه حزب الله الى البساطة واستخدام الاتصالات القديمة غير المعقدة لمواجهة التقنية الاسرائيلية المتقدمة، فكانت الشبكة السلكية هي الخيار الافضل والاسلم.
لو كان لدى العرب لجنة تحقيق عام 1967 لتوصلت لنتيجة ان فقدان الاتصالات في الجيش المصري ادى الى الانسحاب غير المنظم الذي تحول الى كارثة على القوات المسلحة المصرية التي انسحبت عبر صحراء سيناء الى الضفة الغربية لقناة السويس في ليبيا لم يسقط القذافي الا بعد التشويش على نظام الاتصالات واجراء عمليات خداع ودخول على الموجات واعطاء اوامر مضللة توصلت بنتيجتها الى سيطرة الثوار على طرابلس الغرب بمساعدة الحلف الاطلسي، وملاحقة القذافي وقتله في سوريا هناك جيش مجهز ومدرب ويفترض بانه يمتلك نظام اتصالات واعتراض حديث، والامر نفسه ينطبق على الجيش العراقي الذي بلغت كلفة اعادة بنائه 25 مليار دولار.
يشير مجرى العمليات العسكرية خلال ثلاث سنوات في سوريا وشهرين في العراق الى ان أيا من الجيشين في كلا البلدين لم يكن قادرا على
اعتراض اتصالات المتمردين من «داعش» في العراق و«النصرة» و«داعش» وباقي التنظيمات المرتبطة بهما في سوريا ما زالت شبكة القيادة والسيطرة تعمل في جبهة النصرة و«داعش» بشكل ممتاز، وآخر دليل هو الهجوم على مواقع الجيش اللبناني في عرسال واحتلال تلك البلدة اللبنانية ثم الانسحاب منها، بعد اتخاذ قرار من قادة التنظيمات.
تبين من احداث عرسال ان اتصالات «داعش» و«النصرة» تعمل على افضل حال وان نظام القيادة والسيطرة يعمل بشكل طبيعي في جرود سلسلة جبال لبنان الشرقية برغم انها منطقة غير مأهولة!
كما تبين في عملية احتلال الموصل استمرار نظام الاتصالات لدى «داعش» من دون عوائق، وتوافر معدات تقنية عالية لدى هذا التنظيم مكنته من التشويش على الجيش العراقي. في سوريا تشير الوقائع الى ان اتصالات «النصرة» و«داعش» وتوابعهما ما زالت منيعة ضد اي خرق او اعتراض ومن اللافت ان شبكة اخبارية بثت تقريرا حول اخلاء نساء واطفال من الطائفة الايزيدية بواسطة «هليكوبتر» اميركية من قرب جبال سنجار لانقاذها من مصيرها المحتوم على يد «داعش»، واستقدمت معلقين للحديث عن هذه المهمة الانسانية. لم يسأل احد من المعلقين عن الطائرات من دون طيار التي كان يمكن استخدامها من اجل قصف مواقع «داعش» بدقة قبل ان تهجر المسيحيين والايزيديين، كما فعلت عندما تهددت مناطق استثمارات شركات النفط الاميركية في كردستان العراق.
بشكل ابسط، كان ممكنا للولايات المتحدة التي لا يجادل احد في تقدمها التكنولوجي في قطاع الاتصالات والمعلوماتية، ان تعطل نظام الاتصالات و«الانترنت» والقيادة والسيطرة لدى «داعش» والتنظيمات الارهابية الاخرى تسمح هذه المعطيات التقنية بطرح اسئلة سياسية واهمها من يدعم «داعش» و«النصرة» – اي «القاعدة» – تقنيا؟
ألا تمكن محاربة الارهاب بالوسائل التكنولوجية لشل اعمال هذه التنظيمات في سوريا والعراق، وفي مرحلة ما في مصر وتونس والجزائر وربما السعودية ايضا؟ من اين حصلت «داعش» والتنظيمات الارهابية على هذه الامكانات الضخمة والمتقدمة في قطاع الاتصالات و«الانترنت» خصوصا لجهة حمايتها من الاعتراض؟ لماذا لا تساعد الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة في تعطيل اتصالات هذه التنظيمات التي تضعها على لائحة الارهاب، لا سيما ان هذه التنظيمات ليست خلايا نائمة، وانما جيوش تتألف من عشرات الآلاف ولها قواعد لوجستية وغرف عمليات لا يمكنها العمل من دون جهاز اتصالات متطور وآمن ومحصن من الاعتراض والتشويش؟
*السفير اللبنانية
17/5/140818
https://telegram.me/buratha