التقارير

هل أعطت القرم الضوء الأخضر لربيع أوروبي عنوانه الإنفصال؟

1742 07:42:00 2014-03-20

احمد فرحات

بأقل الخسائر الممكنة، أو لا خسائر تذكر، حسمت القيادة الروسية جدل القرم، وأطاحت بالحسابات الغربية في شبه الجزيرة التي كانت أوكرانية، اثر استفتاء شعبي، لم تؤثر عليه خطابات العزل والعقوبات الغربية.

لم تكتف روسيا الإتحادية بتأكيد انتصارها في البحر الأسود، فخرج الرئيس فلاديمير بوتين بخطاب أسس لمرحلة ما بعد “استعادة القرم”، فهذه المنطقة بالوعي الروسي سُلمت لأوكرانيا خلافاً للأحكام الدستورية بمبادرة من الرئيس السوفياتي نيكيتا خروتشوف عام 1954.

من القرم وبالتحديد من مدينة يالطا، خرجت المفاهيم الحديثة لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، في مؤتمر حمل إسم المدينة في شباط / فبراير من العام 1945، حضره الزعماء المنتصرون جوزيف ستالين وونستون تشيرشيل وفرانكلين روزفلت، واتفقوا فيه على تقاسم مناطق السيطرة والنفوذ على امتداد الكرة الأرضية.

وبعد 69 عاماً، خرجت من القرم أيضاً قواعد جديدة للعبة دولية تريدها موسكو، وجهت عبرها رسالة إلى الغرب مفادها “الاعتراف بواقع أن روسيا دولة مستقلة ولها مصالح قومية لا بد من أخذها بعين الاعتبار واحترامها”، هكذا خاطب بوتين قادة أوروبا والولايات المتحدة في كلمة له أمام مجلس الدوما بمناسبة قبول جمهورية القرم ضمن روسيا الاتحادية.

متحدثاً بإسم مجموعة “بريكس” رسم رجل الـ “كي جي بي” السابق معالم المرحلة الحديثة، فحمل تاريخ بلاده طالباً الشراكة الدولية وليس التفرد، مستفيداً من تخبط الغرب جراء فشل الربيع العربي الذي دعمه، فإذا به يؤسس لربيع أوروبي وقد يكون عالميا، قائم على احترام إرادة الشعوب عبر عملية استفتاء، وليس من خلال “استخدام القوة ضد دول ذات سيادة، وتشكيل ائتلافات على أساس مبدأ “من ليس معنا فهو ضدنا”، وانتزاع قرارات دولية تناسب مصالحهم متجاهلين قرارات أخرى”، كما تصرفت أميركا والدول الأوروبية في بلغراد والعراق وأفغانستان وليبيا، ودعمت جماعات مسلحة في سوريا، بعد عجزها عن التدخل مباشرة.

فعلت روسيا ما عجزت عنه دول الغرب، في عملية دامت أياماً، فيما التغييرات التي دعمتها الولايات المتحدة وأوروبا انتجت دولاً غير مستقرة أمنياً وإقتصادياً وإجتماعياً، وأدت إلى سيلان دم آلاف المدنيين الأبرياء على امتداد الوطن العربي وحتى في أوروبا، فمذبحة سربرنيتسا في البوسنة والهرسك عام 1995، التي راح ضحيتها 8 آلاف مسلم كانوا تحت حماية الامم المتحدة لا تزال أحداثها حاضرة في الوجدان الإنساني.

استطاعت روسيا الإطاحة بالمفاهيم الغربية في الدفاع عن حقوق الشعوب، أقلها الناطقين بلغتها، في تدخل نظيف وسريع داخل القارة الأوروبية، وأكدت عجز الادارة الاميركية في حماية حلفائها، فلا عقوبات اقتصادية منعت ضم القرم، ولا سياسة عزل إن طبقت قد تحقق نتائج، خصوصاً وأن مروحة المصالح المشتركة تحتم على الأطراف عدم التهور في ردات فعلها، والتجميد الفرنسي لموسكو من مجموعة الـ 8 الكبار، لا يستطيع التقليل من الدور الروسي في مجموعة الـ 20 الأكثر تأثيراً على الساحة الدولية.

ووجه بوتين رسالة تخطت حدودها القرم، فهناك في أوروبا الشرقية حلم غربي تحت ستار أطلسي بالتوسع في جمهورياتها، فإذا كان حلف الناتو بقيادته الأميركية لم يستطع الحفاظ على القرم تحت السيادة الأوكرانية، كيف سيخفف عن لاتفيا وليتوانيا واستونيا ورومانيا وبلغاريا وسلوفينيا وسلوفاكيا من الغضب الروسي بحال إنضمت إليه، في إطار استراتيجية توسع حلف شمال الاطلسي شرقا.

بالمقابل فإن روسيا ثبتت أحلافها منعةً، وأعطت أصدقائها صكاً بالأمان، مدعوما بالقانون الدولي، وبحق الشعوب في تقرير المصير، وبقوة عسكرية لم تستخدم في العصر الحديث الا في اوسيتيا الجنوبية عام 2008، وكان النصر حليفها، بعكس آلة الحرب الاميركية.

أما بالنسبة إلى القوميات الأوروبية، فهل ستستطيع إسبانيا رفض حق الكاتالونيين في تقرير مصيرهم؟ خصوصاً وأن زعيم منطقة كاتالونيا “ارتور ماس” ينوي اجراء استفتاء العام الحالي للانفصال.

وماذا عن اسكتلندا الواقعة ضمن المملكة المتحدة (بريطانيا)، والتي ستشهد أواخر العام الحالي استفتاءً لاستقلالها؟، وإن استقلت اسكتلندا كما هو متوقعاً، فهل ايرلندا الشمالية ستبقى ضمن بريطانيا؟، فيما نار الانفصال في بلجيكا تحت الرماد، بين ناطقين باللغة الهولندية وآخرين بالفرنسية.

وماذا أيضاً عن إيطاليا، حيث أجرى سكان البندقية وإقليم فينيتو شمال شرق البلاد استفتاءً الكترونيا غير ملزم حول الاستقلال عن الدولة الأم، بعد أن أشارت استطلاعات للرأي بمقاطعة فينيسيا إلى أن 65% من السكان يؤيدون الانفصال.

حركات الإنفصال هذه قديمة كما القارة، والاتحاد الأوروبي الذي فشل في الإتحاد حول سياسة موحدة، هل سيصمد بحال هاج البحر الأسود بأمواجه الإنفصالية الآتية من القرم؟

أسئلة من الضروري أن تعطي الأيام القادمة الأجوبة الشافية لها … فروسيا تجاوزت قطوع القرم، ورمت الكرة في ملعب الخصوم، وأوروبا أمام تحد حقيقي بعيداً عن لغة المصالح والاستراتيجيات، في الدفاع عن هويتها ووحدتها، وهذا لا تستطيع تلك الدول تجاوزه في ظل وجود قادة لا يتمتعون بالشعبية الكافية، وشعوبهم توجه لهم الإتهامات بالفشل في إدارة بعض الملفات الدولية.

2/5/1403020 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك