لا يمكن قراءة سيرة قادة شهداء المقاومة الإسلامية، من دون الالتفات إلى ثقة بالانتصار كانت تتكرّر على ألسنتهم منذ اليوم الأول لاتخاذ هذا الخيار، وفي عزّ الاحتلال الإسرائيلي للبنان؛ إذ لم تكن قد مرّت أشهر معدودة على الاجتياح الإسرائيلي، الذي وصل إلى بيروت، حتى صدح صوت رجل دين شاب، لم يتمّ الثلاثين من العمر، في بلدة جبشيت بالعبارة الشهيرة: إسرائيل وهم مزّقناه.
دم الشيخ الذي سقط في يد الله مهى زراقطكبرت جبشيت وشيخها لا يزال شاباً. من يدخل إلى البلدة ظهر يوم الجمعة، سيسمع صوت الشهيد راغب حرب منطلقاً من المسجد قبل الصلاة، يتبعه صوت السيّد عباس الموسوي، تأكيداً لاستمرار المسيرة التي أطلقها شيخ الشهداء قبل ثلاثين عاماً
الصورة الكبيرة التي وضعت للشيخ راغب حرب أمام منزل أهله في البلدة تظهره ماشياً، ملوّحاً بيديه، والبسمة الجميلة تزيّن وجهه. كأنه هو من يقف لاستقبالنا، ويدعونا إلى الجلوس مع أفراد عائلته الذين سيبدأون معنا حديثاً، لم ينتهوا منه بعد.
عباس الموسوي متلمّساً إشارات النصر مهى زراقط كان كلّ من الموسوي وزوجته أم ياسر متأكدين من أنهما سيستشهدان معاً«يا ريت عزرائيل أخد من عمري وأعطاك... يا الله، عوّض علينا سيّد متل هالسيّد...».بهذه العبارات كان أحد أبناء بلدة اللبوة يعبّر عن حزنه يوم تشييع السيد عباس الموسوي في البقاع. الرجل المسنّ توفي قبل فترة قصيرة، لكن صوته لا يزال يتردّد في آذان كلّ من سمعه، وبكى. وإلى اليوم، لا يزال كلّ من يستمع إلى سيرة السيد عباس الموسوي، أو يرويها، يبكي، إما تأثراً بمواقفه، وإما حزناً على خسارة لا تعوّض. كلّ من عرفه مرة، أو التقاه، لديه ما يرويه عنه، وهو الإنسان المتواضع الذي كان يضع الناس في رأس أولوياته، فيفكر في دعمهم وتعزيز صمودهم. حتى إن خطابه الأخير في جبشيت كان يدعو إلى الإنماء المتوازن، ومقاومة أمرين: الإهمال والاحتلال.
عماد مغنية: أعداؤنا «خير» معلّم منهال الأمين كان ساحر المقاومة بمثابرته وتجربته وتعلّمه من الإخفاقاتفي الطريق إلى عماد مغنية، غابات كثيفة وأحراج شائكة، ولكن عليك بالأيك. هذا حبيب تُزار أيكه. في تكتل الشجر وتعانقه، تستسلم لطريق شُقّ بتعب. بمرور الزمن، طريق رِجل واحدة تمرّر جيشاً من الإنجازات. هنا مغارة، أنت تراها مرعبة، بينما كان «الحاج رضوان»، كما يطيب للمقاومين تسميته، يراها مختبراً لصنع إنجاز، لتطوير بدائيات حربية موروثة. «استفيدوا من كل تفصيل في بيئتنا، من كل ما ومن نسج معها علاقة ما». هكذا يلخّص أحد المطلعين على تجربة الرجل استراتيجيته في الصراع، خصوصاً ما بعد عام 2000.في إحدى تلك المغارات، «حبس» مغنية يوماً أحد الكوادر، سلّمه ملفًا وقال له: عليك به. نظر إليه الأخير بذهول وقال: مستحيل يا حاج. فما كان من عماد إلا أن أجابه: طيب ماشي الحال. ثم غادر المكان وقال للشباب: أغلقوا الباب واقطعوا عنه الخط الداخلي (العسكري). لم ينتظر الشاب طويلاً حتى خرج إلى الحاج ليقول له: فعلتها. كان يريد أن يقول لكل من معه: لا تقل: مستحيل، بل قل: حاولنا ولم ننجح.
الأخبار اللبنانية العدد ٢٢٢٣https://telegram.me/buratha