ثم نقاط يتعين الوقوف عندها ونحن نحاول قراءة موضوع مقاربتانا هذه، ومنه: لماذا قطر وليس غيرها هي التي احتضنت أول سفارة لطالبان أفغانستان؟ والثانية عن "مصادفة..!" تزامن افتتاح مكتب طالبان اليوم مع تولي القوات الأفغانية السيطرة الأمنية على مجمل مناطق أفغانستان بعد تسليم قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) مسؤولية آخر المناطق المتبقية اليها ضمن عملية النقل التدريجي للسلطة هناك.
والثالثة هل أن طالبان أبتعدت عن تنظيم القاعدة؟ والرابعة هل ثمة علاقة بين هذا ألأجراء وما يجري على الساحة السورية والعراقية؟..وهل للأمر علاقة بشهر العسل الجديد بين أمريكا والأخوان المسلمين في أكثر من مكان في المنطقة؟ وهل أن حشدا دوليا موجه بأتجاه معلوم وراء هذا ألأجراء؟..
وكي نقرأ الأحداث سنحتاج الى نظارات من نوع خاص توفر لنا القدرة على النظر خلال الضباب الذي سببه سيل التصريحات التي تناولت الموضوع ومن مختلف المصادر، لكن هذه التصريحات هي نفسها تجيب على تلك التساؤلات لو تم التمعن بها..!
فقد قال مساعد وزير الخارجية القطري علي بن فهد الهاجري، في بيان مقتضب تلاه خلال مؤتمر صحفي عقده اليوم للإعلان عن افتتاح مكتب طالبان، إن قرار فتح مكتب لحركة طالبان "خطوة تقدم عليها قطر انطلاقا من قناعتها بأن الحوار والتفاوض هما الوسيلتان الوحيدتان المفيدتان لإعادة السلام الى افغانستان وتحقيق الأمن والرخاء للشعب الأفغاني "...مما يعني ان عملا كبيرا قد تم بذله للوصول الى هذه المحصلة، وأن جهودا دبلوماسية ومخابراتية منسقة كانت تجري تحت الأرض وأن الوقت قد حان لإخراجها الى العلن بهذه الصيغة .. هذه التطورات، التي نجحت فيه المخابرات القطرية، من تامين اللقاء بين مسؤولين أمريكيين وقياديين من حركة طالبان على نفس الطاولة، تاتي بعد سنوات من العداء، بهدف بدء مفاوضات هي الأولى مع الحركة المتشددة، التي اعلنت قبل ساعات عن مسؤوليتها عن قتل 4 أمريكيين في هجوم صاروخي بأفغانستان.
بدوره محمد نعيم ممثل حركة طالبان والناطق باسم المكتب الذي أفتتح تحت مسمى " المكتب السياسي لإمارة أفغانستان الإسلامية "، وهو أمر له مغزاه، كان قد تلا بيانا بثلاث لغات هي الأفغانية والإنجليزية والعربية، جاء فيه إن فتح المكتب في قطر يأتي لتوضيح استراتيجية طالبان وأهدافها.
ولخص نعيم الذي بدى دبلوماسيا وليس مقاتلا، هذه الأهداف في خمس نقاط، هي الحوار والتفاهم مع دول العالم لتحسين العلاقات معها، والسعي الى تشجيع عملية السلام واستخدام كل الوسائل المشروعة لإنهاء الاحتلال السياسي والعسكري في أفغانستان.
كما تتضمن على حد قوله فتح محادثات سلام مع الحكومة الأفغانية ودعم العملية السياسية السلمية من أجل إقامة نظام إسلامي مستقل في أفغانستان وتهيئة أجواء الأمن الحقيقي، وإجراء لقاءات مع أطراف أفغانية حسبما تقتضيه الظروف، إلى جانب تواصل العلاقات مع منظمة الامم المتحدة والمنظمات الاقليمية والدولية والمنظمات غير الحكومية وإصدار بيانات ذات طابع سياسي ونشرها من خلال وسائل الإعلام العالمية.
وأكد نعيم أن طالبان لن تكون منطلقا لأهداف ومصالح الدول الأخرى.
ومعنى هذا أن طالبان عادت الى الحظيرة التي أنطلقت منها، وعودة الى أيام تأسيسها على يد المخابرات الأمريكية كجزء من مخطط مقاومة النفوذ السوفيتي، تنعش ذاكرتنا فيما حدث وكيف تأسس تنظيم القاعدة ومن أسسه وكيف أنقلب على الأهداف الأمريكية؟ ومن ثم كيف تم تدجينه مجددا تحت مسمى جبهة النصرة في سوريا ليعود التنظيم أداة طيعة لتحقيق المآرب الأمريكية الصهيونية، فهل بعد هذا يبقى موجب للتساؤل عن مغزى هذه المفاجأة..؟!
ليس من مفاجأة في الأمر، إذ يأتي فتح مكتب طالبان بالدوحة تتويجا لمفاوضات استمرت منذ العام 2011 بشأن فتح هذا المكتب في قطر ليكون أداة مساعدة في إنهاء الورطة الغربية ـ ألأمريكية، في أفغانستان، وتسهيل المحادثات بين طالبان والحكومة الأفغانية لإنهاء الصراع الدائر في أفغانستان منذ 12 عاما.
ممثل طالبان كان يتحدث بلغة متدرب عليها جيدا، حينما صرح" إن الهدف من فتح المكتب هو إجراء مفاوضات مع الجانب الأمريكي و"سنبدأ الحوار قريبا"، مشيرا إلى أن من بين موضوعات التفاوض اطلاق سراح معتقلي جوانتانامو.
على الصعيد نفسه، لم يجد مسؤول أمريكي كبير من حرج في الإعلان عن أن بلاده ستعقد اجتماعا هو الأول من نوعه مع حركة طالبان بالدوحة في غضون الأيام القليلة المقبلة. الحكومة الاميركية قالت انها واثقة ان المحادثات بين الولايات المتحدة وطالبان ستسير قدما قريبا جدا
وقالت جين بساكي المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية "نتوقع ان تعقد هذه المحادثات في الايام المقبلة" مضيفة انها لا يمكنها اعطاء مزيد من التفاصيل.
وقالت ان جيمس دوبنز الممثل الامركي الخاص بشان افغانستان وباكستان "جاهز للذهاب ومعه جواز سفره وحقيبة يده".
ومع أن الطريق لا زال طويلا للوصول الى سلام في أفغانستان ، لكن عجلته قد دارت، سيما وأن طالبان قد حصلت بافتتاح مكتب لها بالدوحة على اعتراف بأهميتها، وطالبان التي كانت منبوذة من المجتمع الدولي، وجدت لها أخيرا عنوانا في قطر مع افتتاح المكتب الذي يعد اعترافا بالحركة وبقوة وجودها على الساحة الأفغانية وصارت بهذه الخطوة لاعبا مهما في العملية السياسية في أفغانستان.
فهل ستتكرر اللعبة الأمريكية ذاتها مع تنظيم القاعدة وهو الأب الروحي لطالبان؟..
الأمر ليس بمستبعد، والسياسة الأمريكية لا ثوابت فيها إلا المصالح الأمريكية،وفي هذه المصالح أذا أقتضت ظروف الحشد الدولي في سوريا وخدمة للهدف الأبعد، ونعني به توفير أسباب البقاء لأسرائيل ، أن تمد أمريكا يدها للتحالف مع الشيطان لفعلت ذلك....وقد فعلته !
https://telegram.me/buratha
