علي محمد البهادلي
كثيرة هي الملفات التي أخفقت فيها الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق بعد 2003، ومن هذه الملفات المهمة ملف الطاقة الكهربائية، وكل الوزراء الذين تسنموا هذه الوزارة بدءً بأيهم السامرائي مروراً بـثامر الغضبان وكريم وحيد وانتهاءً برعد شلال سعيد، أغرقوا الشعب العراقي بسيل جارف من الوعود المعسولة التي تضمنت تحسين التيار الكهربائي، وأعطوا فترات زمنية محددة لذلك، إلا أنهم سرعان ما يتنكرون لتلك الوعود ويتذرعون بمختلف الذرائع لتلكؤ وزارتهم في تقديم خدماتها للمواطنين، ومن أهم الحجج الغائبة الحاضرة تدهور الوضع الأمني والفساد الإداري المستشري في أقبية هذه الوزارة ودوائرها؛ ولأننا دخلنا هذه الأيام حمارة القيظ ينبغي أن نستقصي ونتتبع المشاكل والمعوقات التي تحول دون تحسين هذا الملف الحيوي في العراق، لذلك أجرينا هذا التحقيق.
البداية كانت مع المواطن علي منصور وسألناه عن مدى تفاؤله بتحسين التيار الكهربائي، فأجاب: (( إنني غير متفائل إطلاقاً، والسبب واضح وجلي، وهو أن المسؤولين في هذه الوزارة ينقصهم الإخلاص لهذا الوطن ولا يعبأون بخدمة المواطن، وهمهم الوحيد هو اقتناص أكبر عدد ممكن من الفرص لملء جيوبهم من الأوراق الخضراء))أما أحمد العرداوي التربوي في مديرية تربية الرصافة الثالثة، فقد فاجأنا بمعلومة يقول إنها موثقة، وهي ــ حسب قوله ـ (( إن منظومة الطاقة الكهربائية ووحدة السيطرة والكنترول تحت تصرف القوات الأمريكية، وبما أن الأمريكان لهم مصالحهم، لذا سيكون القطع المبرمج على وفق تلك المصالح، فإذا اقتضت مصلحتهم زيادة ساعات القطع فعلوا ذلك، وإلا فالعكس صحيح))، بيد أن المواطن عمار صبار عزا التدهور الكبير في الطاقة الكهربائية إلى (( عدم وجود الخبرات الإدارية والفنية فيما يتعلق بمراكز القرار والمناصب الفنية والهندسية، ومنها عدم التخطيط المسبق لمشاريع الطاقة المستقبلية)) وعندما سألناه عن كفاية المدة التي تلت سقوط النظام السابق في إعادة وتأهيل المنظومة الكهربائية، أجاب: (( المدة كافية، لكن سوء الإدارة وانعدام أو سوء التخطيط وعدم اختيار أفراد يتمتعون بحس وطني ومؤهلات فنية عالية لإصدار قرار بهذا الشأن هو السبب الذي أدى إلى هذه النتيجة)).
أما المواطن عبد الله السراي وهو إعلامي في إحدى المؤسسات الرسمية، فيجيب عن سؤالنا عن مدى تأثر عملية الإعمار والبناء بالانقطاع الطويل للتيار الكهربائي، بقوله : (( إن لها تأثيراً سلبياً وتُعَدُّ من عوائق أعمال الإعمار والبناء فضلاً عن إعاقتها مشاريع التنمية والاستثمار، بل إن المواطن العادي الذي ترتبط مهنته بالتيار الكهربائي كأصحاب المصانع الصغيرة ومحلات الحدادة والنجارة متوقفة أعماله على ذلك)).
كانت تلك آراء الناس وتصوراتهم حول التيار الكهربائي وتدهوره ومضاعفات ذلك على المواطنين، أما نحن فقد ارتأينا أن نستقصي الحقيقة من ذوي الشأن وهم منتسبو وزارة الكهرباء وأن نعرض عليهم ما رآه المواطنون، وبما أنهم لم يوافقوا على ذكر أسمائهم إما خوفاً و تقية أو مراعاة للقمة عيشهم، لذا سنرمز لأسمائهم برموز أو أسماء وهمية، فكان السؤال الآتي، وقد توجهنا به لـ حسن عبد الرحمن : هل الأعمال التخريبية والإرهابية وتفجير أسلاك الضغط العالي هي السبب الرئيس الذي أدى إلى تعثر الوزارة في تقديم خدمات أفضل للمواطنين؟ أجاب : (( نعم يعد التخريب أحد الأسباب الرئيسة في السنوات الأربع الماضية في الـتأثير في المنظومة الكهربائية، وقد أحجمت الكثير من الشركات عن العمل داخل العراق خشية الأعمال الإرهابية)) وتوجهنا إلى منتسب آخر من الوزارة نفسها ونقلنا له بعض آراء المواطنين ومنها ما يتعلق بسرقة الكيبلات وعن تأثيره الكبير في تدهور منظومة الطاقة الكهربائية، فأجاب أكرم الماجدي: (( سرقة الكيبلات موجودة بلا شك، لكنها لا تشكل عائقاً كبيراً أمام استمرار المنظومة الكهربائية)).
وسألنا الموظف أ.ج.ج عن سوء الإدارة والتخطيط الذي تحدث عنه المواطن عمار صبار، فوافق هذا الرأي وقال: (( نعم التخطيط الصحيح والإدارة من العوامل الرئيسة في النهوض بواقع قطاع الكهرباء))أما عن موضوع الفساد الإداري والمالي، فقال معقباً على ما قاله صبار : (( الفساد الإداري ليس مقتصراً على وزارة الكهرباء فهو مستشرٍ في دوائر الدولة كافة، وهو عامل رئيس في عدم تطوير المنظومة الكهربائية)).
وتوجهنا بالسؤال عن دائرتي الصيانة ودائرة العقود والمشاريع إلى الموظف عامر كاظم، فقال : (( لا تعتبر كوادر صيانة الوزارة المسؤول الرئيس والمباشر عن تدهور الطاقة، لكن المعني بالتعاقد والتعامل مع الشركات هي دائرة العقود)). أما ما يخص ترشيد الطاقة الكهربائية ودور دائرة الإعلام والعلاقات في وزارة الكهرباء في توعية المواطنين في الاستخدام الأمثل للطاقة يقول ك.و.ر ))هناك حملات إعلامية تقوم بها هذه الدائرة، لكن ما تقوم به من توعية هو دون المستوى المطلوب)).
بعد كل هذا، ماذا تقدم وزارة الكهرباء من أعذار للمواطنين وللرأي العام بخصوص وعودها المتكررة بأن المواطنين في الصيف القادم سيتنعمون بساعات طويلة من الطاقة دون انقطاع، أو تقليل ساعات القطع المبرمج؟!!
إن حجج هذه الوزارة غير مقنعة على الإطلاق، وحتى اتهامها لوزارة النفط لم يكن مبرراً بل العكس صحيح وهو أن وزارة الكهرباء بتلكؤها عن تقديم خدماتها للمواطنين أضافت عبئاً ثقيلاً على وزارة النفط مما أوجب عليها تزويد المحطات الأهلية بملايين اللترات، وهو مما يعد من عوامل هدر الطاقة، وأجزم أن هذه الكميات الكبيرة من وقود المولدات وحدها كافية لإنجاز محطات وليس محطة كهربائية واحدة، لكن على كل حال نستنتج مما سبق من مقابلات وآراء أن أسباب تدهور التيار الكهربائي هي : تداعيات الملف الأمني ووجود الفساد الإداري والمالي في هذه الوزارة وسوء التخطيط والإدارة وعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب أي عدم اتباع المهنية والاختصاص في اختيار القيادات الإدارية،وضعف الجانب الدعائي والإرشادي لدائرة العلاقات والإعلام في الوزارة، وأخيراً وجود الاحتلال الأمريكي ، ونحن إذ نضع هذه الرزمة من الأسباب بدورنا نناشد الحكومة والمسؤولين في هذه الوزارة بإيجاد حل سريع ومقنع من خلال القضاء على هذه الأسباب التي كان وما يزال جزء كبير منها متعلقاً بالذين يديرون هذه المرافق الحيوية التي تهم حياة الناس وعملهم وراحتهم، وإلا فثورة الكهرباء من الممكن أن تسقط حكومات كما كاد أن يحصل العام الماضي وقد أعذر من أنذر.
https://telegram.me/buratha