في الوقت الذي أصبحت فيه خمسة أرصفة في المرفأ الجنوبي من ميناء أم قصر خاضعة للاستثمار الأجنبي من شركات بريطانية، كويتية،فرنسية وسورية، كشفت مصادر أمنية وبحرية عن قيام هذه الشركات بأكبر عملية تجسس ضد الموانئ العراقية.
وبالرغم من أن هناك أرصفة أخرى تنتظر الفرص الاستثمارية، لاسيما أن هذه الشركات المتخصصة بعمليات النقل البحري قدمت إغراءات كبيرة للموانئ العراقية من بينها ترك البنى التحتية التي ستنشئها فضلا عن مبالغ الاستثمار وما نحوه إلا أن مراقبين ومختصين يرون أن هذه الفرصة خطوة استباقية في مجال حجز موطئ قدم في مستقبل العراق التجاري البحري - البري بعد أن يرى ميناء العراق الكبير والقناة الجافة النور وتتحول التجارة (البحر- برية ) كلها من الدول المجاورة إلى العراق.
ورافقت هذا الأمر مخاوف إقليمية كبيرة من أن يسحب العراق البساط من تحت أقدام تلك الدول لاسيما الخليجية، ويصبح قبلة التجارة العالمية بين الغرب والشرق، ففعلت نشاطات تجسسية وأخرى إرهابية وسياسات اتبعت للحيلولة من دون تحقق هذه المشاريع.
كيف بدأت الحكاية؟
صحيفة المستقبل العراقي البغدادية كشفت عن قصة التجسس التقني الذي تتعرض له موانئ العراق، واستقصت تفاصيلها عبر اكثر من جهة، لتلم بالموضوع من اطرافه جميعاً.
"كل شركة من هذه الشركات الخمس قامت بتأهيل الرصيف الذي شغلته وعينت موظفين عراقيين لديها لتعمل سنوات عشر فترة الاستثمار وبعدها ستترك كل ما أنشأته وتغادر بعد أن تنتهي سنوات العقد "، هذه الكلمات لمدير المرفأ الجنوبي في ميناء أم قصر المهندس عدنان التميمي، لكن هنالك مصادر أخرى كشفت أن هنالك خلافات بين إحدى تلك الشركات وبين سلطات الميناء الأمنية متمثلة بقوات الشرطة والوحدات الإستخباراتية ،وإن المشاكل تتصاعد بين الحين والآخر وتخمد بفعل ضغوطات ووساطات من الحكومة المحلية تارة والمركزية تارة أخرى.
ولم يشأ مدير المرفأ الجنوبي الذي تحول إلى ميناء مؤخرا الحديث عن الأمر لكن ما ترشح يشير إلى مشاكل وان تهم بالتجسس تدور حول بعض الشركات التي استثمرت وباشرت العمل منذ عام تقريبا أو أكثر. المدير لم ينف ولم يؤكد وفضل عدم التطرق لهذا الموضوع لأنه لا يملك معلومات كافية.
الوسيلة لإثبات الأمر الدخول إلى مكاتب وغرف تلك الشركة، والحصول على دليل يثبت أن لديهم كاميرات تصوير بعيدة المدى، لاسيما ان قانون الموانئ والتجارة البحرية يمنع استخدام الكاميرات في مناطق التجارة البحرية والمياه الإقليمية العراقية.
في الميناء ذاته تحدثنا إلى مصدر امني كشف لنا سبب الخلاف بقوله إن"هنالك شركة فرنسية سورية مشتركة تسمى CGM CMA اتضح إنها نصبت كاميرات بعيدة المدى في الرصيف رقم 4، وهذه الكاميرات بمقدورها تصوير البواخر التي ترسو في منطقة الانتظار البحرية وتحديد أوزانها وهوياتها وكافة التفاصيل الأخرى التي تعد محرمة وسرية ومهمة لضمان سلامة النقل من وإلى الميناء وحتى لا تكون المنافسة بين الموانئ العراقية والموانئ الدولية المجاورة غير نزيهة فإن مثل هذه المعلومات تعد في عرف التجارة البحرية محرمة، حيث لا يمكن أن تطلع تلك الدول على هذه المعلومات وقد تضر بأمن النقل البحري العراقي وتتضرر سمعة الموانئ العراقية ، فالضرورة تقضي بأن ترفع تلك الكاميرات".
كاميرات قد تكون تجسسية
المصدر يؤكد إن المعلومات أكيدة وموثقة وحالما زارت السلطات الأمنية العراقية تلك الشركة في الرصيف المذكور عثرت على هذه الكاميرات التي نصبت بعلم سلطة الموانئ العراقية المدنية وتبين أنها كانت بموافقة من الحكومة المحلية على زمن المحافظ السابق، وكانت الغاية بحسب الشركة وإدارة الميناء تقليل عمليات السرقات التي تطول البضائع المخزنة في الميناء أو الرصيف التابع لهذه الشركة.
هل تنجح قوات الامن برفعها
القوات الأمنية في البصرة استحصلت موافقة من جهات عليا برفع تلك الكاميرات من مقرات الشركة الفرنسية ،لكن القرار لم يرق للشركة الفرنسية التي تحتج بشروط العقد المبرم مع سلطات الموانئ العراقية .
مدير فرع الشركة في الميناء أياد منصور عبد الرزاق قال إنه زار قيادة شرطة البصرة وأطلعهم على تفاصيل هذه القضية وطمأنهم بأن الكاميرات غير منصوبة على شبكات النت، مما يعني إنها لا تبث الصور إلى أي جهة أخرى، والغاية من الكاميرات رصد السرقات الكثيرة التي تطول الحاويات المحملة بالبضائع التابعة للشركة والتي تخزن بضائعها في ساحات الرصيف.
أياد يقول "إن هذه الكاميرات توفر للقوات الأمنية خدمة كبيرة لأن تسجيلاتها توثق وتحفظ تسجيلات أشهر وبمقدور الكاميرات تغطية الميناء بأكمله وبالتالي الاستعانة بالتسجيلات من الشرطة العراقية في ما لو حصل عمل إرهابي أو محاولات سرقة ومانحو ذلك ".
لكن قيادة الشرطة أوفدت ضباطا من جانبها لمعاينة الحالة وتقدير إمكانية إبقاء تلك الكاميرات في أماكنها، مجلس المحافظة بدوره تدخل في القضية فالشركة تحتج بأنها تملك حق إبقاء الكاميرات وفق العقود المبرمة والقوات الأمنية تسندها جهات مسؤولة في الحكومة المحلية تؤكد أن الكاميرات تشكل خطرا على الأمن الوطني العراقي وخصوصا امن النقل البحري العراقي وقد تستغل هذه القضية لخدمة مصالح دول أخرى مجاورة، وفي الوقت ذاته فإن شركات أخرى من بين تلك الأجنبية المستثمرة نصبت كاميرات وبالتالي فإن أمن التجارة البحرية العراقية لم يعد بمأمن من عمليات نقل المعلومات المهمة عن المراكب والبواخر الراسية وتلك التي تنوي الرسو فيها.
الشركة تقلل من خطورة الأمر
عضو يمثل مجلس محافظة البصرة، زار هو الآخر مقر الشركة وعاين الحالة ليعطي رأيه للمجلس، لكنه لم يصل إلى نتيجة لأنه لا يستطيع أن يضمن عدم استغلال هذه الخاصية الرقمية لأغراض أخرى، الشركة من جانبها ترى إن القضية ليست بهذه الخطورة وإنها مسألة طبيعية توجد في كل موانئ العالم ولديها فروع في موانئ العالم الأخرى وتضع كاميرات بدقة اكبر لكن لا يحصل مثلما يحصل معهم في الموانئ العراقية، مسؤول اللجنة الاقتصادية في مجلس محافظة البصرة محمود نجم الطعان بدوره أكد خطورة الوضع إن لم يكن خاضعا للحكومة المحلية وأن تكون غرف التصوير بيد القوات الأمنية العراقية، ويبين أن المشاريع في البصرة تعاني لأسباب أهمها ضغط من الخارج لإبقاء البصرة على حالها ومنع تطور الموانئ البصرية وتقدمها وهو ضغط كبير جدا مدعوم في اغلب الأحيان بالإرهاب ومنه الإرهاب البحري للسفن وتشويه سمعة الموانئ البصرة ونشر إشاعات عن المخاطر التي قد تتعرض لها السفن والبواخر المتجهة إلى مياهنا، وقد تصب مثل هذه العمليات ومن بينها تصوير موانئ العراق في نشر وإشاعة الخوف وتسريب المعلومات، وهو لا يتهم الشركة بل هو يؤشر إلى مخاوف مشروعة لدى حكومة البصرة المحلية.
الموانئ العراقية لها رأي آخر
سلطة الموانئ من جانبها تحيل الأمر إلى مجلس المحافظة وإلى القوات الأمنية لأنها غير قادرة على اتخاذ قرار بهذا الخصوص برغم أنها تؤيد رفع الكاميرات وتقف إلى صف القوات الأمنية العراقية، مصدر آخر من داخل الشركة يكشف أن علميات السرقة التي تطول مخازن الشركة على رصيف الميناء قد تكون مدبرة من جهة ما ،لكنه لا يسمي جهة بعينها، بل يكتفي بالإشارة إلى أن الضغط بهذا الشكل على رفع الكاميرات برغم إنها لا تشكل الخطر التجسسي المذكور، يصب في صالح استمرار عمليات السرقة التي تطول مخازنها.
عدنان التميمي مدير المرفأ الجنوبي يرى الحل في أن تتولى إدارة الميناء نصب الكاميرات لديها وتشكيل غرفة مراقبة خاصة خاضعة للسلطات الأمنية العراقية وسلطة الموانئ العراقية، وبالوقت ذاته فإن الكاميرات التي ستكون جنسيتها عراقية وكادرها عراقي ستؤدي الغاية ذاتها التي تبحث عنها الشركة الأجنبية وغيرها من الشركات الأخرى. لكن التساؤل يبقى مطروحا ما هو سبب إصرار الشركة الأجنبية على إبقاء الكاميرات تحت سيطرتها .
https://telegram.me/buratha

