يبدو للمراقبين أن "المملكة العربية السعودية" لا تريد أنْ تتعلم من الأزمات. إنها تعالج مشكلة بحجم "بركان الصراع الشيعي-الوهابي الذي يغلي على أرضها" بطريقة الإهمال والقسوة والتغييب، مستندة الى قانون أنها تتبّع "الدين الحق" وأن الآخرين على ضلال. وهذه ليست المشكلة. كأنها تعيش في الستينات أو السبعينات من القرن الماضي مع أنّ كل شيء تغير، وأصبحت قوانين المجتمعات في "البقاء والحركة" غيرها التي كانت عليها في الماضي!. هذه هي سُنّة الحياة، ولا شك في أنّ من "لا يجيد" تصريف شؤونها، سيندم في النهاية.
ثمة تململ خطير ينمو في أوساط الشيعة السعوديين. إنهم يهدّدون بقتال ما يسمّونه "الطائفية المطلقة" في المملكة. وحكومة المملكة تنظر الى المشكلة من خلال "طبيعة الموقف من إيران" وأحلامها في التوسع، ومن "التغيير السلطوي" الجديد في العراق، بانتقال الحكم "واقعياً" من طائفة الى طائفة من حيث "قوة الهيمنة". وفي مدينة فقيرة جداً مع أنها تختزن تحت تربتها نصف ثروات النفط العالمي بدأ الشيعة بالتمرد، وأصبحت شعاراتهم تهتف بـ "الموت للوهابية" وبسقوط حكومة المملكة وبعدم نسيان السجناء الشيعة.
وكبار رجال الدين الشيعة "المسالمون" يرفضون لغة القوة، ويقولون أن التغيير سيكون تدريجياً، وينصحون بضرورة أن ترعى الدولة أبناءها من "دون تمييز طائفي" لكنّ الناشطين الشيعة الشبان أو من هم في عمر النضج مثل (حسين العلاق) يحذرون من "انتفاضة مسلحة" إذا استمرت سياسة "التحقير" التي تمارس ضدهم. وهو من مكان سري في مدينة "العوّامية" بالمحافظة الشرقية يؤكد لمراسلة صحيفة أميركية أن الشيعة في المملكة مازالوا يعيشون كما كان "الزنوج" يعيشون في ستينات القرن الماضي.
كانت أهم بدايات "الاحتكاك" تلك الاشتباكات التي شهدتها "المدينة المنورة" في شباط الماضي بين الشرطة الدينية والزوّار الشيعة لأضرحة ائمتهم في المدينة، ثم اشتعل فتيل الاضطراب بخروج تظاهرات وبخطبة يهدد فيها النمر بـ"الانفصال" أي بالمطالبة بتشكيل "إقليم شيعي مستقل" أو "دويلة شيعية" متمرّدة على السعودية كدولة. أكثرية الشيعة رفضوا هذا المنطق وانتقدوه لكنهم لم ينسوا مثلاً أن مدرسي "حصة الدين" في مدارس الشيعة، جميعهم من المعلمين السُنة، ولم ينسوا أن مجلس بلدية "القطيف" المدينة الشيعية بنسبة مائة في المائة يتكون من الأعضاء السُنة فقط. إنّ "تغييراً" ما في المعاملة العادلة و"فرص التوظيف" وفي الحريات يجب أن يحدث، ومن دون ذلك، يستمر الضغط بخلق المزيد من الرفض الذي يهدّد بالانفجار إنْ لم يكن الآن فغداً أو بعد غد، وتلك هي المشكلة.
وتقول (كاريل ميرفي) مراسلة صحيفة الكريستيان ساينز مونيتور: مع حال النهوض الشيعي عبر المنطقة، فإن صبر الزعماء الدينيين الكبار للشيعة في المملكة العربية السعودية يكاد ينفد وهم يعيشون في أوساط "أقلية شيعية" تتعامل بالخطاب "السلمي" لمواجهة "التمييز الطائفي" أو "طائفية الحكم السعودي المطلقة"، لكنّها تحذر من أنّ "الشبّان الشيعة" قد يدفعون باتجاه "القتال". وبهذا الصدد يؤكد رجل الدين الشيعي (السيّد حسن النمر) إنّ من حق الأكثرية السنية أن تسيطر على الحكومة، لكنها يجب أن تعتني أكثر بـ "الأقلية".
وتتابع (ميرفي) قولها: على الرغم من الحقول الضخمة للنفط التي تمتدّ تحت أقدامها، فإن "العوّامية" هذه القرية الريفية التي يسكنها مزارعون مكافحون "معدمون" يعيشون في شوارع ضيّقة، تبعد كثيراً عن مدن الأثرياء الباذخين، ذات الشوارع العريضة. وهي بعيدة في الوقت نفسه عن "النسخة الوهّابية" للإسلام السُنّي "المذهب" المفضل لدى حكومة المملكة السعودية، فيما يدين معظم السكان المسلمين في "العوّامية" بالمذهب الشيعي. وتقول المراسلة: إنّ هذه الحقائق الدينية، والاقتصادية، تساعد في توضيح بعض الشعارات التي تظهر على حيطان هذه المدينة، والتي يرتفع صوتها لأول مرة من الداخل قائلة "الموت للوهابية" أو "تسقط الحكومة" أو "نحن لن ننسى سجناءنا"!.
وفي مكان ما من قرية "العوامية" يعيش "النمر" رجل الدين الذي لم ينه أربعينيات عمره، والذي يعد "مشعل النهضة الشيعية" في مجتمعه، متخفياً من أعين الشرطة. إنه مطلوب من قبلهم للاستجواب –كما يقول مسؤولون سعوديون تحدثوا لمراسلة الكريستيان- بشأن "خطة وعظ" غاضبة هدّدت بالانشقاق والتمرّد، وأيضا في التحقيق عن "أدواره السرّية" في حدوث اشتباكات مسلحة في المدينة المقدسة "المدينة" في وقت مبكر من السنة الحالية.
وتنقل (ميرفي) عن أحد سكان "العوّامية" قوله: ((نحن كنا صبورين لوقت طويل، متأملين نيل حقوقنا، لكنّ صبرنا كان عديم الفائدة)). وتؤكد المراسلة أن التطورات الأخيرة في "المدينة" و "العوّامية"، تعكس حال الإحباط في أوساط الأقلية الشيعية في المملكة العربية السعودية، كنتيجة لاستمرار "التمييز الطائفي" في الحصول على الوظائف ودخول الجامعات وفي نوعية المدارس، وكذلك في "سماح" الحكومة و"تسهيلها" لخطابات "علماء الوهابية" المعادية للشيعة والتي تتحدّث عنهم ببغض، طبقاً لما أكده أكثر من عشرة ناشطين شيعة، وكتاب، وعلماء دين، قابلتهم مراسلة صحيفة الكريستيان ساينز مونيتور في "المحافظة الشرقية" الغنية بالنفط.
وتقول إنّ الزعماء الشيعة في هذه المدينة يحذرون من "انتفاضة مسلحة" في أوساط الشبّان الشيعة، الذين بدأوا يفقدون الثقة بنظرة القيادة الدينية القديمة التي تفضل العمل بسلام من أجل تغيير الحال. ويؤكد الشيخ (حسين البيات) رجل الدين الشيعي في "القطيف" قوله: ((إن المشكلة الآن هي أننا نواجه..."فضلت صحيفة الكريستيان عدم ذكر الكلام"... ونحن نحاول أن نقنع هؤلاء الشبّان الغاضبين بقولنا: نعم..اهدأوا، هناك أشياء نحن نحاول أن نعملها من أجلكم)). ويضيف: ((لكنهم يودون أن يروا شيئاً سريعاً يحدث. وهذا ما يدفعنا الى إخبار زعماء الحكومة في المملكة: نحن في الوقت الحاضر نسيطر على الموقف مع الناس هنا...ولكن قد يأتي وقت سوف يتجاوزوننا فيه)).
وترى (كاريل ميرفي) أنّ الشيعة "ينهضون" أو بدأ "صوت مجتمعاتهم بالإرتفاع" ولكن ليس هنا. ونفاد الصبر هذا –في أوساط شيعة السعودية- يأتي في وقت تتصاعد فيه القوّة الشيعية في العالم العربي؛ في العراق، حيث أصبح الشيعة يقودون السلطة السياسية في البلد الذي ظل محكوماً بسلطة الأقلية السنية لقرون طويلة. وأصبح السكان الشيعة الأغلبية في البحرين يتحدّون الحكومة السُنّية. وإيران الشيعية، المنافس "الطائفي والإقليمي" للملكة العربية السعودية، تعمل بخطط "هجومية" لتسليط تأثيرها ونفوذها في الشؤون العربية، وبشكل خاص في لبنان وفي غزة.
وهذه التطورات –كما تقول الصحيفة- بدأت ترفع من مستويات التوتر السُنّي-الشيعي طويل الأمد. وبعد الخلاف الذي شهدته، ما تسمّيه الكريستيان ساينز مونيتور -الصحيفة الأميركية ذات التوجهات الدينية المسيحية- ((طفولة الإسلام)) أو مراحله الأولى على اختيار خليفة الرسول محمد (ص) فضل الشيعة طريق التعاقب العائلي، وليس إجماع الأمة الذي فرض هيمنة السُنة الذين يشكلون اليوم أغلبية ساحقة بين مسلمي العالم، فيما يشكل الشيعة فقط نحو 10 الى 15 بالمائة من المسلمين.
وفي الوقت الحاضر، تتزايد "حساسية" الحكومة السعودية من طبيعة شكل المعارضة التي تحركها الأقلية الشيعية التي تبلغ نسبها في المجتمع السعودي نحو 10 بالمائة من السكان. لكنّ قادة الشيعة في السعودية يقولون إنها "مشكلات محلية"، وليست "أحداثاً لها علاقة بالخارج" أي أنّ الحافز على "التمرد" هو الإحباط الذي يعيشه الشيعة. ويقول (جعفر الشايب) العضو الشيعي في مجلس بلدية "القطيف": ((الشعور بأنهم يتعرّضون لتمييز طائفي، يعمّق الإحباط في نفوسهم)).
وقبل 15 سنة، دعت الحكومة السعودية المنشقين الشيعة المنفيين الى العودة الى بلدهم. والمفاوضات الأولية حققت تطورات. والآن يستطيع الشيعة في السعودية إحياء مناسباتهم الدينية المقدسة عندهم، كعاشوراء التي تمجّد استشهاد الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) في أرض كربلاء خلال القرن السابع الميلادي على أيدي "جيش سُنّي"، طبقاً لتعبير الصحيفة. والحكومة السعودية تسمح –لكنْ بشكل متباطئ- ببناء مساجد شيعية، أو كما يسمّونها "حسينيات". وأخذ الشيعة يحصلون على تراخيص العمل، وينالون بعض المُنح الحكومية للدراسة في الخارج. وكتبهم الدينية، يتم الآن الحصول عليها بسهولة من باعة الشوارع. كما أصبحت العلاقات الشخصية بين العمال الشيعة والسنة جيدة، طبقاً لقول كثيرين من أبناء الأقلية الشيعية.
وفي إطار مسألة "التمييز الطائفي"، تقول مراسلة الصحيفة الأميركية، إن الشيعة يواجهون صعوبات في الحصول على وظائف حكومية، وهم بشكل روتيني يُهملون من ناحية "الترقيات" الوظيفية إذا ما استحقوها. وجميع الوظائف العليا في بلدية "القطيف" –وهي مدينة شيعية بنسبة 100 بالمائة- يشغلها السُنّة. وليس هناك "سفير شيعي" واحد يمثل المملكة السعودية في الخارج.
وتؤكد المراسلة (كاريل ميرفي) إن الأقلية الشيعية تعرّضت لإحباط شديد، عندما ولي العهد (الملك عبد الله بن عبد العزيز) الذي فشل في تعيين أي شيعي في وظيفة عليا، خلال التعديل الوزاري في شهر شباط الماضي على الرغم من أنّه سمّى 5 من الشيعة لعضوية مجلس الشورى الاستشاري المكوّن من 150 عضواً. ولاحظ الشيخ (حسين البيات) أيضا أنه في الوقت الذي تتمتع معظم مدارس الأولاد في المناطق الشيعية بمديرين شيعة، فإنّ الحال تختلف مع مدارس البنات. ويؤكد الشيعة أن معظم مدرسي الدين في المدارس الشيعية هم من "السُنّة".
وتقول (نسيمة داود أسد)، وهي ربة بيت في "جمعية الصفوة" التي تساعد في إعداد برامج تدريبية للإمهات الشابات إن المعلم السُنّي لـ"ابنها" أخبره أنه "ليس مسلماً" لأنه يزور الأضرحة، وأنّ ذلك ليس جزءاً من "العقيدة الإسلامية"، وأضافت قولها إن المعلمين السُنّة يحاولون بعض الأحيان "تغيير معتقدات الأطفال"!.
ويقارن أحد سكان القطيف (حسين العلاق) وهو كاتب، وموظف في شركة خاصة لـ"الموارد البشرية"، حال الشيعة في السعودية مع الأميركان الأفارقة قبل حركة الحقوق المدنية. وتقول مراسلة الكريستيان: عندما تحدث (العلاق) مع الأميركان السود في رحلة أخيرة الى الولايات المتحدة، شعر "حقيقة كأنه يستمع الى مواطنين شيعة في السعودية". أي أن "المظالم" كانت متشابهة.
وتضيف المراسلة قولها: وبينما كان السود في الولايات المتحدة يقاتلون من أجل حقوقهم في الستينات، كان (السيد حسن النمر) فتى شيعياً ينشأ في السعودية. والآن هو إمام في "الدمام". ويقول إنه رأى الكثير من التغييرات منذ ذلك الوقت، لكنّ الشيعة في السعودية مازالوا بحاجة الى المزيد من التغيير. ويضيف (النمر) قائلاً: ((إن من حق الأكثرية أن تسيطر على الحكومة، لكنها يجب أن تعتني جيداً بالأقلية. والحل هو انفتاح البلد، وإعطاء الحريات للعمل السياسي، وقبول الآخرين كما هم...ويجب أن يكون هناك القليل من الديمقراطية)).
وتؤكد مراسلة الكريستيان إنّ رجال الدين يهدّدون بـ"الانفصال". وأوضحت أن إحباطات الشيعة في المحافظة الشرقية، وصلت مرحلة الغليان قبل شهور، أي بعد ثلاثة أيام من الاشتباكات بين الحكومة وبين الشيعة في "المدينة" ثاني مكان معظم ومقدس بالنسبة للمسلمين. والحكومة تقول إن الاشتباكات بدأها الشيعة، عندما تحدّوا التعليمات في مقبرة المسلمين القديمة في "المدينة". وتلك التعليمات تمنع النساء من الدخول الى المقبرة، وتمنع "أخذ" أي قبضة من التراب أو الرمال من مواقع الدفن. وهي تعليمات مفروضة من قبل الشرطة الدينية، التي يديرها أصحاب المعتقدات "الوهابية" الذين يعدّون "المعتقدات الشيعية" ممارسات ضلال!. وكنتيجة للاشتباكات اعتقل نحو 71 شخصاً، 22 منهم كانوا سُنّة، و49 كانوا شيعة. طبقاً لمصادر الحكومة التي رفضت الكشف عن هويتها.
ويقول الناطق باسم وزارة الداخلية اللواء (منصور التركي) في مقابلة أجرتها معه مراسلة الكريستيان إن الحكومة تمنع بعض الممارسات الدينية في "المدينة المنورة" و"مكة المكرمة" لكي لا "تهين" الأغلبية السُنّية في البلد. وأضاف: ((إن المملكة مهتمة جداً بجميع المسلمين الذين يؤدون فريضة الحج، ويزورون مسجد الرسول في المدينة. لكن جميع المسلمين يجب أن يحترموا بعضهم بعضاً)). ويشدد (تركي) على القول: ((لن نسمح لأية مجموعة من المسلمين أن تحاول عمل أي شيء نشعر أنه سوف يجعل الطرف الآخر مستاء)). لقد توافقت الطوائف الإسلامية على 90 أو 95 بالمائة من الأشياء –يقول تركي- فذلك ما يجب أن نركز عليه.
لكنّ السيّد (النمر) رجل الدين الشيعي، يقول إن الشيعة يجب أن يكونوا قادرين على ممارسة شعائرهم أو طقوسهم. ويضيف: ((الشيعة سيبقون شيعة، وسوف يستمرون في الذهاب الى مقابر المدينة المقدسة، وسوف يمارسون معتقداتهم هناك)). ويؤكد: ((فإذا كان الطرف الآخر يتوقع أنه يستطيع أن يفرض طريقته في زيارة الأضرحة المقدسة، فسوف يكون عندنا مشكلة ثانية)).
وتقول الصحيفة: إن اشتباكات المدينة، أشعلت الاحتجاجات لأيام عدّة في المحافظة الشرقية. وشيخ "العوّامية" السيد (حسن النمر) ألقى خطبة جمعة مثيرة، قبل أن يضطر الى الاختفاء. ويقول عن ذلك: ((سوف نطالب باستعادة كرامتنا بكل الطرق المسموح بها...وإذا لم تجد نفعاً...فأننا سنضطر الى الدعوة إلى الانفصال عن هذه الدولة)). ولعدة أسابيع، نظم المتعاطفون مع السيد (النمر) تظاهرات احتجاج، نصبت بعدها قوات الأمن السعودية نقاط تفتيش. ويقول (تركي) الناطق باسم وزارة الداخلية إن السلطات، ليس لها مصلحة في تصعيد التوترات، لكنها تريد استجواب (النمر) بشأن حوادث المدينة لأننا ((نعتقد أن هؤلاء الناس كانوا قد تعرّضوا لتأثير شخص ما في مجتمعهم)).
أما زعماء الأقلية الشيعية فهم يرفضون علناً حديث (النمر) عن الانشقاق أو الانفصال، وأكدوا بشكل خاص أن تعليقاته تلك قد آذت كثيرين. ويقول (توفيق السيف) وهو ناشط وكاتب شيعي في الدمام بهذا الصدد: ((لقد تحدث عن الانفصال؛ هذه العبارة كانت خطأ كبيراً، وكان عليه أن يتجنب هذا القول)).
وبرغم كل ذلك –تقول مراسلة الكريستيان- فإن الشكاوى الشيعية باقية، كما يؤكد (السيف) وأن الوقت قد تغيّر. ويضيف قوله: ((معظم الشيعة يؤمنون بحقوقهم، وهم يؤمنون أنهم سيحصلون عليها)). وشدّد على القول: ((إنهم يعتقدون أن العالم قد تغير لصالح فائدتهم وليس ضدها)).
https://telegram.me/buratha