في ظل الظروف الراهنة والحرجة التي يمر بها شعبنا في المنطقة الشرقية نتيجة الحصار والتضييق الذي يعانيه من سلطات الكيان السعودي واستهتاره بمقدرات المواطنين الشرفاء , وتعقيباً على ما ظهر في الآونة الأخيرة من التباس في تقييم الانتفاضة التي بدأت شرارتها نتيجة الأحداث المؤسفة في الحرم النبوي الشريف في شهر فبراير الماضي , ولأجل بيان وتوضيح بعض النقاط المهمة والتي يجب أن لا تغيب عن بال الشباب الثوري في هذه الفترة العصيبة , أصدر الشيخ محمد الحسين رئيس لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في شبه الجزيرة العربية بياناً أشار فيه إلى بعض النقاط المهمة ولإتمام الفائدة , والله الموفق .
البيانبسم الله الرحمن الرحيمروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر).وعنه صلى الله عليه و آله ( إن الله عز وجل ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له . فقيل : وما المؤمن الضعيف الذي لا دين له ؟ قال : الذي لا ينهى عن المنكر ) .في البداية أرفع سلامي و تحياتي و إجلالي وإكباري لأخي العزيز سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ المجاهد نمر النمر حفظه الله ورعاه و حرسه من كل مكروه ، و أشد على يديه ، وأقبل المنبر المبارك الذي أظهر من خلاله قول الحق و الخطاب الفصل ، وأحيي فيه صدقه و إخلاصه و شجاعته و إيمانه بقضيته ، و أقف أمامه كوقوفي أمام جبل شامخ لا تزلزله الرياح ولا يضعف من عزمه الأقزام .كما أزف تحياتي و إجلالي و إكباري لأهالي العوامية الأباة الأبطال الغيارى على دينهم و مقدساتهم ووطنهم المستباح ، و أبارك لهم أعراس العز والشرف والكرامة ، أعراس الشموخ والتحدي والبطولة ، أعراس النصر على قيود السجانين و سياط الجلادين بالقبضات المرتفعة والصرخات المدوية .إن أيديكم العزل و صرخاتكم المطالبة بإحقاق الحق و إزهاق الباطل و حضوركم الدائم في ميدان العزة والكرامة كانت رغم بساطتها ومظهرها السلمي بمثابة الزلزال الذي هز كيان النظام الذي لا يطيق الرأي المخالف والكلمة الحرة ، النظام الذي تأسست أركانه وقواعده على تطويع الشعب وترويضه وإخضاعه لأوامره وقوانينه المبنية على مقاس مصالح أهل الحكم و أمزجتهم الشخصية .
أيها الأحبة لقد قطعتم أشواطا طويلة و عظيمة في مسيرتكم المطالبة باسترجاع الحقوق على أساس العزة والكرامة و دفعتم خلالها تضحيات كبيرة وحققتم مكاسب مهمة ، وأثبتم أنكم شعب ذو إرادة صلبة لا يقهر و لا يهزم ، وقد أصبحتم في وسط طريق يعتبر التراجع فيه دون تحقيق المطالب الكاملة تضييعاً للفرصة و بيعاً للمكاسب في سوق خاسرة ، و إعطاء الفرصة مرة أخرى للنظام لممارسة التعالي والاستكبار والغطرسة و سلب الحقوق والحريات أكثر فأكثر ، كما يعتبر الثبات والصمود والصبر بعزيمة الإيمان الراسخ في قلوبكم في هذا الطريق تحقيقا للنصر ، ولا تستوحشوا من طريق الحق ، طريق ذات الشوكة لقلة سالكيه وكثرة قطاعه والمتربصين بكم فيه.وكفى بكم شرفاً أن تكونوا الشرارة الأولى لانتفاضة لن تنطفئ جذوتها ولن تخمد نارها ولن يقضى على ثمارها، بل سيلبي نداءها عاجلاً أم آجلاً كل الأحرار و الغيارى من أبناء شعب القطيف والأحساء إذ أن هذه الانتفاضة عنوان لقضية الشعب كله ، و لأنها ستؤسس لمرحلة جديدة في الصراع التاريخي مع هذا النظام كما أسست انتفاضة المحرم المباركة عام 1400 هـ لنقلة نوعية في الوعي السياسي والنضج في المعارضة وبلورة المشروع الوطني ما زلنا جميعا نجني ثمارها المباركة ، ولأنها تحمل رسالة مفتوحة لكل من اكتوى بظلم هذا النظام وطغيانه أن يناصرها و يؤازرها و يتبناها حتى تحقيق كل المطالب العادلة والمحقة .
الانفصال أم الاستقلال :لقد تردد مؤخراً مصطلح الانفصال كحل آخر إذا تصلب النظام وبقي مصراً على عناده واستكباره وعدم استجابته لمطالب الشعب العادلة ، إلا أنني و مع احترامي وتقديري للإخوة المخلصين الذين أطلقوا هذا المصطلح في خطابهم السياسي لا أراه ينسجم مع واقعنا السياسي ولا على التركيبة الجغرافية الفعلية لهذا البلد ، فالانفصال والدعوة إليه لا تتحقق في المفهوم السياسي إلا من قبل جماعة تعيش ضمن إقليم أو منطقة تعتبر جزءا طبيعيا و شرعيا من الناحية التاريخية والجغرافية و الاجتماعية من وطن واحد لا يقبل التقسيم ، يشعر أبناء مناطقه و أقاليمه بالانتماء الحقيقي لهذا الوطن التاريخي الواحد الموحد ، ولهذا فكل من يدعو للانفصال أو التقسيم يواجه بالانتقاد والتقريع و الاتهام بعدم الولاء للوطن و تهديد الوحدة الوطنية .
أما نحن فلا تنطبق علينا هذه الشروط ، وليست دعوتنا للانفصال في محلها أصلا، فوطننا الحالي بجغرافيته السياسية و الاجتماعية المنظورة لا يتعدى عمره المائة عام حيث قامت بريطانيا آنذاك بدعم حاكم نجد عبد العزيز بن عبد الرحمن لتوسيع رقعة حكمه وضم الحجاز و إقليم عسير و القطيف والأحساء على أساس استعماري توسعي تحت شعار ( التوحيد ) ، ثم وضع اسم جديد لوطن مصطنع وملفق تحت وطأة الحديد والنار ، وأعطي حاكم نجد لقباً جديداً يليق بالخارطة المستحدثة وهو ( ملك المملكة العربية السعودية ) ، و أصبحت الشعوب الواقعة تحت سلطة هذا الكيان الجديد تسمى ( سعودية ) والمواطن المحكوم ( سعودياً ) .
وقد تفوق مؤسس الكيان السعودي عبد العزيز على أستاذه الأول معاوية بن أبي سفيان في الفرعونية و الاستكبار والطغيان ، فبالرغم من الوله والنهم الذي كان ينتاب معاوية بحب السيطرة وتوسيع رقعة ملكه إلا أنه لم يلغ خصوصيات شعوب تلك البلدان ولا هوياتها الوطنية ، ولم يسمها (أموية ) بالرغم من استعباده و تطويعه لتلك الشعوب .
أما عبد العزيز فقد ألغى الهوية والانتماء للدين و الوطن والتاريخ و أرسى بدلاً عنها الانتماء والتبعية المطلقة للعائلة ولذلك الوطن المصطنع ، وبقيت إشكالية الهوية والانتماء والوطن والمواطنة القضية الكبرى التي ما زالت تلقي بظلالها على كل هذه الكيانات المركبة و على شعوبها المغلوبة على أمرها .على النظام إذا كان حريصاً على وحدة هذا الوطن و أمنه و استقراره ، أو حريصاً على مصالحه و أمن حكمه أن يرضخ ويستجيب للمطالب العادلة لهذا الشعب و أن يعلم أن سياسة الحديد والنار والتهديد والوعيد والإقصاء والتهميش لن تكون عواقبها سوى المزيد من الفوضى وانعدام الأمن والاستقرار والتصعيد الخطير الأمر الذي قد يؤدي إلى رفع سقف المطالب والمطالبة بالاستقلال .
نعم من حقنا إذا ما بقي النظام يراوغ و يماطل و يسوف في الاستجابة لنداء الحكمة والعقل و لمطالب الشعب المحقة أن نطالب بالاستقلال لا الانفصال ، ولا نخجل من ذلك بل نعتبره متوافقا مع مصلحة الوطن الذي تعتبر قيمة و عزة و كرامة الإنسان فيه هي المحور الأساس و الهدف السامي لوجود الأوطان لا الوطن الذي صنع ليكون المحور الأساس فيه الحفاظ على مصالح ورغبات وشهوات السلطة السياسية والهدف النهائي فيه استعباد واستضعاف واضطهاد أبناءه .
واجبنا تجاه الانتفاضة المباركةلقد انبثقت دعوة صادقة من قبل أحد العلماء الربانيين أيام الحرب على غزة تحظ جميع الشعوب المسلمة للخروج والتظاهر و التضامن والدفاع عن شعب غزة المظلوم ، واعتبر العالم الرباني أن من يقتل في هذا الطريق فهو شهيد ، ذلك أن تلبية نداء استغاثة المظلومين المعتدى عليهم و المسلوبة حقوقهم وظيفة شرعية على كل المسلمين ، ولم يكن شعبنا حينها مستثنى من هذا النداء ، ولم تكن له خصوصية تخرجه من هذا الواجب المقدس كما يدعي البعض ، بل كان مبنى هذا العالم الرباني إطلاق أدلة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واشتمالها التشديد والتأكيد البالغ و التحذير من عاقبة تركها وخصوصا في هذه الموضوعات الهامة والخطيرة التي ترتبط بالأمة ومصيرها وشمول الوجوب فيها لجميع طبقات الأمة وعلى رأسهم علمائها و أهل الحل والعقد فيها ، وحتى لو لم تكن عند البعض مقدمات واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محرزة فلا يسقط الواجب من رأس ولا يكون المكلف فاقداً للشروط كما هو الحال في باب الحج أو غيره من الفرائض عند فقدان بعض شروطها ، بل يجب السعي لتحصيل المقدمات و تنضيج الظروف وتمهيد الأرضية السياسية والاجتماعية والفكرية ليكون المجتمع قادرا على تحمل هذه المسؤولية الخطيرة .
فكيف بنا إذا كنا نحن المظلومين والمعتدى علينا ونحن المسلوبة حقوقنا ، ونحن من فرضت علينا حرب استهدفت أرواحنا و مقدساتنا و عقائدنا و حقوقنا و جميع مناحي حياتنا ؟! ألا يجب علينا أن نعلن استنكارنا ورفضنا لهذه المنكرات ! ، أليست كلمة العدل أمام السلطان الجائر من أجلى مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأولى مراتبها التي أوجبها الشارع المقدس ؟! .لقد بقينا لسنوات طوال نقابل هذه الحرب العدوانية والإرهاب الحكومي الممنهج بنداءات الاستغاثة و عرائض الاسترحام والاستعطاف مشفوعة بديباجات الاحترام والمديح والإطراء ومسبوقة بإثبات الولاء والطاعة (لولاة الأمر) ! وبزيارات ولقاءات متتابعة ، فلم تكن نتائجها سوى المزيد من السخرية بنا ، والإمعان في ظلمنا وسلب حقوقنا والتنكيل بنا ، وتحميلنا المسؤولية عما يرتكبونه بحقنا ، ألا يحق لنا أن نخرج صارخين رافضين هذا الظلم والحيف !.
هل نرضى أن يكون حالنا مصداقا لقول الإمام أبي جعفر عليه السلام (( يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون فيتقرؤون و يتنسكون حدثاء سفهاء لا يوجبون أمراً بمعروف و لا نهياً عن منكر إلا إذا أمنوا الضرر يطلبون لأنفسهم الرخص و المعاذير - ثم قال - : ولو أضرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم و أبدانهم لرفضوها كما رفضوا أسمى الفرائض و أشرفها . إن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض . هنالك يتم غضب الله عز وجل عليهم فيعمّهم بعقابه فيهلك الأبرار في دار الأشرار و الصغار في دار الكبار )) .
ما زالت انتفاضة البقيع المباركة سلمية في توجهها عادلة في مطالبها ، سلاحها مواقفها و قبضاتها العزل وصرخاتها الصادحة بقول الحق ، وما زالت فصائل المعارضة تدير معركة استرجاع الحقوق عبر جهاد الكلمة الحرة الصادقة والعمل السياسي الشريف بعيداً عما يحاك لهم من مؤامرات و أساليب و ممارسات مكشوفة للنيل من هذه الحركة المباركة و تشويه قضيتها و أهدافها المشروعة والعادلة ، ولن يخيفهم تهديد النظام و وعيده و لن يثني من عزائمهم .
فليعلم أهل الحكم إذا كان أمنهم خطاً أحمر لا يجوزون لغيرهم المساس به ، فإن انتهاك حقوقنا وعزتنا و كرامتنا و الاعتداء على علمائنا و رموزنا المخلصين من المحرمات التي لا نرضى بتجاوزها مهما كلف الأمر ، وأن الدفاع عن تلك المقدسات بكل الوسائل المشروعة واجب شرعي في أعناقنا لن نتخلى عنه .
https://telegram.me/buratha