المقالات

الغزو الثقافي حرب مستمرة


الشيخ الدكتور محمدعلي الدليمي ||

 

كيفَ يمكنُ للمُسلمِ المُعاصرِ أن يتحدّثَ عن النّظمِ السياسيّةِ الحديثة؟

وهوَ مُشبَعٌ بثقافةِ الخلافةِ الإسلاميّة، وأدبيّاتِها التاريخيّة؟

وعليه يمكنُنا القولُ إنَّ مُعظمَ الكتاباتِ الإسلاميّةِ في حقيقتِها مُعالجةٌ لهذا السؤال، فعلمُ الكلامِ بصورتِه القديمةِ والجديدة هوَ في الواقعِ دفاعٌ عن الإسلامِ عقائديّاً وثقافيّاً، وعليهِ فإنَّ الإجابةَ المُختصرةَ قد تكونُ ذاتَ تأثيراتٍ محدودة، كما أنَّ توسيعَ الإجابةِ يعني النقاشَ التفصيليَّ لجميعِ عناوينِ الغزوِ الثقافي وهذا ما لا يتحمّلهُ المَجال، ومِن هُنا فإنَّ الإجابةَ المثاليّةَ في تصوّرِنا يجبُ أن تتضمّنَ المفتاحَ الذي يجعلُ الجميعَ قادراً على المُساهمةِ في هذهِ المواجهة، ويبدو لنا أنَّ الخطوةَ الأولى في هذهِ المواجهةِ هي تحديدُ ساحةِ الصّراعِ التي تتواجَهُ فيها الثقافةُ الدخيلةُ والثقافةُ الأصيلة، ومنَ المؤكّدِ أنَّ الإنسانَ كفردٍ أو كمُجتمعٍ هوَ الذي يُشكّلُ ساحةَ الصراعِ بينَ الثقافةِ الغربيّة والثقافةِ الإسلاميّة، فطبيعةُ الثقافاتِ تستهدفُ بالأساسِ توجيهَ الإنسانِ والهيمنةَ عليهِ حضاريّاً، فمَن يكسبُ إدارةَ الإنسانِ وتوجيهَهُ حضاريّاً يكسبُ هذا الصراعَ الثقافي، وما نشهدُه اليومَ مِن هيمنةٍ للثقافةِ الغربيّة على مُجمَلِ الحياةِ الإنسانيّة بما فيها حياةُ المُسلمين دليلٌ على هزيمةِ المُسلمينَ حضاريّاً، والمهزومُ في العادةِ يُقلّدُ ثقافةَ المُنتصِر أو أنَّ المُنتصِرَ هوَ الذي يفرِضُ ثقافتَه على المَهزوم، ففي النتيجةِ أنَّ التراجعَ الحضاريَّ للمُسلمين هوَ الذي أدّى إلى تراجعِهم ثقافيّاً، فعندَما كانَت الحضارةُ الإسلاميّةُ هيَ الأولى عالميّاً كانَت الثقافةُ الإسلاميّةُ هيَ مصدرَ إلهامٍ للشعوبِ الغربيّة، في حينِ أصبحَت الثقافةُ الغربيّةُ اليومَ هيَ مصدرُ إلهامٍ للشعوبِ الإسلاميّة، ولا يُفهَمُ ذلكَ على أنّهُ تبريرٌ للقبولِ بالثقافةِ الغربيّة طالما كانَت هيَ صاحبةَ الحضارةِ العصريّة، لأنَّ تلكَ الثقافةَ بدأت بالفعلِ في التآكلِ وتكشّفَت كثيرٌ مِن عيوبِها الاجتماعيّةِ والسياسيّةِ والاقتصاديّة وأصبحَت سبباً لشقاءِ الشعوبِ الإسلاميّة، كما لا نقصِدُ تعليقَ مواجهةِ الغزوِ الثقافي على إقامةِ نظامٍ إسلاميّ يكونُ هوَ صاحب اليدِ العُليا عالميّاً؛ لأنَّ ذلكَ قد يكونُ حُلماً بعيدَ المنالِ في الوقتِ المنظور، وإنّما نقصدُ بذلكَ تحميلَ الأمّةِ مسؤوليّةَ الوعي الحضاريّ بالإسلام، فالذي يبدو للعيانِ أنَّ الأمّةَ ما زالَت غيرَ مُقتنعةٍ بمشروعِ الإسلامِ الحضاري، أو على الأقل في حالةٍ منَ الشكِّ والريبةِ في قُدرةِ الإسلام على قيادةِ العالمِ حضاريّاً، فالوعيُ الإسلاميُّ الأكثرُ حضوراً هوَ الوعيُ الذي يتعاملُ معَ الإسلامِ بوصفِه رسالةً للآخرةِ ولا علاقةَ لهُ بالحياةِ الدّنيا، وعليهِ قبلَ الحديثِ عن مواجهةِ الآخرِ ثقافيّاً لابدَّ أن نُحدّدَ طبيعةَ الثقافةِ التي نواجَهُ بها، ويبدو أنَّ الأمّةَ الإسلاميّةَ لم تُنجِز بعد هذهِ المُهمّة، فما زالَ الخطابُ الإسلاميُّ غيرَ مستوعبٍ لخطورةِ اللحظةِ الحضاريّةِ التي تعيشُها الأمّةُ الإسلاميّة، وما زالَ الخطابُ مُنشغِلاً ببعضِ العناوينِ والمُمارساتِ البعيدةِ عن همومِ وآمالِ الإنسانِ المُعاصِر، فطبيعةُ الإنسانِ وطبيعةُ الزمانِ يستوجبانِ فهماً إسلاميّاً يتناسبُ والصيرورة الحضاريّة للإنسانيّة، بينَما لم تزَل الأمّةُ تعيشُ الإسلامَ في صورتِه التاريخيّة، فإذا كانَ الوعيُ ماضويّاً لا يتفهّمُ ضروراتِ المرحلةِ فإنَّ التحجّرَ والجمودَ سيكونُ هوَ المصير المحتوم، والإنسانُ المُسلمُ مُطالبٌ بأن يكونَ إسلاميّاً في أفكارِه ومعارفِه، وفي نفسِ الوقتِ هوَ مُطالبٌ بالتفاعلِ معَ الحياةِ بكلِّ ما فيها مِن مُتغيّرات، وحينَها يصبحُ الاشتغالُ على إنتاجِ فكرٍ يستوعبُ كِلا البُعدين ضرورةً تفرضُها موقعيّةُ الإنسانِ في الحياة، ولا يمكنُ أن تخرُجَ الأمّةُ منَ التديّنِ الشكليّ والطقوسيّ ما لَم تخرُج منَ الحياةِ في الماضي لتعيشَ في الحاضِر.

وهُنا يبرزُ السؤالُ كيفَ يجبُ أن نفهمَ الإسلام؟

هل بوصفِه قضيّةً تهتمُّ بحياةِ الإنسانِ في الدّنيا أم أنّه يهملَ ذلكَ بالمُطلق؟

فإذا لم تكُن الإجابةُ على هذا السؤالِ واضحةً بكلِّ تفاصيلِها وأبعادِها لا يمكنُ أن تقودَ الأمّةُ أيُّ نوعٍ مِن أنواعِ المواجهةِ الثقافيّة، فيجبُ أن يكونَ الإسلامُ في وعي الأمّةِ هوَ فلسفةٌ للحياةِ والإنسان وليسَ فلسفةً تمنعُ الإنسانَ منَ التفاعلِ المطلوبِ معَ الحياة، وهُنا يبرزُ دورُ كلِّ الأمّةِ في هذهِ المواجهةِ الثقافيّةِ بتحمّلِ مسؤوليّتِها وبإعادةِ ثقتِها في ثقافتِها الإسلاميّةِ وتطويرِ وعيها الحضاري، فإذا تضافرَت جهودُ الأمّةِ يمكنُها أن تقودَ هذا الصراعَ بقوّةٍ واقتدار، أمّا إذا كانَت ثِقةُ الأمّةِ مهزوزةً أو كانَت ثقافتُها مشوّهةً فإنَّ مصيرَها سيكونُ الذوبانَ في ثقافةِ الحضاراتِ الأخرى.

 

ــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك