رياض البغدادي ||
الاخوة القراء الكرام سوف أكمل نشر النفحات القرآنية التي بدأتها في شهر رمضان الماضي والذي انتهيت فيها الى النفحة رقم (19) .
أقول بعد التوكل على الله تعالى ..في الآيات القرآنية (51-56) من سورة (المؤمنون) :
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54) أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)
اعلم ان ظاهر قوله (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ ) خطاب الى الرسل، وهذا محال ،لأن الرسل انما ارسلوا متفرقين ،فكيف يكون الخطاب إليهم مجتمعين، وفي تأوله وجوه :
الاول : المعنى أن كل رسول قد نودي بهذا النداء في زمانه .
الثاني : ان المراد بهذا الخطاب هو نبينا صلى الله عليه وآله ، وان جاء بالجمع فهو أمر مألوف .
الثالث : الخطاب معني به عيسى عليه السلام ،حيث روي انه كان يأكل من مردود ارباح غزل أمه .
أما قوله تعالى « مِنَ الطَّيِّبَاتِ » ففيه وجهان :
1 . اي انه طعام من حلال لم يُعْصَ اللهُ فيه ،وصافٍ لم يُنْسَ الله فيه .
2 . إنه المستطاب المستلذ من المأكل .
واعلم انما أخّر ( وَاعْمَلُوا صَالِحًا ) فهي اشارة الى ان العمل الصالح لا يأتي الا ممن طاب مأكله.
وأما قوله تعالى « وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ » المعنى أنه كما يجب اتفاقهم ( الرسل ) في أكل الحلال والأعمال الصالحة، فكذلك هم متفقون في التوحيد ، فإن قيل كيف يكون دينهم واحداً مع ان شرائعهم شتّى ؟ قلنا ان الدين هو معرفة الله تعالى وصفاته، وهم متفقون فيه، واما الشرائع المتباينة، فلا يسمى ذلك اختلافاً في الدين .
اما قوله تعالى «فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا » فتقطعوا أي الأمم وهي تحمل معنى المبالغة في شدة تباين أمم الانبياء فيما يتصل بالدين وأيضا فيها مبالغة في حرصهم على ترسيخ الفرقة والشتات. وزبراً هي القِطع أو جمع زبور وهي الكتب .
قوله تعالى «كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ » وهي اشارة الى ابتهاج الأمم بأديانها، واعتقادهم انهم الرابحون، وغيرهم الخاسرون لذلك جاء بعده خطاب بالوعيد، ووجه الخطاب الى النبي (ص) فقال تعالى «فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ » والغمر هو الماء الذي يغمر القامة ،فكأن ماهم فيه من جهل غمر قامتهم . وذكروا في الحين وجوها:
الاول. الى حين الموت .
الثاني . الى حين المعاينة .
الثالث. الى حين العذاب .
ولما رأوا حالهم بما هم فيه من نعيم، ظنوا انه نعيم معجل لهم وثواب ماهم عليه من اديان، فبين سبحانه ان الامر خلاف ماظنوا، فقال تعالى «أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55)نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ » وفي ذلك وجهان :
1 . ان هذا الامداد ماهو الا استدراج .
2 . انما اعطاهم تلك النعم ليكونوا فارغي البال ويسعوا الى الحق .الّا انهم تركوا الحق ولهذا قال تعالى «بَلْ لَا يَشْعُرُونَ».». والله العالم
ولنا كلام في الآية المباركة فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) سنتعرض له في النفحة القرآنية القادمة .