الدكتوره منار رضا النعيمي
بنت الهدى الصدر، وهي أخت الشهيد محمد باقر الصدر، كانت من أبرز الشخصيات النسائية العراقية في القرن العشرين، وتميزت بتأثيرها العميق في الأوساط الجامعية وبين النساء المسلمات في العراق. ولدت عام 1937 في مدينة كاظمية ببغداد، حيث تلقت تعليمها الشرعي والديني على يد أسرتها، وتخصصت في نشر الوعي الديني والفكري بين النساء. كانت تمتلك قدرة فريدة على الجمع بين التوجيه الديني والأدب بأسلوب ينفذ إلى القلوب، مما جعلها قدوة للمرأة المسلمة المتعلمة والملتزمة في وقت كانت فيه المرأة العراقية تواجه تحديات اجتماعية وثقافية كبيرة.
برزت بنت الهدى في كتابة الروايات الاجتماعية التي تتناول قضايا المرأة وتحدياتها وتقدم نماذج نسائية ملهمة. في رواياتها، مثل "الباحثة عن الحقيقة" و"ليتني كنت اعلم" و"الفضيلة تنتصر"، طرحت بنت الهدى قضايا متعلقة بالهوية، ودور المرأة المسلمة في المجتمع، والتحديات التي تواجهها في سعيها لتحقيق التوازن بين طموحاتها العلمية والتزامها الديني. لم تكن رواياتها مجرد أعمال أدبية بل كانت أدوات للتوعية الاجتماعية، حيث جعلت من الأدب وسيلة لطرح مبادئها الفكرية وتوجيه رسائل مباشرة وغير مباشرة إلى المرأة المسلمة.
رأت بنت الهدى الحجاب ليس فقط كرمز ديني، بل كوسيلة لحماية كرامة المرأة وإبراز هويتها الإسلامية. كانت تؤمن بأن الحجاب يعكس احترام الذات ويمنح المرأة الثقة، ويتيح لها الانخراط في المجتمع دون التخلي عن قيمها. في أعمالها، لم يظهر الحجاب كعائق للتعليم أو العمل، بل هو جزء أصيل من هوية المرأة ومكانتها في المجتمع، ويبرز قدرتها على التوفيق بين التزامها الديني وطموحاتها العلمية والعملية.
تأثير بنت الهدى لم يكن مجرد تأثير أدبي، بل كان دورها القيادي ملموسًا على أرض الواقع. كانت ناشطة في مجال التربية والدعوة، وأسست العديد من النشاطات الدينية والاجتماعية التي تهدف إلى نشر الوعي الديني بين النساء. كما كانت داعمةً قوية لحركة المقاومة ضد الظلم الاجتماعي والسياسي، مما جعلها شخصية ملهمة ومحورية في الحركة النسوية الإسلامية في العراق.
للحفاظ على تراث بنت الهدى وإبراز تأثيرها الثقافي والديني، هناك خطوات مهمة يجب اتخاذها. يمكن جمع وتوثيق جميع كتاباتها، من مقالاتها إلى خطبها ورواياتها، وتوفيرها عبر منصات إلكترونية وكتب مطبوعة. يمكن أيضًا إنشاء مراكز تحمل اسمها، تقدم برامج تعليمية وقيمية تهدف إلى تعزيز الهوية الدينية والثقافية لدى النساء، بالإضافة إلى دورات حول قضايا المرأة وقيم التمكين التي دافعت عنها بنت الهدى.
إدخال أفكار بنت الهدى ضمن المناهج التعليمية، خاصة في الدراسات الإسلامية والاجتماعية، سيسهم في تعريف الأجيال الحالية بتراثها وأثرها. إلى جانب ذلك، يُمكن للإعلام المرئي أن يلعب دورًا في تسليط الضوء على شخصيتها ونضالها من خلال إنتاج أفلام وثائقية وبرامج تتناول قصتها، مما يسمح بنقل رسالتها إلى شريحة واسعة من الناس، خاصة الأجيال الشابة.
يمكن أيضًا تشجيع الباحثين الأكاديميين على إجراء دراسات حول تأثير بنت الهدى وأفكارها، ودورها في تعزيز مكانة المرأة المسلمة. كما يمكن تنظيم ندوات سنوية وفعاليات ثقافية وفكرية تركز على تراثها، وتستعرض جوانب من فكرها وتأثيرها.
بهذه الخطوات يمكن أن نعيد إحياء ذكرى بنت الهدى كأيقونة فكرية واجتماعية ونضمن بقاء إرثها مصدر إلهام دائم للمرأة المسلمة التي تسعى إلى التقدم والعلم مع الحفاظ على أصالتها وقيمها الإنسانية.
https://telegram.me/buratha