سعيد ياسين موسى ||
ينبغي للقوى والشخصيات الوطنية العراقية والمرجعيات الدينية ووجوه المجتمع العراقي أن تعي بأن المصالح العليا للعراق والعراقيين تقتضي الحفاظ على ذ اكرة العراقيين والعالم حيٌة فيما يخص جريمة المقابر الجماعية , التي تميٌزت بها الحقبة البعثية السوداء ..
بإحياء ملف المقابر الجماعية , نوفر الحصانة لدى أجيالنا الفتية وعموم العراقيين ,لأفشال مشاريع خارجية لإعادة تأهيل حزب البعث ليقوم بدوره المعروف في ضرب القوى الوطنية العراقية ..
وبالمحافظة على تفاصيل جريمة المقابر الجماعية التي قام بها النظام البعثي , ندفن والى الأبد أخطر مشروع حزبي أعدته دوائر أمنية غربية وصهيونية بعد الحرب العالمية الثانية لتدمير العراق والمنطقة والعالم العربي ..وهو مشروع تأسيس حزب البعث في 1948
وبالمحافظة على ذاكرة العراقيين حيٌة حول المقابر الجماعية , نخلق وعيا شعبيا راسخا يمنع وصول أي حزب يحمل نفس فكر ونهج البعث الفاشي العنصري والطائفي وبغض النظر عن أسمه ورجاله ,الى السلطة في بغداد ,بل ويحول دون فرض نظام سياسي دكتاتوري وقمعي جديد بعيد عن الآليات الديمقراطية في العراق , أيا كانت الضغوط والتدخلات الخارجية ..
وبالمحافظة على معلومات المقابر الجماعية في ذ اكرة العراقيين , تعرف أجيالنا الفتية , ويعرف العالم مدى الظلم الذي لحق بالشعب العراقي طيلة عقود من الزمن ,وبخاصة الظلم الذي لحق بشيعة العراق ( من العرب والكرد الفيليين والتركمان )..
ونعرف أيضا كم نحتاج من التشريعات والقرارات والأجراءات ,لأنصاف عوائل الضحايا أولا , ولوضع ضمانات حقيقية في النظام السياسي الجديد , تمنع إرتكاب مثل تلك الجرائم الوحشية مستقبلا ..
معالجة الماضي هي المدخل لتحقيق مصالحة وطنية دائمة، يجب توظيف منظومة كاملة من آليات العدالة الانتقالية (خصوصاً، لجنة تقصي الحقائق) من أجل تقديم تفسيرٍ كامل للجرائم التي تم ارتكابها في ظل النظام السابق، فالتجاوز عن الماضي سيؤدي إلى تعقيد عملية المصالحة ويؤدي إلى عدم الاستقرار في المستقبل.. المصالحة تتطلّب الاعتراف بالمظالم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي لحقت بشريحة ضحايا النظام البعثي البائد ..
نحتاج الى منظوﻤﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﻘﺭﺍﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ يتخذﻫﺎ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﺍﻟﺩﻭﻟﺔ إﺴﺘﺠﺎﺒﺔ لإﻨﺘﻬﺎكات ﺤﻘﻭﻕ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻭﺍﺴﻌﺔ ﺍﻟﻨﻁﺎﻕ، ﺒﻬﺩﻑ ﺘﺤﻘﻴﻕ ﺍلإﻋﺘﺭﺍﻑ ﺍﻟﻭﺍﺠﺏ ﺒﻤﺎ ﺘﻜﺒّﺩﺘﻪ ﺍﻟﻀﺤﺎﻴﺎ ﻤﻥ انتهاكات ﻭﻤﺤﺎﺴﺒﺔ ﻤﺭﺘﻜﺒﻴﻬﺎ، حيث إن تطبيق ثقافة المساءلة بدلا من سياسة الإفلات من العقاب، يعطي الاحساس بالأمان لقطاعات عريضة من المجتمع، ويوجه تحذيراً لمن يفكرون في ارتكاب مثل هذه التجاوزات في المستقبل
يجب أن لاننسى هنا أهم محاور مؤسّسة العدالة الانتقالية: هي : صندوق لتعويض الأذى الجسدي والمادي للمواطنين المتضررين ..و يشمل ﺍلتعوﻳضات المباشرة (ﻋﻦ ﺍلضرﺭﺃﻭ ﺿﻴﺎﻉ ﺍلفرﺹ)،وﺭﺩ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ (لمساندة ﺍﻟﻀﺤﺎﻳﺎ معنوﻳﺎ وفي حياتهم) ﻭﺍلاسترﺟﺎﻉ (إﺳﺘﻌﺎﺩﺓ ﻣﺎ فقد قدر المستطاع، ويمكن ﺃﻥ يتم التعويض المادي ﻋﻦ ﻃﺮيق ﻣﻨﺢ ﺃموﺍﻝ ﺃﻭ حوافز ﻣﺎﺩﻳﺔ ...وأيضا التعويض المعنوي ﻣﺜل ﺇصدﺍﺭ إعتذاﺭ رسمي، ﺃﻭ تكريس ﻣﻜﺎﻥ ﻋﺎﻡ (ﻣﺜﻞ متحف ﺃﻭ حديقة ﺃﻭ نصب تذﻛﺎﺭﻱ) ﺃﻭﺇﻋﻼﻥ يوم وطني للذكرى، والهدف ﺍﻹقرﺍﺭ ﺑﻔﻀﻞ ﺍﻟﻀﺤﺎﻳﺎ جماعات وﺃفرﺍﺩﺍﹰ، ﻭترﺳﻴﺦ ﺫكرﻯ ﺍلإﻧﺘﻬﺎﻛﺎت في ﺍلذاكرﺓ الجماﻋﻴﺔ، ﺗﺸﺠﻴﻊ ﺍﻟﺘﻀﺎمن ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻣﻊ ﺍﻟﻀﺤﺎﻳﺎ، اعطاء ﺭﺩ ملموس ﻋﻠﻰ مطالب رفع الحيف وتهيئة المناخ الملائم ﻟﻠﻤصالحة عبر إسترﺟﺎﻉ ﺛﻘﺔ الضحايا في ﺍلدﻭﻟﺔ، إضافة إلى ﺃﻥ مبدﺃ ﺍلتعوﻳﻀﺎﺕ ﺃﺻﺒﺢ ﺇلزﺍﻣﻴﺎ بموجب ﺍﻟﻘﺎنوﻥ الدولي.
ومن محاور العدالة الانتقالية :مكتب تخليد الذكرى ومهمته توثيق الأحداث التي مرت وتوضيحها وتأريخها بما في ذلك تخليد أسماء الضحايا الذين قضوا عبر النصب التذكارية أو إطلاق أسمائهم على المدارس والأماكن والساحات في المواقع الجغرافية التي سقطوا فيها، وإدخال هذه المعلومات في كتب التاريخ للمدارس حتى يكون ما مرّ على البلاد درسا يستفاد الجميع منه ويشكل عبرة ومأثرة للأجيال القادمة، ولا تضيع التضحيات الكبرى التي قدمت بل تكون صورتها ماثلة دائماً في ذاكرة المجتمع وخالدة في ذاكرة الوطن.
للأسف الشديد، بالرغم من اكتشاف العشرات من المقابر الجماعية في مختلف مناطق العراق، بضع منها مقابر كبيرة جدا (سوبر) كما في مقبرة المحاويل المعروفة، لم نجد لدى المتحمّسين لمشروع المصالحة الوطنية في العراق، تلك الحماسة لتخليد ذكرى الضحايا الذين قضوا في تلك المقابر التي تمثل دليلا واضحا على عمق وسعة وحشية النظام البعثي البائد.
كشف الحقيقة يُعد أمراً ضرورياً لتصحيح أية اتهامات باطلة وُجهت إلى الضحايا في سياق الجرائم، وهو يكفل للأهالي، ولاسيما أهالي الذين قُتلوا أو اختفوا، أن يعرفوا ما حدث لأحبائهم وأن يتعرفوا على أماكنهم. وهو يكفل للمجتمع الذي تضرّر من تلك الجرائم أن يعرف الظروف المحيطة بالانتهاكات التي وقعت والأسباب التي أدت لارتكابها، وذلك لضمان ألاّ تُرتكب مرة أخرى، وكذلك للإقرار بالتجارب التي مر بها هذا المجتمع، ولحفظها وتوثيقها.
أن العفو بمفهومه المتعسّف (أي التحصين والإفلات من العقوبة) لن يحقق الاستقرار المنشود، بل على الأكثر لن يحقق إلا استقرارا هشّا مؤقّـتا.
ووضع التوصيات والمقترحات الكفيلة بحفظ الذاكرة وبضمان عدم تكرار ما جرى ومحو آثار الانتهاكات استرجاع الثقة وتقويتها في حكم القانون واحترام حقوق الإنسان، والمساهمة في تنمية وإثراء ثقافة وسلوك الحوار، وإرساء مقومات المصالحة ..
تحقيق ﺍﻟﻌﺩﺍﻟﺔ ﺍﻻﻨﺘﻘﺎﻟﻴﺔ ﻟﻴﺱ ﺒﺎﻷﻤﺭ ﺍﻟﺴﻬل ﻻﺴﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﻅل ﻤﺠﺘﻤﻊ ﺘﻡ اقصاء - ﺃﻭ ﺇﻀﻌﺎﻑ - ﻤﺅﺴﺴﺎﺘﻪ على ﻤﺩى ﺴﻨﻭﺍﺕ ﻤﻥ ﺍﻟﻘﻬﺭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ، ﻭﻓﻲ ﺇﻁﺎﺭ ﺃﻤﻥ ﻤﻨﻘﻭﺹ ﻭﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻭﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻤﻨﻘﺴﻤﺔ ﻭﻤﻭﺍﺭﺩ ﻤﺴﺘﻨﺯﻓﺔ، ﻭﺍﻷﻫﻡ ﻤﻥ ﺫﻟﻙ ﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﺼﺩﻤﺔ ﻭﺍﻟﺘﺨﻭﻴﻥ ﺒﺎﻹﻀﺎﻓﺔ ﺇﻟﻲ ﺍﻨﻌﺩﺍﻡ ﺜﻘﺔ ﺍﻟﻤﻭﺍﻁﻨﻴﻥ ﻓﻲ ﻤﺅﺴﺴﺎﺕ ﺍﻟﺩﻭﻟﺔ ﻭﺍﻓﺘﻘﺎﺭ ﺍﻻﺤﺘﺭﺍﻡ ﺍﻟﺤﻜﻭﻤﻲ ﻟﻘﻴﻡ ﺤﻘﻭﻕ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻭﺴﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻥ، ﻋﻼﻭﺓ على ﺤﺩﺍﺜﺔ ﺍﻟﻘﻭﻱ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﺍﻟﻤﻬﻴﻤﻨﺔ ﻋﻠﻲ ﻤﻘﺎﻟﻴﺩ ﺍﻟﺤﻜﻡ ﺒﺎﻟﻌﻤل ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ ﻭﺒﺎﻟﺨﺒﺭﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻨﻴﺔ ﺍﻟﻼﺯﻤﺔ ﻟﺘﺤﻘﻴﻕ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻡ
من المهم إحياء ذكرى المقابر الجماعية عن طريق أي حدث أو واقعة أوبناء، يستخدم بمثابة آلية للتذكر، ويمكن أن يتم أحياء الذكرى بشكل رسمي أوغير رسمي (مثل أقامة نصب تذكاري مثل بناء جدارية في مجتمع محلي) .
يرغب الناس بإستحضار ذكرى الضحايا او التعرف عليهم ﺃﻭ تعريف ﺍﻟﻨﺎس بماضيهم ﺃﻭ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﻭﻋﻲ المجتمع ويمثل ﻓﻬﻢ ﺍﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺕ ﺍﻟﻀﺤﺎﻳﺎ ﻭﻋﺎئلاتهم ﻭﺍﻟﻨﺎجين من ﺍلفظاﻋﺎﺕ الجماعية وانتهاكات حقوق ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺼﺎﺭﺧﺔ أحد ﺍﻟﻌﻨﺎصر ﺍلرﺋﻴﺴﻴﺔ في العدﺍﻟﺔ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻟﻴﺔ. ﺇﻥ الصراع حول التحكم في الذاكرة الوطنية ﺃﻭ الجماعية ﻳﻘﻊ في صميم ﺳﻴﺎﺳﺎﺕ المحاسبة التي تعقب ﺣﺎﻻﺕ ﻣﺎ بعد انتهاء النزاعات ﺃﻭ سقوط ﺍلسلطة، وكثيرا ﻣﺎ ﻳﺸﻌﺮ ﺍﻟﻀﺤﺎﻳﺎ ﻭنشطاء حقوق ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ بغبن عميق من جراء جهود الحكومة الجديدة ﺃﻭ القديمة.
ـــــــ
https://telegram.me/buratha