محمد السعبري||
ان الحضارة المصرية لا تخيف احد لانها طيلة التاريخ بقيت حضارة مسالمة لم تنبثق فيها دولة توسعية ولم تُمارس الغزو الاخارجي الا لأسباب الدفاعية. ظلت دائما معتكفة على ذاتها وعلاقاتها مع الجيران قائمة على الحماية والدفاع وليس التوسع والغزو.
انها حضارة روحانية أخروية جوهرها تقديس الحياة الاخرى لهذا فان اعظم رموزها هي ( الاهرامات ) التي هي اساسها قبور للملوك وكتابها المقدس هو كتاب ( الموتى ) الذي فحواه كيفية تجاوز يوم الحساب وبلوغ الآخرة.
بينما الحضارة النهرينية هي النقيضة تماما انها مادية دنيوية لا تؤمن بالحياة الآخرة ولا بجنة موعودة بل غايتها الدنيا والمتعة لهذا فان اعظم رموزها هو ( برح بابل والجنائن المعلقة ) وهي رموز دنيوية غايتها العظمة والمتعة اما كتابها المقدس فهو ( قصة كلكامش ) الذي أعلن صراحة استحالة بلوغ الخلود وان غاية الانسان هو التمتع بالدنيا.
نعم ان الروح العراقية نقيضة للروح المصرية لانها نادرة استحواذية توسعية فكان العراق مقراً للإمبراطوريات كبرى توسعية منذ البابليون والآشوريون وصولا لأخطر امبراطورية العباسية التي حكمة نصف اسيا وشمال افريقيا طيلة القرون بل ان البلد كان كذلك مقراً وعاصمة لإمبراطوريات عالمية اجنبية كبرى مثل امبراطورية الاسكندر المقدوني ثم الساسائيين الذين اختاروا المدائن عاصمة لهم.
فان ( فيدرالية الاخوة العالمية ) قد امنوا بان الحضارة المصرية لا يمكنها ان تنافسهم وفِي علاقة إيجابية معهم بل جعلوها ركنا مقدسا.
اما الحضارة بين النهرين فهي المنافس الاكبر ( للاخوة الفيدرالية العالمية ) لانها الأقرب لهم فالحضارة الغربية هي صورة محدثة عنها. اي ذروة الحضارة الغربية ترجع الى بابل وهم لا يتنكروا لها بل يخشون ان يعلنوا عنها صراحة كي لا تسرقهم هذه الحضارة وتستولي عليهم وتصبح ( بغداد ) هي باريس او لندن او نيويورك.
انها الروح التي يحتاجونها ويقدسونها في أعماقهم لاكنهم
لا يريدون الاعتراف بها الا بعد التقين من قدرتهم السيطرة عليها وهم مثل الابناء اليافعين يحتاجون الى الكثير من النضج والاستعداد لكي يتصالحوا مع معلمهم الاول ويتمكنون من التفاهم الإيجابي معه والاستفادة من خبراته وثرواته.
ان العراق حضاراته خطيرة بقدر ماهي جبارة وغنية وعظيمة.
انه اشبه بالحيوان الحيال المفترس الذي يحتاج الى الكثير من الوقت والسيطرة والمراوغة والتركيع والتجويع من اجل تدجينه وترويضه.
ان اي ضعف من الاخوة الفيدرالية ازاء هذه الروح العراقية النارية المتحفزة سوف يمنحها الفرصة التاريخية تلتهمنا مثلما التهمت غيرنا
وهنا ترجع الاخوة الفيدرالية وتقول انضروا الى صدام كان يكفي بعض الغفلة والدعم والتساهل من قبلنا حتى يشرع فجاة بتنفيذ مشروعه الامباراطوري الشرق أوسطي من خلال ابتلاعه الكويت والسيطرة على جزء من السعودية لنينفذ حلمه الإمبراطوري الموروث والمتجدر في العراق.
لهذا فان سياسة الاخوة الفيدرالية منذ سنوات طويلة تمحورت سياستها ازاء هذه الحضارة الخطرة في ناحيتين.
التعتيم عليها في جميع وسائل الاعلام والمؤسسات المعنية. رغم تقديسنا السري لها. بل العمل على تشويهها من خلال التركيز على المواقف التوراتية منها ومسالة ( سبي اليهود ) ونقمة الله على البابل وتدميرها. والتعتيم أيضا على دور العرب والمسلمين والحضارة العباسية في تنوير أوربا. وجعل قصة ( الف ليلة وليلة ) وحكايات العبيد والجواري هي الصورة الإعلامية الوحيدة الشائعة في الاعلام العالمي.
وفِي نفس الوقت فاننا نجهد كل إمكانياتنا للتعمق في معرفة تواريخ وتفاصيل وخفايا هذه الحضارة من خلال النبش والتنقيب والدراسات السرية على امل فك اسرارها والسيطرة عليها.
تحياتي.
https://telegram.me/buratha