المقالات

هل في العراق رأي عام وما شروط تشكّله وظهوره؟!  


سرى العبيدي||

 

الرأي العام يمكن اختصار تعريفه بمقدار التأثير الذي يعكسه مجموع المواطنين على القرار السياسي، وفي الإحالة التاريخية أنه بدأ من أثينا حيث يجتمع المواطنون الأحرار من الراشدين الذكور ، في الساحات العامة ليتخذوا من ثم قراراً بعزل حاكم أو تنصيبه أو  الموافقة على خوض الحرب أو التصديق على المعاهدات والاتفاقات مع المدن الأخرى، أي كلّ ما من شأنه أن ينعكس أو يمسّ حياة الناس وأمنهم أوحريتهم وذلك عن طريق الاقتراع العام ، أما الشروط الواجب توفرها في الرأي العام كي يكون فاعلاً ومستجيباً لمتطلباته فهي التالية :

1: الحرية ، إشترطت أثينا على المشارك في قرار الرأي العام ( الذي يجد أوضح تجسيداته في الاقتراع العام)  أن يكون مواطناً حرّاً ،أي ممتلكاً لقراره قادراً على اتخاذه من دون الخضوع لضغوط قد تحرفه عن مساره ، وبالتالي استثنى من المشاركة :العبيد والخدم والنساء وغير البالغين والأقنان والقاطنين في المدينة من غير سكانهاالأصليين ، وقد وجد ذلك الإستثناء صداه في الإسلام حيث اقتصرت الشورى على أهل الحل والعقد أي الخاصّة من أهل القرار وهم الذكور البالغين من كبار الصحابة أو أهل بدر أو وجوه قريش وشيوخ القبائل وماشابه ، كذلك استخدمته بعض دول أوروبا كفرنسا وبريطانيا في دساتيرها بداية عصر النهضة، قبل أن تجري عليه تعديلات تدريجية مع رسوخ الديمقراطية وإقامة دولة القانون الذي يساوي بين المواطنين ، وعلى ذلك فالرأي العام لاينمو ويتطور إلا في بيئة ديمقراطية توفر الحريات السياسية بمعنييها الفردي والإجتماعي ، لذا تخلو الشعوب في الأنظمة الإستبدادية من مفهوم الرأي العام وانعكاساته الفعلية .

  2: الهدف الجامع أو التطلعات المشتركة - أكثر الشعوب قدرة على تشكيل رأي عام ،هي الشعوب المتجانسة أو التي تجتمع بأكثريتها حول هدف أو قضية معينة ، ولاتحظى أية قضية بصفة (رأي عام ) إلا بعد أن تناصرها أو تتبناها أكثرية سكّانية أو تثير اهتمامها ،لذا فكلما زادت المشتركات في مجتمع ما وانخفضت فيه الانقسامات البنيوية أو المجتمعية ، كلما كان الأقدر على صناعة (الرأي العام ) وجعله فاعلاً في تأثيراته على قرارات الدولة .     

3: شيوع الثقافة وارتفاع منسوب الوعي – هذا العاملان يسهمان بفاعلية في جعل الشعوب تحتكم إلى العقل لبناء آرائها، وبالتالي تقترب من الصواب في تقييم قضاياها أو أداء من إنتدبتهم إلى قيادتها حسبما اتفقت عليه من دستور ، وعلى ذلك فالشعب الأكثر ثقافة ووعياً ، هو الأقلّ تعرضاً للخداع والإستغفال ، وبالتالي الأقدر على احترام الحرية والالتزام بالقانون وبناء الدولة الديمقراطية ، انه يطالب بانجاز يسنده الفكر ويقيمه العلم ،أو بتفسير موضوعي عند إخفاق السلطة في مهمة معينة ، وبالتالي لايقنعه التبرير بديلاً للفشل.

في العراق ،ولطبيعة الإنقسامات المجتمعية أوالسياسية على القضايا العامة ،لم يتشكل رأي عام بالمعنى الوارد أعلاه ، فالسياسيون لجأوا إلى تبريرات قصدية يتخللها التحذير مما يعدّه الآخرون ومن ثم التحريض ضدهم ، وبالتالي تراجعت التبريرات الفردية لتتخذ ثم شكل تعبئة جمعية تقف خلف الجهة الحاكمةأو المعارضة لها،ما يتسبب بانقسام عمودي في المجتمع ،وقد يفسّر ذلك الميل المتزايد إلى فقدان الثقة بين السياسيين وإثارتهم للتوترات والنعرات الطائفية أو الإثنية باعتبارها الأضمن لبقائهم .

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك