المقالات

الانتظار بجنون .  


فاطمة حسين ||

 

كانت بأنتظاره كأنتظارها اياه عندما علمت بوجوده في احشائها كفرحتها به و هي تستشعر نبضه في كلها كمبسمه الذي كانت ترتشفه في احلامها .

فقد كان قدومه بالنسبة لها و لزوجها احمد بمثابة حلم وردي غضٍ ناعسٍ على وسائد الورود و خدود العذارى .

نعم كانا فرحان بصيرورته فرح عروسين قد نالا مناهما منتضران رؤية وجهه انتظار الشمس بعد الزمهرير .

فهاهو صغيرهما ينمو و يكبر و يتحرك و يهتز في اعماقها بينما الانتظار كان عنيداً جداً متضمناً شوق اللقاءبثمرة القلب و احلام ملونة بصوره مرتدياً تلكم القطع الصغيرة التي اعداها لتحتضن جسمه الصغير .

وتمتد ايام الاشهر التسع متثاقلة مخاتلة مليئة بالاحلام .

لم يتبق لطلوع شمسهما سوى خمسة عشر يوماً ، فأوكلت مهمة تسمية الامير القادم الى احمد شريكها في الحلم المنتظر .

جمال سأسميه جمال ليضفي الى حياتنا جمالاً مطرزاً بلونك و اريج حبي لك .

لكن شياطين الارض لم تعط للحالمَينِ متسعٌ من الوقت ليشهدا تحقق حلمهما برؤية جمال معاً .

اقتيد احمد الى اعواد المشانق بجرم عشق علي و حب الوطن .

خنق العتاة فرحتها و وأدوا الابتسام في وجهها فأعتصر الحزن قلبها اعتصار كف المغوار قبضة سيفه عند الضراب ، و كلما ضاقت بها حلقات الألم و اشتدت عليها نوبات الوجد إسترجعت و حوقلت لتأخذ جرعة صبر و صمود و ثبات .

اشرقت الشمس و اشرق معها جمال ليملأ حياتها المظلمة بعد رحيل احمد نوراً و يسعفها من الغرق في بحور التيه المتلاطمة امواجها كمداً .

ولد جمال لكن بلا اب يؤذن و يقيم في اذنيه

نعم ولد يتيماً .....

لكنه ترعرع في احضان لبوة جعفرية اعتادت الشبع من الجوع و اتخذت العقيدة عصابة و حجاباً ، و يحسين بضمايرنة لغة .

كبر جمال و اشتد عوده ، سلحته بحب الارض و عشقها و لقنته ان المرؤة شجاعة و خذلان الحق مثلبة و أن الدم غالٍ لكن الكرامة اغلى .

زرعت فيه حب علي و اتباع نهج الحسين و لطالما اخبرته بأن الشهادة فخر و ان الموت اولى من الركون الى الباطل .

كرة عيني جمال:

باللغة الشروكية العظيمة

احفظها عني جيداً :

كن علي في صبره

و حسيناً في عطاءه

و عباساً في ايثاره

واكبراً في شجاعته

و كن ذو الفقاراً عند النوازل لمذهبك و عقيدتك و كن صوتاً لزينب في نشر واعية الحسين .

فكان جمال و امه مدرسة ولاء و اباء و فداء بمعلمة واحدة و تلميذ واحد .

مرت الايام و جاء الوقت الذي يحتاج فيه جمال مراجعة الدروس التي تلقاها طيلة سني عمره الواحدة و العشرون حيث صدح صوت من اعماق ازقة النجف يستصرخ الشرفاء و يستنهض الهمم و السواعد منادياً :

وأن من يضحي منكم في سبيل الدفاع عن بلده و اهله و اعراضهم فأنه يكون شهيدا  .

توجه الابطال الغيارى لسوح الوغى زرافات زرافات حاملين القلوب على الأكف ملبين النداء مضحين بالارواح و اطهر النجيع و شعارهم لبيك يا حسين .

ومن بين الامواج البشرية الصارخة تلك شاب نوراني الوجه بلحية زادت محياه جمالاً و رجولة و بالرغم من ان عينيه كانتا تحملان من الغضبة لله الكثير الا انهما كانتا تقطران حياءاً و خجلاً و اطمئنان .

فما كان ذلك الشاب الا جمال الطهر و النقاء .

التحق جمال بصفوف اسود الربى ليسطر مع اخوته الغيارى اروع الملاحم و اجمل لوحات البطولة .

كان كلما ينزل الى البيت   تحتضنه امه احتضان القلب للاضلاع  ثم تجلس امامه تستمع اليه و تستمتع بكلامه حرفاً حرفاً فيملؤها الزهو برجل بيتها العظيم .

و عند نزوله بأجازته الدورية قالت له :

بني جمال

منيتي ان اراك عريساً و قد ملأت البيت بالاطفال ليكونوا اخوة لك و لأكون جدة لهم .

اطرق برأسه حياءاً لك ذلك لكن بعد طرد الذئاب من العراق .

لكنها اصرت و تمنت عليه ان يحقق املها ، فوافق امتثالاً لأمرها و اصبح القرار بأن تخطب له ابنة خالته و التي كانت تعلم بأنه ميّال اليها لكن الخجل كان يمنعه من ذكرها امام امه .

تمت الخطبة و عقد القران على وجه السرعة على امل ان يكون الزفاف عند نزوله في المرة القادمة اصراراً منها على ذلك .

فطلب الى امه ان تختار هي بنفسها لون بزة الزفاف التي سيرتديها ثم اوكلا خياطتها الى جارهم ابي عليٍ الخياط  فوعدهم بأن تكتمل في يوم الاربعاء من الاسبوع القادم .

التحق جمال للواجب المقدس بينما انشغلت الام بالاعداد لمراسيم الزفاف .

اعدت كل شيء يحتاجه العرس ، كانت تلتحف احلام اليقضة التي جعلتها كفراشة تقوم من زهرة لتحط على زهرة اخرى ، كانت تتحدث مع نفسها كمجنونة بأتم عقل ، سيكون ولدي اجمل عريس و ستكون عروسه اجمل عرائس الكون و حتماً يجب ان تكون كذالك لأنها عروس جمال زينة الشباب و خيرة الرجال  سأحني كفيه بكفي هاتين لأرسم شبابي في المشيب عليهما  و سأكون اسعد ام في الدنيا لأنني ام للبطل جمال ابن الشهيد احمد .

ثم استيقضت من حلمها البريء الذي كان اشبه بكرنفالات الجنة لتقف امام صورة زوجها الشهيد احمد و تتحدث مع صورته و كأنه حي امامها  فأخبرته بأن فرحتها لا ينقصها الا 

وجوده معها ثم استأذنته بأن تخلع عنها ثوبها الاسود الذي لازم بدنها ط

[١٢:٤٣ ص، ٢٠٢٠/٧/١٤] ‪+964 772 436 5886: يلة الواحد و العشرون عاماً بعد استشهاده لكي تفاجئ جمالٌ بذلك فلطالما

 طلب منها نبذه لكنها كانت ترفض ذلك وفاءاً منها لذكرى زوجها الشهيد ... 

عزيزي احمد اعدك بأن اكون جدة طيبة معطاءة لأحفادنا كما كنت لجمال سأروي لهم شجاعتك و رفضك للذل و وقوفك بوجه طغمة البعث اللئام ليفخروا بمئآثر جدهم .

اآه يا احمد لو تعلم كم انا متلهفة لرؤية عريسنا ذي القد الباشق لقد اخبرني يوم أمس بأنه قادم غداً  فنار الشوق تلتهم اضلاعي  عزيزي احمد  هاهي بزة زفاف جمالنا عطرتها بأجمل العطور و احبها الى قلبه و عوذتها و صاحبها بكلام الله كما انني اعددت الطعام الذي يحبه  فلم يتبق سوى ان اتصل به لأرى متى يصل الكوت لينير سماءها بشمسه الدافئة ما رأيك ان نتصل به سوياً لنستعلم منه خبر قدومه ؟

اتصلت على امل سماع صوته ليخبرها بأنه وصل مشارف قضاء النعمانية و التي تبعد  قرابة الخمس و عشرون كيلو عن مركز مدينة الكوت ....

لكن لا جواب !!!!!

اتصلت ثانية و ايضاً لا جواب

اتصلت ثالثة و رابعة و خامسة فبدأت الهواجس تأخذ منها مأخذاً و ما عاد قلبها ينبض انما اعلن ثورة ضجيج عبثت بكل وجودها  ...

التفتت الى صورة زوجها الشهيد عسى ان يطمأنها بأن جمال بخير و ان ما  عليها سوى ان تذهب لتميط الثوب الاسود من بدنها لانه سيأتي بعد حين من الوقت .

اتصلت مراراٌ و تكراراً فكان النقال يرن و لكن لا جواب ...

جعلت تكلم نفسها حيث ليس من عادة جمال ان يتركها بقلق  فكان يجيبها بمجرد ان تتصل عليه .

وكان يتصل عليها بين الفينة و الاخرى ليطمأن عليها .

واذا بالنقال خاصتها يرن و كان رقم احمد .

فتحت الخط بلهفة و فرح و سرور  وبدون مقدمات صرخت صرخة اهتزت لها جدران البيت :

ها يمه جمال وينك يا روح امك ؟

كان صوته خافتاً و انفاسه متقطعة و كأنه يجود بنفسه :

 هله يمه اشلونج ؟

يمه منتظرتك جا وينك ؟

لا جواب ...

لا جواب....

يمه  جاوبني .

يمه بعد لا تنتظريني .

انقطع الاتصال .

بعد حين انتشر خبر استشهاد جمال حيث كان قد اصيب خلال نزوله مجازاً  بسبب انفجار عبوة     ناسفة استهدفت الناقلة التي كانت تقلهم فاستشهد من استشهد من رفاقه و جرح جمال و احد رفاقه المقاتلين   فاقتادوهما  اسارى لديهم و بعد حين  عرض الدواعش فيلماً مصوراً لهما و هما جاثيان  على ركبتيهما و بعد تكبيرات الشيطان على الشابين تم ذبحهما من الوريد الى الوريد .

  فكان وقع الخبر على ام  جمال  كصرخة صور اسرافيل  ايذاناً بالقيامة ،  احتضنت بزة زفافه و اطلقت العنان للزغاريد و لم تصدق خبراً نثرت الحلويات التي كانت قد اعدتها ليوم الزفاف

لم تمط الاسود عن بدنها انما بقيت تنتظر قدومه لكن بلا عقل و لا روح .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك