محمد مكي آل عيسى||
تناقلت مواقع التواصل وبمناسبة مرور الذكرى الأليمة لاستشهاد مولى الموحدين علي بن أبي طالب عليهما السلام نصّاً أدبياً للكاتب علي الوردي ومن كتابه مهزلة العقل البشري يتحدث فيه عن هذه الشخصية التاريخية العظيمة وجاء ضمن النص العبارة التالية:
((لقد فرق علي بن أبي طالب بعدله الصارم جماعة المسلمين ، وشأن العدل الصارم أنه يفرق الجماعة ويشتت شملها في كل زمان ومكان))
ولعدم ثقتي بمواقع التواصل وبما تنقل راجعت الكتاب المذكور ووجدت النص الذي نقلوه وبضمنه العبارة السابقة التي تتهم علياً ع بأنه فرّق بعدله الصارم جماعة المسلمين , ووجدت أن هناك هامشا لهذه العبارة ووجدته يشير لكتابه وعّاظ السلاطين الذي راجعته أيضاً فوجدت أنه قد فصّل الحديث عن تفريق علي ع لجماعة المسلمين قائلاً:
(( لم يشهد التاريخ رجلاً فرّق الجماعة كعلي بن أبي طالب . وعلي لم يكتف بتفريق جماعة المسلمين بنفسه , بل أورث نزعته هذه لأولاده من بعده ))
ولا أدري هل أغفل دكتور الاجتماع علي الوردي الأثر النفسي السلبي لهذه العبارات والإنطباع الذي تتركه في نفس القارئ شاء أم أبى ؟؟
ومن يقرأهها ويسمعها مصدقاً بها سيحمّل علياً وولده ع وزر ضلالة الأمة وتفرقها وضعفها وانتكاستها وكل سوء المّ بها.
يحاول الوردي أن يبين أن ما يذكره عن موقف علي وأولاده هو الواقع وأنهم فرّقوا جمع المسلمين بسبب ثوراتهم ضد الباطل ولأنهم يريدون تحقيق العدالة الاجتماعية !!
لا أدري لماذا لم يعرض الوردي الموضوع بطريقة أخرى ؟؟ لماذا يعتبر أن العدل هو الذي يفرّق جماعة المسلمين ؟؟
لماذا لم يعتبر أن العدل يوحدهم والحق يوحدهم لكن أهواءهم المتفرقة ورغباتهم الباطلة هي التي تفرقهم عن الحق ؟؟
لقد بين الله في محكم كتابه وفي أكثر من موضع أن الحق واحد لا اختلاف فيه وان الباطل هو المتضارب فيما بينه { اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ }
فالنور واحد والظلمات متعددة بنص القرآن
كما وبين أن صراط الحق واحدا مستقيماً والفرقة تكون باتباع غيره من السبل { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ }
وأن الحق واحد لا اختلاف فيه بل هو المعيار لتوحيد الناس ورفع الاختلاف بينهم { وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ }
ويعلم الوردي بأنه قد روي عن رسول الله ص (( علي مع الحق والحق مع علي )) والحق واحد وهو السبب الأساسي لتوحيد الامة لا لتفريقها
فلماذا أصر الوردي على أن ينسب التفريق بين جماعة المسلمين الى علي وولده ع ؟؟
ربما ليتميز بطرح الموضوع بطريقة مختلفة عن غيره ليشد بها الأنظار !!
أو لربما لاعتقاده الراسخ بأن الحق هو الذي يفرّق الناس بعد أن كانوا مجتمعين على الباطل . . وشأنه هنا شأن من اتهم علياً عليه السلام بأنه صاحب الفئة الباغية التي كانت سبباً لخروج عمّار بن ياسر للقتال واستشهاده !!
لماذا لم يوجه سهامه للشيطان الغوي الذي يسعى للتفريق حتى بين المرء وزوجه ؟؟ لماذا لم يوجه سهامه للسياسة الحاكمة آنذاك والتي اعتمدت منذ ذلك الحين على مبدأ ( فرّق تسد ) ؟؟
لم ينسب الله للحق أنه كان مصدراً للفرقة أبدا وإنما اعتبره وسيلة الفصل والحكم , وسيلة اليقين ورفع الالتباس والاختلاف ونسب الفرقة للبغي المعشعش في القلوب نسبها للاستكبار وللعلو .
فإذا تفرّق الناس عن علي وولده ع المتمسكين بالحق والرافضين للباطل فإن التفرقة تُنسب للناس بظلمهم لا لعلي ولولده ع .
ونحن ننتظر وعد الله بتحقيق حلم البشرية بإقامة دولة العدل الإلهي هل ستكون هذه الدولة سبباً في تفريق جماعة المسلمين أم سبباً في توحيد الإنسانية جمعاء ؟ ؟ وهل سيكون المؤمل المرتجى هو الملام إن خالفه بعض الظالمين لأنه يريد أن يقيم فيهم العدل والحق؟؟
لا أجد أن ذلك فيه إنصاف لعلي ع وولده لذا فإن علينا التروي في نقل النصوص وإن كانت عن كتّاب مشهورين ومعروفين فإنهم لا عصمة لهم وكثيراً ما يخطئون بما يكتبون . . . وأنا منهم
ـــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha