المقالات

عرفتً الله مبدع ... حين خَلقّ علياً  


عباس قاسم المرياني ||

 

   الله سبحانه وتعالى مبدع في كل شيء ليس في خلق الامام علي (ع) فحسب، لذلك يختار من عباده الصالحين ليضع ابداع خلقه وسره فيهم، فهذه الكلمات التي في مطلع المقال قالها الشاعر والكاتب الاسباني الكبير فيدريكو لوركا، يصف بها مكانة وجلال قدر الامام (ع)، وبالتأكيد هو قالها لما قرأهُ وما وجده في هذه الشخصية العظيمة واعجابه بها، وعندما نتناول هذه العبارة او تلك التي يطلقها غيره من غير المسلمين ليس لكي نعرف، او نفهم سيرة الامام من خلال كتاباتهم، بل لنعرف ونطلع على مدى تأثير شخصية الامام علي (ع) في أفكار وعقول هؤلاء، وما اقتبسوه من فكره وعلمه.

   فالإمام علي اكبر من نُقيم قدره، او نسبر غوره، يكفيه فخراً ما نزل بحقه من ايات القران الكريم فعن ابن عباس قال: "نزلت في علي اكثر من ثمانمائة اية"، وقال فيه رسول الله (ص): "ان القران أربعة ارباع، ربع فينا اهل البيت... وان الله انزل في علي كرائم القران"، وقوله: "يا علي ان الله زينك بزينة لم يزين بها احداً من العباد، هي زينة الابرار عند الله، والزهد في الدنيا، ووهب لك حب المساكين، فجعلك ترضاهم اتباعاً لك، ويرضون بك اماماً". ففضائل امير المؤمنين قد ملأت الافاق، وساحت بها الأرض، وتحدث بها الكاره المخالف قبل المحب المحالف، ومناقبه قد زينت كتب المسلمين وغير المسلمين بكل صنوفها وتخصصاتها.

   ان لشخصية الامام عظمة وتأثير أجبرت الغربيين وأصحاب الديانات الأخرى انت تقف وقفة اجلال واحترام لمقامه الشريف، فعرفوا قدره، واقتدوا اثره، وصار لهم عبرة، فالمؤرخ الإنكليزي كارليل عندما يتحدث عن عظمة شخصية الامام بشيء من التبجيل والاعجاب فيقول: "أما على فلا يسعنا إلا أن نحبه ونعشقه، فانه فتى شريف القدر، كبير النفس، يفيض وجدانه رحمة وبراً، ويتلظى فؤاده نجدة وحماسة، وكان أشجع من ليث ولكنها شجاعة ممزوجة برقة، ولطف، ورأفة، وحنان، جدير بها فرسان الصليب في القرون الوسطي، وقد قتل بالكوفة غيلة وانما جنى ذلك على نفسه بشدة عدله، حتى حسب كل انسان عادلا مثله وقال قبل موته حينما أومر في قاتله ان اعش فالأمر الي، وان امت فالأمر لكم، فأن اثرتم ان تقتصوا فضربة بضربة، وان تعفوا اقرب الى التقوى".

   ويقول الكاتب المسيحي جورج جرداق في كتابه الامام علي صوت العدالة الانسانية عن عبادة الامام: "ان عبادة علي ليس فيها شيء من سلبية الخائف الهارب، ولا رغبة التاجر، بل هي إيجابية الانسان العظيم الواعي بالكون، فيها خبرة المجرب، وعقل الحكيم، وقلب الشاعر".

  ويسهب جرداق في عدالة الامام فيقول: "ومن عرف على بن أبي طالب وموقفه من قضايا المجتمع؛ أدرك أنه السيف المسلط على رقاب المستبدين الطغاة. وأنه الساعي في تركيز العدالة الاجتماعية بآرائه وأدبه، او حكومته وسياسته، وبكل موقف له من يتجاوزون الحقوق العامة إلى استهيان الجماعة والاستهتار بمصالحها"

   وعن المنهاج السياسي لأمير المؤمنين وعدله عدت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2002م شخصية الإمام علي بن أبي طالب أعدل حاكم ظهر في تاريخ البشرية، مستندة بذلك إلى وثائق أعدها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الخاص بحقوق الإنسان، الذي وزع التقرير على جميع دول الأمم المتحدة، واشتملت هذه الوثائق على منهجية أمير المؤمنين في السياسة، والحكم، وإدارة البلاد، ونشر العدالة، ومحاربة الفساد، والجهل، وتطوير المعرفة، وشروط الحاكم العادل، كما ان المنظمة اقتبست الكثير من حكم واقوال ووصايا أمير المؤمنين وخطبه منها قوله لمالك الاشتر: "يا مالك الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق".

  اما عن خطبه والتي جمعت اغلبها في كتاب نهج البلاغة، فنجد فيها من نبوغ هذه الشخصية الشيء العجيب! لمعارفه بأسرار الأمور، وما خًفي في الدهور، واعطانا جزلاً لما كان وسيكون، وخير مثال على ذلك خطبته في خلق الكون التي وصفها وصفاً دقيقاً متناهياً حتى ان الدراسات الحديثة والأبحاث التي اهتمت في نشوء الكون كانت استنتاجاتها قريبة جداً مما ذكره الامام (ع)في خطبه، لذلك وصف المستر كربنكو الانكليزي أستاذ الآداب العربية عندما سئُل عن إعجاز القرآن قال: "إن للقرآن أخاً صغيراً يسمى نهج البلاغة، فهل في إمكان أحد أن ياتي بمثل هذا الأخ الصغير ؟ حتى يسوغ لنا البحث عن الأخ الكبير ، وإمكان أن ياتي أحد بمثله".

  ومن هذا أقول ان العلم الذي كان يملكه هذا الرجل لم يأتي من دراسة واطلاع فحسب، بل هو علم لدني نهله من مصادر ومنابع ليس لغيره من العلماء معرفة واطلاع بها، هي علوم من منابع السماء، ومن أبواب مدينة العلم رسول الله محمد (ص)، فكل ما حواه الامام من علم، وحكمة، وفصاحة، وبلاغة، وما نهله ينفي القول السائد ان رسول الله محمد (ص) كان امي لا يقرأ، ولا يكتب، فإذا ربيب محمد هكذا، فما بالك بالمربي.

  لذلك لنا في هذا السفر الأخلاقي والخًلقي والبطولي للامام علي (ع) ونحن نستذكر فاجعة استشهاده طريقٌ نقتدي به، فكان نورأً تستضيء به الأجيال من كل الديانات والطوائف، وكان شعلة علم وهاجة يقتبس منها العلماء والمفكرين، وتبقى سيرته العطرة النيرة مقام فخر لنا على مدى الدهور.

ـــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك