محمد مكي آل عيسى
حكمة ٌ ذكر العلماء أنها بوزن الجبال . . وقالوا عنها أنها من الكلام العجيب . . بل الخطير . . جامعة مانعة . . تلك التي فاه َ بها أميرُ الفصاحة والبلاغة والبيان علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهما حينما قال :
( قِيمَةُ كُلِّ امْرِءٍ مَا يُحْسِنُهُ )
ولم يذكر صلوات الله عليه تلك القيمة بأي معيار , ومن هو الذي يقيّم المرء وفق ما يحسنه ؟
والذي نستشفّه من تلك الحكمة أن الأمير صلوات الله عليه لم يلتفت بقولته هذه للفاعل الذي يقوم بعملية التقييم وإنما ذكر الأمر على وجه الحقيقة من دون النظر لمن سيأخذ بها ومن لا يأخذ بها . . أي أن قيمة المرء إنما تكون على وجه الحقيقة الثابتة التي لا تتغير وفق رأيٍ أو ذوقٍ أو هوىً . .
أو فلنقل أن قيمة المرء الحقيقية - وليست تلك القيمة التي يضعها الاعتبار المتغير للناس - هي ما يحسنه المرء.
وبالتأكيد فإن مدىً عريضاً للإنسان يستطيع أن يبدعَ به ويحسنَ . . فما هو الذي يرفع القيمة الحقيقية للإنسان فيما لو أحسنه ؟
وبمعنى آخر ما هو الشيء المطلوب من الإنسان فعلاً أن يحسنه كي يحقق أفضل قيمة له ؟
وقد رأيت من خلال كتابات العلماء وآرائهم أن الأمر الذي على الإنسان أن يحسنه إنما يتعلق بثلاث موارد ما يحسنه عقله من الفكر وما تحسنه نفسه من الخلق وما تحسنه جوارحه من الفعل فكلمّا أحسن فكره وخلقه وعمله زادت قيمته ولا تتحقق قيمته إلا من خلال الموارد الثلاثة مجتمعة.
فإذا ما نقص مورد أخل ذلك بقيمته الحقّة شاء من شاء وأبى من أبى
ولا يخفى على لبيب من أن الإعلام ومواقع التواصل قد رجعت بشخصيات أحسن بعضها الاستهزاء وأحسن بعضها البذاءة وأحسن بعضها الكذب وأحسن بعضها الفجور وأحسن بعضها التفاهة . . ولا قيمة حقّة لأي منهم .
فإذا كانت قيمة كل امرءٍ ما يحسنه فقيمة من يحسن التفاهة . . هي التفاهة
وقيمة من يحسن البذاءة . . البذاءة . . . ومن يحسن الاستهزاء . . الاستهزاء
لكننا نرى وهذا مما يؤسف له أن هناك من يحترم التفاهة ومن يقدّر البذاءة
نعم فالكثير من الناس اليوم يعطون القيمة للفرد على ما يقتضيه اعتبارهم الذوقي والذي للأسف غالبا ما يكون تبع الهوى والمصلحة , بل يعبّر في كثير من الأحيان على الخواء الداخلي للفرد بتقييمه للآخرين ولا يقف الأمر لهذا الحد لأن إعطاء بعض القيمة لفرد من الأفراد وهو لا يستحقها إنما يترتب عليه أثر يكون خطيراً في غالب الأحيان.
فالذي يعطي قيمة اعتبارية لفلان من الناس فإنه سيسمعه ويصغي له إذا تحدّث وربما سيحبه من ثم يطيعه ويحاكي أفعاله وبالتالي يتحول تدريجيا لنسخة من فلان الذي لا قيمة حقيقية له محققاً له أهدافه تابعاً له فيما يوجهه ويأمر به.
فما الداعي لأن يحصل بذيءٌ على مجموعة من الأصوات تؤهله ليكون عضواً في البرلمان سوى تقدير الناس للبذاءة !!. .
وما الداعي لأن يكون كذّابٌ فاجر مستهتر رئيساً لخمسين ولاية تمثل قطباً مهماً في العالم سوى تقدير ناخبيه لكذبه وفجوره واستهتاره !!
وعلى تطبيق الانستكرام يحظى أحدهم بأكثر من مليون متابع ويبث لهم مقاطع مرئية باستمرار . . بلا أي فائدة تُرجى . . مجرّد تفاهة مستمرّة . . لولا متابعة هذا العدد من الناس له لما استمر لكن تقييم الناس لتفاهته واحترامها سبب في استمراره !!
وأحد مقدمي البرامج الاستعراضية الوضيعة يعرض نفسه رئيساً لقطيع من السذّج لأنه يجعلهم يضحكون !!
مع أن ساحات العمل عندنا مليئة بأناس معطائين يستحقون كل القيمة الحقيقية يستحقون الاحترام والثناء يستحقون الإنصات لتوجيهاتهم واتباع تعاليمهم ووصاياهم كالعلماء والمراجع والأطباء المخلصين الذين شهد الواقع العملي لهم بطيب الأثر وعموم النفع لمن يسمع منهم.
ومواقفهم عديدة لا مجال لذكرها لكن لا يزال هناك من يغمض عينه لكي لا يعطيهم القدر الذي يستحقوه حتّى لا يتحمل الأثر المترتب على ذلك.
وهذا خلل يجرُّ ويلات وويلات علينا فيما لو لم نقدّر ونقيّم كل امرء وفق المعايير الحقّة وستبقى التجاذبات والصراعات بيننا إن لم نتوحد على حق يجمعنا نقيّم أمورنا وشخوصنا على أساسه
لكن ذلك لن يستمر . . لابد يوماً . .
من أن تستقيم الفطرة من جديد لتعلن ولاءها للحق وما يريد . . كلنا مدعوون لتقييم الأمور بمعاييرها الثابتة التي لا يعبث بها هوى ولا تغيرها المصالح . . كلنا مدعوون لإعادة البوصلة لاتجاهها الصحيح كي تعود المسيرة للاتجاه المطلوب . .
عند ذلك سنكون قد توجهنا لرقينا لتطورنا لكمالنا . . لسعادتنا
عند ذلك نكون قد لبينا نداء الحقيقة لنضع كل شيء موضعه . . ولا نكون من الظالمين.
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha