حسن المياح
لله في خلقه حكم وشؤون وغايات وأهداف , مهما صغر ذلك المخلوق حجمآ , أو دق كينونة ووجودآ .
والنمل مثل ومصداق , وعبرة ومعلم , وهادي ومرشد , ودليل وقائد , ومنجي وناصح .
وعليه فيجب علينا أن نتعظ من النمل تفكيرآ وتدبيرآ وسلوكآ , ونقتفي أثره إسترشادآ هاديآ راشدآ في التصرف والعمل .
فلما أحست نملة وهي في واديها تعمل وتشتغل مع جماعة النمل في مجتمعها , بأن خطرآ سيداهمها مما يسبب الموت المحتوم لها , والقضاء على حياتها , والفناء لوجودها الواقعي الحياتي بين باقي النمل في عالم الوجود . وأن خطر الموت المحتم هذا والمحطم لكيانها ووجودها لا يقتصر عليها ; وإنما هو خطر شامل عدوانه , عام تأثيره . فأثار هذا التوجس من الخطر في داخل نفسها إحساس حب الذات والحياة , وشوق البقاء في عالم الوجود . وبالرغم من كل هذا , فلم تستأثر الوقاية من هذا الخطر الذي يداهمها ودفع أذاه عن نفسها ; وإنما شعرت روحها أشواق التمتع بحياة حب الإجتماع مع رفيقاتها وبنات جنسها , وأن الحياة والعيش والتسامر والإجتماع لا يحلو بمفارقتها , فآلت على نفسها أن تخبر النمل بالخطر القاتل المميت الزاحف اليها ليقتلها , ومحذرة إياه ومنذرته من شدة خطورته وقسوة تعامله معها , فعقدت النملة العزم على توعية قومها , لتفصح عما هو من مكنون علمها , لتنقذ نفسها وتحافظ على سلامة وجود رفيقاتها وإجتماع قومها .
فأخبرتهم بخبرها عما هو مكنون من علمها ووعيها , وإحساسها بالمسؤولية , وشعورها بتأدية الأمانة الملقاة على عاتقها .
لذلك قرر هذا النمل بأجمعه ~ الذي أحس بخطر تحطيم جنود سليمان له ~ السماع والإستماع لقول النملة , وتنفيذ ما تأمر به , لأنها كانت أكثر وعيآ حسيآ من باقي النمل بفداحة هذا الخطر الداهم الزاحف القادم .
فعلا صوت هذه النملة خطيبة جهورآ صادحآ عاليآ منذرآ النمل بأن يتبعوا القواعد التالية , وينفذوا الأوامر بلا تردد , أو تأخير , بعدما شرحت للنمل مخاطر هذا الزحف الكثيف من الجنود القادم بأقدام قاسية صلبة لا ترحم , ولا تغفر , ولا تعطي مجالآ أو فسحة للبقاء في الحياة , لأن قدومهم يعني الموت المدمر المحقق الذي لا كلام فيه ولا حوار ولا نقاش ولا جدال , ولذلك فلا يسمح للنمل أن يخلد الى الكسل , أو التراخي , أو الراحة والتمتع اللاهي الذي نتيجته فقدان الحياة , ومفارقة الوجود في عالم الواقع .
فأجابها النمل بعد إستماع وإحساس وشعور سؤول عقول مفكر واع لما أدلت به هذه النملة من تلاوة القول المعلم الناصح المنذر , الذي يشير بفصيح اللسان وإشراقة البيان , أن لا يحطمنكم سليمان وجنوده , ولذلك يجب عليكم أيها النمل أن تدخلوا بيوتكم , وتخبئوا أنفسكم فيها , وتركنوا الى وجودكم الفردي لتستريحوا , وتريحوا , وتكسبوا الوقاية من الخطر المحدق بكم , لكي يمتد عمركم بسعادة وصحة , ويطيل وجودكم بهناء وحبور وسرور . وأنها ساعات أو أيام تحمل بصبر وبصيرة , الى أن يتم عبور الخطر الذي أمده محدود بأيام , ويكفينا الله سبحانه وتعالى الرب الحكيم الرحيم شر ذلك الخطر القادم والموت المحتم اللازم.
ونكون نحن بأمن وأمان وسلام , إذا إلتزمنا بما هو مقرر علينا من أوامر منع , وإرشادات وقاية , ونصائح توقي , وإشارات تطبيق وإلتزام .
وكفانا الله سبحانه وتعالى شر الفايروس الخطير , وإرهاب الوباء المستطير , وألم المرض العسير , وندم الموت المحقق الأكيد وسوء المصير .
إذا إقتفينا أثر النملة الواعية الناصحة , وإتبعنا خطى النمل في الإمتثال والتطبيق الجاد المريد.
وآخر دعوانا , أن الحمد لله رب العالمين . وعليه نتوكل وبه نستعين .
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)