المقالات

تهميش المبدع والمبتكر وتعظيم الدجّال السياسي والمشعوذ العقائدي


عدنان ابوزيد

 

 الفضائيات ووسائل الاعلام، لا تدّخر وسعا في اجترار المعالجات السياسية و"العقائدية"، عبر "نجومها" و"دجاليها" المعروفين، فيما يركن الفاعلون الثقافيون والكتاّب وأصحاب الفكر والمبدعون والمهندسون والصناعيون والأطباء، على الهامش، وبات الاهتمام بهم معدوما تماما، في ظاهرة لم يألفها الاعلام العالمي، الذي وإنْ اهتم بالسياسة وادواتها في نشرات الاخبار، لكنه يعوّض عنها بتناول الجوانب الأخرى في المجتمع لاسيما الثقافية والفكرية منها، في الحوارات، والبرامج، والأبحاث المتنوعة.

يرتبط هذا التهميش، بخلل آخر تمارسه الوزارات والمنظمات والجمعيات، حين تعجز عن مبادرات الحفاوة والتكريم بأدباء وفنانين وشخصيات ثقافية أو فكرية أو إعلامية، وفي الحالة التي تحصل فيها، فإنها لا تتجاوز الاعتراف الشكلي، بدور المثقف او الفنان او العالم او الأكاديمي في احتفاليات طارئة ارتجالية وصدفية، تُمنح فيها الاوسمة والقلائد، ونياشين التكريم، فيما الحاجة تتطلب غير ذلك تماما، في التثمين الحقيقي الذي يسعف المبدع في حياته، ويسدّ حاجته، ويجعله منصرفا لإبداعه، وتشجيعه على استمرارية العطاء والإنتاج.

ولن يكون ذلك الا بالتأسيس الى قوانين، تجعله في أمن معيشي، معزّز الكرامة، وتتيح له المدخول المادي المناسب الذي يمول مصاريف الأبحاث والكتابة والاستقصاء، ويجعله عاكفا على المزيد من الإنتاج، كما ونوعا، فضلا عن ادخار الوقت في الاكتشاف.

لا يتوافر العراق على خطة محسوسة واستراتيجية في تكريم الفاعلين في الثقافة والفنون والعلوم والإعلام والفكر، وإذا مثلت فلن تتجاوز كونها، مهرجانات مدح وثناء، ومنطق مجتر، وشهادات افتخار اعتبارية.

مقارنة بتجارب دول اوربا الغربية، فانه وإنْ كان حتى المواطن العادي يحوز على الراتب والسكن، فان المبدع والمبتكر، ينال من الاهتمام، الكثير والاستثنائي، من دون ان يشعر بالعيش على هامش المجتمع حتى في تقدمه في السن وتوقفه عن الإنتاج، فيما الوقائع تشير الى ان مآلات أحوال المبدعين في شتى المجالات، حين يكبرون في السن، مأساوية، في العراق، تكشف عن شعب عقوق لمبدعيه ومثقفيه وعلماءه.

ونذهب في تفسير ذلك الى ابعد من التكريم، وهو التقييم لهؤلاء في المجتمع الذي ينكب على "تقديس" أسماء معينة، شكليا فحسب، ويسعى الى مدحهم في المنابر، ويتداول أفكارهم، من دون التأسيس لمبادرات مجتمعية، تساهم في ديمومة ابداعهم.

وعودة الى الاعلام الذي جعل من الساسة والأحزاب و"الدجالين" في الحياة والدين والشعوذة، نجوم تلفزيون، وجعل من الشخصية العراقية، تركز عليهم في الاكتراث والمتابعة، فان واقع الحال يشير الى ان ذلك اسهم في تسقيطهم بسبب الظهور المجتر، لينقلب السحر على الساحر، ما يستدعي الموازنة في الاهتمام، والعمل على استدراج الرأي العام للترويج للإبداع الإيجابي وتكسير التماثيل السياسية التي ابتلى بها الإعلام والعقل الجمعي لعقود طويلة، على حساب بناة المجتمع الحقيقيون وهم المبدعون وأصحاب الخبرة والاختصاص.

وقد كان من نتائج التفريط، ان المبتكر وجد نفسه في منصات ساحات التظاهر، لا منابر الأحزاب والمؤسسات الحكومية التي كان يتوجب عليها إغواؤه اليها والاستفادة من مهاراته وابداعه.

الأمور تتوجّه الى خلاف مقاصد ترويج الفضائيات والصحف ومواقع شبكات التواصل الاجتماعي، فما عاد المواطن يعبأ للبهرجة السياسية والإعلامية والثقافية و"الدجّالية"، والدليل ان اغلب الذين يبرزون في شاشات التلفاز من النخب السياسية، و"الاجتماعية" و"العقائدية"، لا يحظى بالتأييد بين التظاهرات التي أصبحت مكيالا واضحا للرأي الشعبي.

على الدولة بكل مؤسساتها، فسح المجال لدور أكبر للنخب الإبداعية، في تقديم حلول للمعضلات، واستقطاب العينات الثقافية والعلمية والادبية والاجتماعية والبحثية الى مشاريع استراتيجية، تخلق فرص العمل، وتضع الحلول للمشاكل، وتبحث في الظواهر، والتأسيس للمعالجات، في عملية انبعاث واسعة للاقتصاد والاجتماع، والصناعة والزراعة والخدمات، فضلا عن ان واجب الأحزاب والتحالفات السياسية يجب ان يركّز على "تطعيم" صفوفها بهم، وتحديث ادواتها بمهاراتهم وخبراتهم.

ـــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك