عبد الجليل الزبيدي
الغباء الصناعي Industrial stupidity
في احدى قرى جمهورية الكاميرون في غرب افريقيا ,يمتهن السكان صناعة السلال من اغصان الاشجار ، وقد لاحظ تاجر ان عامل حياكة السلة يدور حولها اثناء عملية الحياكة وليس كما هو المنطقي ان يجلس ويدير السلة بيديه كيفما يريد !!
التاجر الذي قرر ان يحتكر منتجات سكان القرية ، استبعد فكرة ان يرشدهم الى الطريقة الصحيحة والمريحة . وفكر مع نفسه بان هؤلاء الذين احدودبت ظهورهم جيلا بعد جيل حتى انهم شيدوا اكواخهم بسقوف واطية , من المستحسن ان يبقوا على هذا الوضع لكي لا تتسع مداركهم ومطالبهم فتنتصب قاماتهم فينظروا الى الاعلى طويلا فتنشط أحلامهم وطموحاتهم ,وربما يفكروا بتوسيع بيوتهم وكل هذا سيدفعهم الى زيادة اسعار السلال التي يبيعونها له ومعها تتزايد معرفتهم بقيمة الجهد المقرون بالعقل والسعر المناسب للمنتج.
نموذج القرية الكاميرونية, هو نموذج مصغر لانماط حياتية وسلوكيات ومهارات عقلية محدودة تم من خلالها اخضاع العديد من شعوب العالم. هذا النموذج هو شكل من اشكال الغباء البدائي الذي ينجم عن الجهل وغياب المعرفة وبالتالي انعدام التفكير المنطقي. وكثيرا ما تجلد العديد من شعوب العالم الثالث ذاتها حيال خيبتها وتاخرها عن التنمية والتقدم.
وجلد الذات هو في الحقيقة محاولات للتنبه الى ان هذه الشعوب واقعة تحت تاثير عمليات تدمير ممهنجة تجري عبر انظمة مصنعة ووصناعية هدفها التاثير على ادراكات الانسان وضبط او تحجيم سلوكياته .
ومثلما يجري اليوم اطلاق مصطلح الذكاء الصناعي على الابتكارات والمنتجات البشرية التي توظف الالة من اجل التطور والرقي , ايضا فان ما تتعرض له العديد من الشعوب على انه عملية ( تغبية صناعية ) .
واستطيع القول ان عمليات الغباء الصناعي اكثر عراقة وعمق خبرة وتجربة من الذكاء الصناعي , بل انه الاخطر والاوسع تاثيرا ويشمل مساحة واسعة من التجمعات البشرية .
واذا كان سكان تلك القرية الكاميرونية صنعوا بيوتهم بمستوى قاماتهم التي ضمرت جراء مانجم عن محدودية اشتغال الدماغ, فان هناك شعوب في العالم الثالث ,اريد لها ان تحجم وتصغر مديات مداركها وافكارها ومن ثم حياتها وطموحاتها واحلامها .. وذلك تبعا لما وضعه الحكام والحكومات من مخططات جرى تنفيذها بوسائل صناعية نجحت في تقزيم مدارك الدماغ وذلك على غرار ما ذهب اليه تاجر السلال الذي شجع سكان القرية على الابقاء على طريقة حياكة السلال الغبية عبر الدوران حولها بطريقة بلهاء .
واليوم يجري استخدام التطور التقني في وسائل الاعلام والاتصال والتواصل لكي تبقى الشعوب تدور حول نفسها وفق نظرية ( الحلقة المفرغة ).
واستغلت اطراف عديدة وسائل الاعلام والاتصال الرقمي لاغراض التحجيم والتغييب والعزل المعلوماتي والمعرفي عن المجتمعات لغرض ابقائها دون المستوى الادراكي لمنعها من التفكير المعرفي الذي يؤدي الى الانتاج المنطقي للتخطيط والابداع .
ــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha