المقالات

وزارة الخارجية وصفقة السفراء مابين السؤال البرلماني والاداء المتعثر ..


د. هاتف الركابي ..

 

في وقت سابق كانت قد اتفقت  وزارة الخارجية  مع الاحزاب السياسية المتنفذة  مناصفة عن اختيار ( ٧٠ ) سفيراً ، على أن يكون ( ٣٥ ) من الوسط الدبلوماسي ، و ( ٣٥ ) من الاحزاب السياسية ، ووضع الوزير شروطاً ، منها ما يتعلق بالعمر واللغة ، ومنها بشمول فئات معينة من الدرجات في الوزارة دون غيرها ..  وقبل عدة أيام قدم أحد النواب سؤالاً برلمانيا ًلوزير الخارجية يسأله ويستفسر عن الشروط التي وضعتها الوزارة من اللغة والعمر الذي حدده من مواليد ١٩٦٥ فما دون  لاختيار قائمة السفراء  ، فجاء جواب الوزارة مذيلاً بتوقيع ( وكيل الوزير ) ومتضمناً أن الوزير هو الرئيس التنفيذي الاعلى للوزارة والمسؤول عن تنفيذ سياستها، وله الحق بما يشاء من اصدار قرارات او تعليمات ، ولكن فات على النائب الرد أصولياً بموجب الدور التشريعي والرقابي الذي رسمه له الدستور، ومن جانبي كمختص في الشؤون الدستورية والبرلمانية ، سأرد على الوزير ، وكما يأتي :-

أولا ً : سأبدأ من حيث  انتهت رسالة الوزارة وفق ما مذيل بكتابها  والذي جاء موقعاً بتوقيع الوكيل ( حازم اليوسفي ) وهنا أشير بأن كتاب السؤال البرلماني كان قد صدر من أعلى مؤسسة دستورية أصيلة وهي السلطة التشريعية التي يولد من رحمها السلطة التنفيذية ، وهي من تراقبها ، وهنا كان لزاماً على الوزير الاجابة بنفسه لا أن يوكل الامر الى وكيله لأن ذلك يعد مخالفاً للسياقات الدستورية والتشريعية والتنفيذية. وهذا لايتناسب مع السلطة التنفيذية والوزارة أداءاً وقانوناً ، فهل لايوجد في الوزارة من مستشارين لكي يطلعوه على ماهية العمل وسياقاته، أم أن الوزير غير مكترث بالبرلمان ؟؟.

ثانياً : لاحظنا ان وزير الخارجية في كتابهم قد  بدأ بوضع شروط على مزاجه لاختيار السفراء الذين هم من خارج الوسط الدبلوماسي ، وهنا نشير إن ما سارت عليه أعلب البرلمانات والانظمة السياسية إن تعيين السفراء هو تعيين سياسي ، وغالباً ما تكون ترشيحات السفراء من الاوساط الجامعية والاكاديمية والكفاءات المتنوعة في شتى المجالات كونها منصب سيادي ولا يخضع لتقدير وزراء الخارجية ، لان وزارة الخارجية هي من تنفذ السياسة الخارجية للبلد ولا ترسمها ، وعليه لا يمكن خضوع تعيين السفراء من خارج الوسط الدبلوماسي الى شروط وتعليمات وزير الخارجية . علماً أن تلك الشروط التي وضعتموها فيها مغالطة واضحة لأن النسبة التي ذكرتها الفقرة الثالثة من المادة ( ٩ ) من قانون الخدمة الخارجية رقم ( ٤٥ ) لسنة ٢٠٠٨ تخضع لتقدير مجلس الوزراء ، الذي باستطاعته أن يجعل جميع المرشحين من خارج الوزارة.

ثالثاً : إن ما يدعو للاستغراب في كتاب الوزارة  قولها بأن العراق يزخر بالكفاءات ولا بد من فسح المجال من الشباب ، وهنا نقول لك يا معالي الوزير : نحن معكم ونؤيد توجهكم بفسح المجال أمام الشباب العراقي ، ولكن إبدأوا بتغيير كوادركم انتم ، بدءاً من الوزير الذي وصل سن التقاعد، والوزارة منذ التغيير سنة ٢٠٠٣ لم يكن أدائها بالمستوى المطلوب بالنهوض بدبلوماسييها وتهيأتهم في كافة المجالات كاللغة وصنع القرار وتولي المواقع القيادية ، الأمر الذي وضع الدبلوماسية العراقية في حرجٍ كبير مقارنةً بالموازنات المالية الكبيرة التي تمنح لوزارة الخارجية ووجود المنظمات الدولية العاملة في العراق ومراكز البحث والدراسات والتحليل السياسي والخبرات الاكاديمية في مجالات القانون والسياسة والعلاقات الدولية ، ونستغرب حقاً من تهميش الوزارة لبعض الدبلوماسيين الذين يمتازون بالتحليل وقياس الاثر وحتى الظهور الاعلامي المتميز .

رابعاً : لقد جاء بكتاب الوزارة ان وزير الخارجية هو الرئيس التنفيذي الاعلى للوزارة وله الحق باصدار القرارات والتعليمات والاوامر حسب المادة ( ٢ / أولاً ) من قانون الخدمة الخارجية ، وبموجب هذا النص فان الوزير اعطى لنفسه الحق فعل مايشاء  ويضع الشروط التي يريدها حتى مخالفة القوانين ، وللاسف ان مستشاريه القانونيين لم يوضحوا له بأن النص الذي تعكز عليه لايبيح له مخالفة روح النص الاصلي الذي ابتغاه المشرع عند وضع القوانين الصادرة بأي شكلٍ من الأشكال ، لذلك فالوزير عندما اعتمد على النص المذكور باصدار تعليمات وشمول فئة المستشارين مع فئة الوزراء المفوضين  ضمن اختيار السفراء من الوسط الدبلوماسي ضارباً بذلك النصوص القانونية عرض الحائط  كان ( لغاية في نفس يعقوب ) ؟؟!!.. وهو الامر نفسه في مسألة طلب  استثناء المشمولين بالمسائلة والعدالة من البعثيين الذين اصدر بحقهم كتاب موجه الى هيأة اجتثاث البعث.

خامساً : لقد أشار كتاب الوزارة الى مسألة تحديد العمر للمرشح كسفير من تولد ١٩٦٥ فالأقل عمرا ، ولا نعرف ماهي العلة من ذلك ، واعتقد أنها لشمول أشخاص بعينهم يبتغيهم الوزير، وقد عللت الوزارة ذلك بأن لها الحرية بوضع الحد الاعلى بما تراه مناسباً ، ونحن نرى أن هذا الكلام فيه خرق كبير للقوانين ، وكان على القانونيين في الوزارة أن يوضحوا للوزير بأن هناك قاعدة ( التدرج الهرمي للتشريعات ) إذ لايمكن للتعليمات التي تكون في ذيل الهرم التشريعي أن تسمو على القوانين أو تتعارض مع غاية المشرع ، وكان على المستشارين إيضاح أن الوزارات والادارات التنفيذية لا تقوم على الفلسفة بل تقوم على الاستراتيجيات وتطبيق نصوص القوانين ، ولايمكن للوزارة أن تقصي الخبرات وأصحاب التجربة الذين يمكن الاستفادة من خبراتهم لمدة عشرة سنوات أو أقل ، فما ذنب المشمولين بالقوانين الخاصة كاصحاب الفصل السياسي الذين حُرموا في النظام السابق من المساواة باقرانهم ، فكان لزاماً الانتباه الى أن هناك قاعدة قانونية ملزمة وهي ( أن الخاص يقيد العام ) ؟؟!!.

وعليه فان مبررات الوزارة تعد تعدياً على النصوص القانونية التي لم تشترط حداً أعلى للعمر ، فالنص جاء مطلقاً في نصوص قانون الخدمة الخارجية ، ولا يمكن للوزارة ان تتجاوز اختصاصاتها، مما كان ينبغي على الوزارة الالتزام بأحكام القانون واستشارة ذوي الشأن والاختصاص لا أن تطلق الامور جزافاً؟؟!!.

سادساً : إن إعتماد الوزارة بشرط اللغة الانكليزية لوحده كأختيار السفراء لايمكن الركون إليه ، كونه أمرٌ يخلط بين اللغات المتداولة عالمياً وبين اللغات الحية الأكثر انتشاراً كاللغات الرسمية المعتمدة في الامم المتحدة وحتى اللغة العربية التي أُعتمدت كلغة رسمية في الامم المتحدة سنة ١٩٧٣ ، فما بالك في البلدان التي تتكلم اللغات الروسية أو الاسبانية أو الالمانية وغيرها ، وهنا نلفت اهتمامكم بأن الالمام يختلف عن إتقان اللغة ، وإن إدارة البعثة الدبلوماسية بمهنية ونزاهة واخلاص والقدرة على التحليل هو المعول عليه ، لأن الدولة بحاجة الى من لديه فكر سياسي وقانوني ودبلوماسي وصانع للقرار في الظروف الحرجة ، وإلاّ اكتفينا بالحاصلين على شهادة اللغة الانكليزية من كلية اللغات ، وأن ( ما لايتم الواحب به فهو واجب ) على حد قولكم ، فنحن نقول ( أن المطلق يجري على إطلاقه في القوانين ولا إجتهاد في مورد النصوص ) ؟ .. ومن جانب آخر فأن وزارتكم تخلط ببن لغة التفاوض واللغة التي تصاغ بها المعاهدة أو الاتفاقية وهذا ما أشارت إليه المادة ( ٧ ) من قانون عقد المعاهدات رقم ( ٣٥ ) لسنة ٢٠١٥ التي حددت لغة المعاهدة بأنها العربية ، واللغة الاخرى التي تعتمدها الدولة المتفاوضة الاخرى واللغة الثالثة للاحتجاج بها  عند الاختلاف ، وبما أن اللغة العربية هي احدى اللغات الحية يكون لزاماً على وزارة الخارجية التي تفتقر للمتخصصين في الصياغة للاتفاقيات المعقودة في اللغة العربية أن تكون ملمة بأصول الصياغة فضلاً عن الوزارات الاخرى ، ومن ثم يقتصر دور وزارة الخارجية على التهيئة والتنسيق لاجراءات النفاذ ، وعليه نؤكد أن لغة التفاوض شيء ، وصياغة الاتفاق شيء آخر .. أما قولكم بان اغلب المسؤولين الاجانب يتحفظ بوجود المترجمين ، هذا أمرٌ لا يقوم عليه دليل ، ولم نشاهد أن دولة قد تحفظت على وزير عراقي أو رئيس حكومة لايتحدث اللغة الانكليزية ، لذلك فجميع الاتفاقيات الواردة الى مجلس النواب من الامانة العامة لمجلس الوزراء نشاهدها قد وقعت بلغة البلدين .. ومن جانب آخر نشيركم الى ان مهام السفير وفقاً لاتفاقية ڤينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة ١٩٦١ هي مهام البعثة عموماً وليس للسفير وحده ، فضلاً عن أن المفاوض هو من يُخوّل من دولته بوثيقة تفويض صادرة من السلطة المختصة ولا تعني للسفير لوحده ..

سابعاً : من الملفت للنظر أن اللجنة التي شكلها الوزير لمقابلة ممن هو بدرجة ( مستشار ووزير مفوض ) لم تكن موفقة في الاختيار ، ويؤسفنا أن نرى حجم الاسئلة التي وجهت الى المتقابلين والتي امتازت بالعشوائية ، ناهيك عن الانتظار الطويل والمتعمد للدبلوماسيين المتقابلين ، وطريقة الإذلال التي تعرضوا لها لاسيما وقوفهم أمام اللجنة لأكثر من ساعة دون تهيأة مكان وكرسي للجلوس ، فضلاً عن عدم وجود أي من الكوادر العليا من وكلاء وسفراء الوزارة ضمن اللجنة المشكلة ؟؟!!..

وتأسيساً لما تقدم : أسأل رئيس الوزراء عن السياسة الخارجية التي طالما صدع رؤوسنا بها ، ووزير الخارجية عن هذا الأداء ، ولي معكم وقفة في قابل الايام عن كل ما يجري في السفارات العراقية في الخارج وقضية التعويضات المترتبة للعراق عن الحروب ..

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك