المقالات

مالم يقله ابن خلدون في مقدمته


أنيس الخفاجي

 

العراقيون.. أمة مختلطة الأصول، أفرادها متفاوتوا القِدم على ارض بلادهم العراق، بعضهم يسكن هنا منذ ٧٠٠٠ عام، وبعضهم جاء مع المسيحية، فيما جاء اخرون مع الفتح الاسلامي، وتوالوا على سكنها حتى ذروة فترة التجانس عندما كانت بغداد عاصمة الامبراطورية العربية الاسلامية، فسعى اليها الناس من كل بقاع الامبراطورية كنوع من الرغبة بالسكن والتجارة والدراسة فيها، او للقرب من مركز القرار.

هذا الخليط اليوم لايمكنك التمييز بين أفراده، لايمكنك التمييز بين هذا وذاك، منذ رسمت الحرب العالمية الاولى حدود البلاد وهم ينصهرون ببعض، رغم انهم يتحدثون لهجات مختلفة عديدة، ولغات عديدة ايضاً، لكنهم عراقيون فقط.

هذه الأمة المعروفة بعنادها وعدم اكتراثها لغضب اعدائها، أرقت جيرانها طويلاً مذ بزغت، فهي لاتستقر أبداً مع وجود تهديدٍ قريب، يمكن لها ولشعبها ان يضرب دولةً أخرى او يهددها او يحرق مصالحها او حتى يغزوها بالكامل، اذا تعرضت لكرامته بشيء..

ولهذا، عانى العراقيون طويلاً من عقدة غضبهم السريع، رغم انهم لا يكترثون احيانا لتلك المعاناة، المهم، إنّا ضَرَبنا!!

هؤلاء رغم ما يقال عنهم أنهم سريعو الغضب، لكنهم سريعو الدمع أيضاً، هم متطرفون في كل شيء، فقصائدهم الحزينة تصيب القلوب بعواصف الالم، وأغانيهم الحماسية تلهب الصدور وتلقم السلاح، يبكون دماً لعصفورٍ مذبوح، ويجزون رؤوس اعدائهم بلا رحمة، يعشقون بتطرف، وتعشق نسائهم بجنون، يحبون امتصاص نخاع الحياة، ويقفزون الى الموت في أول مناسبة، كل ذلك في وقتٍ واحد..

العراقيون قوم لا يفهمهم الا من عاشرهم، شبابهم جميلو الخلقة، فتياتهم يذبحن العيون جمالاً، أعينهم تشع حسناً، وأصواتهم عذبة على المسامع، لكنهم في الوقت نفسه، عكرو المزاج، شديدو الحزم، سريعو التدخل، ويلجأون للقوة كحلٍ مناسب دائماً..

ليس بين بيتٍ عراقي وآخر فرق، لو دخلت لوجدت نفس مذاق الطعام، لأن الروح نفسها تطبخ هنا او هناك، ولوجدت اماكن تعليق المناشف ذاتها، وصور الائمة نفسها، وآيات القرآن ذاتها على الجدران وبنفس الترتيب، لانهم انصهروا معاً منذ الاف السنين، دون جدران او حواجز..

يظن العراقيون دائماً انهم اسياد من حولهم، ولذا فهم شديدو الاعتزاز ببلادهم، اما لماذا، فيقولون لأنهم اهل مُلكٍ وثروة ومساحة وإرثٍ وتاريخٍ وقوةٍ وعدد، ولأنهم معروفون بسطوتهم الجبارة مدى التاريخ، لذا فهم يشعرون بالظلم مع اول انتقاصٍ منهم، ويثورون ضده.

قد يشتم العراقي بلاده في ساعة غضب، لكنه قد يقتل غريباً شتمها، فالعراق في نظرهم يأت بعد الله في القداسة، يعلّمون صبيانهم ان يحبوه، وبناتهم ان يتغنين به، حتى لا تكاد ترى اثنين يتحدثان الا والعراق حديثٌ بينهما.

هؤلاء قومٌ يعرف عنهم اللا انكسار ولاهزيمة، تمر بهم الظروف لا تُطاق، وبعد سنوات، تجدهم أعزةً، بعزة العراق.

قيل فيهم:

علّقتُ روحي بنداً في أسنّتهم..
لا تبدأ الحربُ إلا وقتَ هُدنَتِهِم..
جازاهم اللهُ خيراً عن مُعَنّتهِم..
هُم الذينَ دهتني رؤيةُ ابنتهِم..
فكانَ سعداً على المدهيٍّ والداهي..

حذاري يا صاحبي إن الهوى شَرَكُ..
لم ينجُ من يدِهِ عبدٌ ولا مَلِكُ..
أهلُ العراقِ شموسٌ مالهم فَلَكُ..
هم غيروني تماماً منذُ أن تَرَكوا..
وأسكنوا في مرايا البيتِ أشباهي..

**

العراقيون.

لبديع الزمان ☘

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك