أحمد كامل
بصوتها الشجي سمعت أمي وهي ( تلولي ) على صدر طفلي الرضيع ، والذي قضى يومه باكياً لا نعرف سبب بكاءه حتى عجزنا أنا وأمه من اسكاته على الرغم من استخدامنا الكثير من الأدوية المهدئة لكن دون جدوى حتى انقض علينا النوم بعد إرهاق وسهر شديدين ، نمنا سويعات قلائل بعد أن فقدنا السيطرة على يقضتنا ، وبعد وقت من النوم.
فتحت عيني ولم أسمع صراخ طفلي الممل ، فأرتعشت خوفاً على طفلي فقد يكون حصل فيه شيء مكروه ، ونهضتُ من مكاني ولم أجده ، فأزداد خوفي ، ونهضت مسرعاً إلى الباب ، فأتتني ترنيمات شجية ، وصوتاً خافتاً بنبرة أنين حزينة ( دللول الولد يبني دللول عدوك عليل وساكن الچول ) ، فنظرت من باب غرفتي اترقب ، فرأيت طفلي نائماً في أحضان أمي ، وعيونها تنثر دموعاً بغزارة ، لكن بدون صوت بكاء.
علمتُ في حينها إن أمي تبكي على أخي كعادتها عند وقت وحدتها، أخي الذي فارقنا قبل ثلاثين عاماً ، عندما اعتقلتهُ السلطات الأمنية وضيعت أثره دون معرفة مصيره ، بسبب حملهِ كتاباً دينياً لا أتذكر أسمه بالضبط ، عند عودته من مدرسته الإعدادية ، حيث علمت ذلك بعد فترة من اعتقاله على لسان أحد أصدقائه المقربين ، أن فقدان أخي قد ترك أثراً بالغاً في صحة أمي ، ومن مغادرته ولهذا اليوم لم أراها تضحك أو مرتاحة البال ، على الرغم من مضي أكثر من ثلاثين عاماً على الحادثة .
فطفلي بكى ساعات وهدأ ، ونحن لم نتحمل معاناته ساعات قلائل ونمنا ، لكن روح أمي مستمرة لا تعرف الاستسلام ، فلا تعبٌ ينال منها ، ولا نسيان ينعش آمالها ، ولا مشهد يستطيع أن يسيطر على عيونها وينسيها مشهد أخي ولو للحظات .
فالامُ مخلوق لا يمكن تعويض حنانها وبركاتها التي جعل الله الجنة تحت أقدامها ، فلا أعرف سر ما في داخل يدها ، والتي جعلت الطفل ينام وتغلبت على جميع التقنيات الطبية في صناعة الأدوية المهدئة والتي عجزت عن إسكات طفلي ، تلك اليد الممتلئة بالوشوم الخضراء ، والتي كان يستخدمونها سابقاً للتجميل ، وذلك الخاتم ذو الشذرة الزرقاء الذي لم تخلعه يوماً فيبدو أيضاً له سراً ، في حياتها ، حينها تناقشت مع نفسي ، ولم أصل إلى ذلك السر الخفي ، (إذا كانت الجنة تحت أقدامها ، فما هو الذي تحت يديها ).
https://telegram.me/buratha
