أمجد سالم
عمره شارف على الأربعين ، أعزب بسبب الفقر ، إلتحق بالحشد منذ أن رأى أول زهرة أذبلها الإرهاب بسبب الخائنين ، منذ أن سمع أول نداء للحسين ع(ألا من ناصر ينصر العراق ؟! ) ، ذهب ليسكن الآلام و يصمت الأنين ، عمل بكل مجالات الحشد المقدس ، قتالا ، إدارة ، تخطيط ، طبابة ، دعم ، .... ؛
كان يقسّم راتبه المتواضع ، ( أجرة التنقل ، أجرة الطعام ، مصاريف بسيطة شخصية ، قسم أكبر لذوي الشهداء ، مصرف لأخته الفقيرة ، مصرف لأمه ) .
هكذا لن يتبقى له شيء يدخره ، يقول لي دائما : إنه أخف لي ، لا أريد أن أستشهد ثقيلا .
بشوش ، متأمل ، متواضع ، متسامح ، قد ألغى نفسه من الوجود و إستوطن قلوب معارفه ، يقضي يومه كأنه يموت غدا ، و لو تكلمت معه أحسست أنه من الخالدين .
صادف زميلا له بالجهاد ، مهندس يعمل في شركات النفط ، ترك وظيفته وأهله ليلتحق بالحشد ، وبينما هم في قتال وقد إنصهر السلاح بشدّة الوطيس ، أصيب المهندس إصابة أفقدته بصره،
إنفطر قلب صاحبي حزنا عليه ، و ذهب بعيدا مع نَفْسِ المهندس ، عميقا ، أخذ يحن عليه كما أمه و أبيه ، يداريه كلما رجع من القتال ، و لا يزال ، تاركا بيته إلا قليل ،
إنه يعمل المستحيل له و المحال ،
إن وصفي له ، قول لا يقال ،
يزوّره أئمة أهل البيت و المساجد ،
يرتله القرآن و الأدعية ،
يطعمه بيديه ، و يؤنسه ،
يتحاورون بالله و من إرتبط بالله ،
رأيتهما ملاكين ،
زرتهما في مسجد الكوفة في ليلة القدر ،
حينما نظرت إليهما ، و رجعت لنفسي ،
كيف أقارن بعظيمين ؟
خنقت دموعي بعيني اللتان تشهدان عليّ بالمعصية ،
و صافحتهما بيدي اللتين عصيت بهما جبار السماء ،
و ذهبت بعيدا ، كسفينة إصطدمت بجبل أشم في بطن البحر ،
و إنكسرت تعاني فقدان البوصلة ،
بعد أن توسّلا بي أن أدعو لهما بالشهادة ،
فقلت بنفسي :
إنّي قابلت رجالا و أي رجال ،
لو أرادوا بهمتهم لزيّلوا الجبال .
https://telegram.me/buratha
