حلا الكناني
يرحل بنا التاريخ عبر محطاته، ويستوقفنا عند محطةٍ غاصت بمسافرين أودعوا قلوبهم عندها لتسافرَ بها حيث العزة، والشرف، وحيث الكرامة التي أبت إلا أن ترتدي ثوب الشهادة، والإباء، وكلما استقرت بها حيث إختها وجدوها تفيضُ عطاءاً، وصبراً على العاديات كبيراً.
تلك هي محطات آل الحكيم الكرام عند كل واحدة منها تجد النفوس حيارى في وصف حجم تلك التضحيات، وتلك القرابين الستينية التي اقتربت من مثيلاتها السبعينية لجدها الحسين عليه السلام، ولا عجب في ذلك لأنها ذرية بعضها من بعض.
ما دامت تلكمُ الأنساب شريكة الروح، و الهوى، ستجدها تنضح علماً، ولساناً صادقاً يميز بين الخبيث، والطيب، وإن كثُر الخبيث، وأعجبَ زُرّاعه، أولئك هم آل الحكيم، و عزيزهم الذي جاء يحمل على أكفّه أحلام موطنه العراق، ليستريح بها بين احضانه، ويضمّنها مسلة العزة، والصمود التي أودع فيها ذلك التاريخ العريق، لتكون منهاجا يسير على خطاه كل من رام الوصول الى حياة حرة كريمة.
انتهج عزيز العراق نهج آبائه الأولين، فراح ينسج نسيجاً ضمّ عراقاً بأكمله، ورسم لوحة امتدت بعمقها إلى حيث بابل، وآشور، وتلك الحضارات التي غذّت الإنسانية جمعاء علماً، ومعرفة، فاستوحى من الاهوار حرارة قلوب الامهات الثكالى، ومن سفوح الجبال قرابين سُيّر بها إلى مصيرٍ مجهول قضت فيه نَحْبَها، ومن ذراري الصحاري شهامة أبت ان تنحني ألا لربها، فصارت لوحة أشهر من الموناليزا في عمق تعبيرها، إنها لوحة اتقن الرسام صنعها لأنه رسم خطوطها من شرايين قلبه المثقل بالأسى على وطنه الجريح.
أراد عزيز العراق ان ينعم بلده بكل ما منّ الله عليه من نعمٍ شتّى، وأن يكسر قيود الظلم، والطغيان، ويقتل سلطان الفقر، والحرمان، ويخطّ بفكره النيّر مستقبلاً مليئاً بالنصر على الذل، والهوان، وآمن بأن ما كان للمولى عز، وجلّ ينمو، وما له من زوال، وأن القوة في الوحدة، والضعف في الفرقة، والانعزال، وأن الطائفية تنهش بجسد الأمة كما يفعل السرطان، وأن لا خير فيمن باع أهله بأرخص الأثمان، فاستشرف بذلك مستقبلا مهدوياً يحلّ في ناديه كل أمنٍ، وسلام.
جاهد أبا عمار في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين تاركاً وراءه مشروعاً عميقاً كعمق تضحياته، فأوصى بعراقه خيراً، ان لا تذل يا عراق، ولا تركع إلا لربك الذي جعلك حراً لا تُضام، واحذر شماتة الأعداء فإنها أشد من وقع الحسام، وخذ حذرك ان أنت أكرمت اللئام، وسارع الى الخير، واحتضن الكرام، فسلام عليك سيدي من عزيزٍ فارق الدنيا لا القلوب، وسلامٌ عليك من كريمٍ شقّ الى طريق الحق خير دروب، فنمْ قرير العين مبتهج الفؤاد، فإن عراقك لن يكون إلا كمثلك عزيزاً في أهله، شديداً على المعتدين حين النزال.
https://telegram.me/buratha
