أحمد عبد السادة
اليوم (24 نيسان 2019) مرت الذكرى الـ 104 لإبادة الأرمن على يد (العثمانيين - الأتراك). في كل ذكرى سنوية لتلك الإبادة تنطلق مطالبات (أرمنية) لدول العالم للاعتراف بتلك الإبادة، وقد نجحت تلك المطالبات - حتى الآن - بانتزاع اعتراف 29 دولة و44 ولاية أميركية فضلاً عن الأمم المتحدة، بحصول تلك الإبادة.
هناك إجماع أرمني قاطع على ضرورة تدويل إبادة الأرمن، والدليل أننا لم نسمع أن هناك أرمنياً واحداً يشكك بتلك الإبادة، أو يدعو مواطنيه إلى الكف عن المطالبة بتدويل تلك الإبادة حرصاً على العلاقات مع الأتراك. لم نسمع أي أرمني (ليبرالي) أو (مثقف) أو (ملحــد) أو (مدني!!) يقول لأرمني (متدين) أو (قومي متعصب) بأن مطالبته بتدويل تلك الإبادة هي تحريض ضد الأتراك، أو أنها تمثل نزعة (طائفية وقومية) معيبـــة، أو أنها ستؤثر على التعايش مع الأتراك، لسبب بسيط جداً وعميق جداً أيضاً هو: أن جميع الأرمن - باختلاف توجهاتهم - يحترمون دمـــاء أسلافهم ويحترمون آلامهم، ويشعرون بأن للضحايا حقوقاً تاريخية وأخلاقية ليس من حق أي أحد أن يسلبها أو ينكرها أو يضحي بها.
ما يبدو بديهياً ومفروغاً منه في أرمينيا لا يبدو كذلك في العراق، فأنت (هنا) ما أن تعلن بأن هنالك حملة إبادة ضد (الشيعة) وبأن من حق الشيعة الدفاع عن وجودهم، حتى تفترســـك الألسن وتنهشك الشتائــم والاتهامات المجانية فيتم نعتك بـ(الطائفــي) و(المحرض على العنـــف) وتوصف بأنك (خائــن الثقافة والمدنية والموزائيك العراقي واللُحمة الوطنية)!، رغم أن تلك الإبادة واضحة وصريحة كشمس في شهر تموز العراقي!.
لماذا إذن لم نتهم الأرمن بالتحريض على العنــف ضد الأتراك حين طالبوا بتدويل إبادتهم؟، ولماذا لم نتهم اليهود بالتحريض ضد الألمان حين طالبوا العالم بالاعتراف بالهولوكوست؟.
إن الاعتراف بإبادة الشيعة لا علاقة له بالتحريض ضد (السنة) كمكون اجتماعي، وإنما هو أولاً وفاء وإنصاف لدماء الضحايا، وثانياً هو إدانة للتنظيمات التكفيـــرية الإرهـــابية ومرجعياتها الفقهية (الوهابيـــة) وحواضنها الاجتماعية وأجنحتها السياسية والإعلامية والدول الداعمة لها، وثالثاً هو إعلان يحتمه الضمير الحي، ورابعاً هو التزام أخلاقي قد يسحب خلفه - في حال تدويله - العديد من الالتزامات القانونية الدولية تجاه شيعة العراق والعالم، أي بمعنى أن مسألة معاداة الشيعة والتحريض على قتلهــم هي مسألة ستكون مدانة ومرفوضة دولياً كما هو الحال بالضبط مع (معاداة السامية)، وهذا الأمر يعني بأن هناك محاسبة ومطاردة ومحاكمة دولية ستتم ضد كل دولة أو جهة أو تنظيم أو شخص يـكفّر الشيعة ويدعو إلى سفــك دمهـــم كما فعل إمام وخطيب الحرم المكي عبد الرحمن السديس الذي دعا إلى حـــرب (سنية) شاملة ضد الشيعة!!.