المقالات

وليمةٌ طوطميةٌ..وبطونٌ ليس لها من شبع

2475 2019-04-21

حلا الكناني

 

يعّد مصطلح (الطوطم) من المصطلحات النفسية التي جاء بها أحد علماء النفس البارزين، وهو العالم سيغموند فرويد صاحب النظرية الاكثر رواجاً وتقبّلاً في الأوساط النفسية، والتي عُرفت بنظرية التحليل النفسي، حاول من خلالها ان يعتمد العديد من المعطيات في تفسيره للنفس البشرية، وتمثل الرغبات الجنسية والعدوانية إحدى أهم تلك المعطيات.

يشير (الطوطم) الى الأب ذي النفوذ الكبير، او الشيء المقدّس الذي لايمكن لأحد المساس به، وقد استقى فرويد ذلك المفهوم من إحدى الاساطير التي تحكي ان هنالك قبيلةً كان يحكمها الأب الأكبر لها، وتنصّ قوانين ذلك الأب انه لايحقّ لأي من ذكور تلك القبيلة الزواج بنسائها، أو الاقتراب من إحداهن، لأنهنّ يعدّنّ ملكاً مرهوناً به فحسب، وعلى كل الذكور إطاعة اوامره وإن كانوا باغضين، وفي إحدى الأيام طفح كيل هؤلاء الذكور، وضاقوا ذرعاً بتصرفات ذلك الأب، فقرروا أن يقتلوه، ولم يكتفوا بذلك، بل راحوا يلتهمون أشلائه وليمةً، ليشفوا غيض صدورهم، ولكن بعد قتلهم إياه، وعصيانهم لكل مانصّ به قانونه الذي شرعّه قبل مقتله، شعروا بحزنٍ شديد، وبتأنيب ضمير، وألم لم يألفوه من ذي قبل ، لأنهم أدركوا أنهم فقدوا مصدر نفوذهم وقوتهّم، وتجاوزوا لحدودٍ ماكان لهم في يوم أن يتجاوزوها، وكان نتيجة ندمهم أن عادوا وشرّعوا ذات القوانين التي شرّعها أباهم، فعادوا الى ذات المسألة في تحريم النساء على الرجال من ذات القبيلة، وإباحة ذلك لمن كانوا من خارجها، ومن هنا أشار فرويد الى كيفية نشأة الأخلاق في المجتمعات، وكيف أننا كبشر غالباً ما نقتل، ونلتهم (طوطمنا) إرضاءاً لشهواتنا، ونزعاتنا الجامحة، وقد نظلّ عاكفين على ذلك، غير مدركين لعواقب الأمور.

ترى هل صان بعض الساسّة العراقيين طوطمهم؟ ام انتهكوا الحرمات، ومارسوا طقوس الفساد، و جاسوا خلال البلاد؟ بل فعل هؤلاء شرّ من ذلك، فانتهكوا كل حرمةٍ لأرض السواد، فتلك الطاهرة التي تعّد أمّاً للجميع قُتلت في ليلةٍ ظلماءَ موحشة يتيمة البدر، وبعد مقتلها شرع هؤلاء بالتهامها وليمةً كبرى، لكنهم تخاصموا فيها أيّهم يأخذ الجزء الأكبر، فشبّ النزاع بينهم، ومازال قائماً الى يوم يبعثون ، ووصل المطاف بهم إلى إنهم راحوا يلتهمون بعضهم بعضاً، كي يظفروا بمزيدٍ من الغنائم، وكان الفرق بينهم وبين القوم الذين انتهكوا حرمة أبيهم، أن أولئك ندموا، وهؤلاء مازالوا ماضين بغيّهم بدمٍ باردٍ، فغدت أرض العراق وليمةً طوطميةً يُقيمها كل يوم الذين لم يكتفوا بالمنّ والسلوى، وطمعوا بالمزيد ، فتاهوا في صحراء الباطل عن الحق، وغاب عنهمُ الدليل، وعموا وصمّوا، ثمّ عموا وصمّوا، وصاروا من الخاسرين.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك