حلا الكناني
يعّد مصطلح (الطوطم) من المصطلحات النفسية التي جاء بها أحد علماء النفس البارزين، وهو العالم سيغموند فرويد صاحب النظرية الاكثر رواجاً وتقبّلاً في الأوساط النفسية، والتي عُرفت بنظرية التحليل النفسي، حاول من خلالها ان يعتمد العديد من المعطيات في تفسيره للنفس البشرية، وتمثل الرغبات الجنسية والعدوانية إحدى أهم تلك المعطيات.
يشير (الطوطم) الى الأب ذي النفوذ الكبير، او الشيء المقدّس الذي لايمكن لأحد المساس به، وقد استقى فرويد ذلك المفهوم من إحدى الاساطير التي تحكي ان هنالك قبيلةً كان يحكمها الأب الأكبر لها، وتنصّ قوانين ذلك الأب انه لايحقّ لأي من ذكور تلك القبيلة الزواج بنسائها، أو الاقتراب من إحداهن، لأنهنّ يعدّنّ ملكاً مرهوناً به فحسب، وعلى كل الذكور إطاعة اوامره وإن كانوا باغضين، وفي إحدى الأيام طفح كيل هؤلاء الذكور، وضاقوا ذرعاً بتصرفات ذلك الأب، فقرروا أن يقتلوه، ولم يكتفوا بذلك، بل راحوا يلتهمون أشلائه وليمةً، ليشفوا غيض صدورهم، ولكن بعد قتلهم إياه، وعصيانهم لكل مانصّ به قانونه الذي شرعّه قبل مقتله، شعروا بحزنٍ شديد، وبتأنيب ضمير، وألم لم يألفوه من ذي قبل ، لأنهم أدركوا أنهم فقدوا مصدر نفوذهم وقوتهّم، وتجاوزوا لحدودٍ ماكان لهم في يوم أن يتجاوزوها، وكان نتيجة ندمهم أن عادوا وشرّعوا ذات القوانين التي شرّعها أباهم، فعادوا الى ذات المسألة في تحريم النساء على الرجال من ذات القبيلة، وإباحة ذلك لمن كانوا من خارجها، ومن هنا أشار فرويد الى كيفية نشأة الأخلاق في المجتمعات، وكيف أننا كبشر غالباً ما نقتل، ونلتهم (طوطمنا) إرضاءاً لشهواتنا، ونزعاتنا الجامحة، وقد نظلّ عاكفين على ذلك، غير مدركين لعواقب الأمور.
ترى هل صان بعض الساسّة العراقيين طوطمهم؟ ام انتهكوا الحرمات، ومارسوا طقوس الفساد، و جاسوا خلال البلاد؟ بل فعل هؤلاء شرّ من ذلك، فانتهكوا كل حرمةٍ لأرض السواد، فتلك الطاهرة التي تعّد أمّاً للجميع قُتلت في ليلةٍ ظلماءَ موحشة يتيمة البدر، وبعد مقتلها شرع هؤلاء بالتهامها وليمةً كبرى، لكنهم تخاصموا فيها أيّهم يأخذ الجزء الأكبر، فشبّ النزاع بينهم، ومازال قائماً الى يوم يبعثون ، ووصل المطاف بهم إلى إنهم راحوا يلتهمون بعضهم بعضاً، كي يظفروا بمزيدٍ من الغنائم، وكان الفرق بينهم وبين القوم الذين انتهكوا حرمة أبيهم، أن أولئك ندموا، وهؤلاء مازالوا ماضين بغيّهم بدمٍ باردٍ، فغدت أرض العراق وليمةً طوطميةً يُقيمها كل يوم الذين لم يكتفوا بالمنّ والسلوى، وطمعوا بالمزيد ، فتاهوا في صحراء الباطل عن الحق، وغاب عنهمُ الدليل، وعموا وصمّوا، ثمّ عموا وصمّوا، وصاروا من الخاسرين.
https://telegram.me/buratha
