المقالات

علمٌ لقيطٌ...وحرامٌ مباح

2110 2019-04-18

حلا  الكناني

 

تعلمنا من ديننا أن العلم نورٌ والجهل ظلامٌ، وأنه لايستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون، ولاتستوي الظلمات والنور، ولا الظل ولاالحرور، وعرفنا أن العالم عند الله بمنزلة المجاهد، وإن خير الناس من ترك للآخرين علماً يُنتفع به، فما بالُ هذا الزمن الذي قلب كل تلك الموازينَ رأساً على عقِب!

صار الجهل يتبجّح بقناع العلم، وينتحل صفته، ويتحدثُ بمنجزاتٍ لا يمّت إليها بصلةٍ، ليُغري أعين الناس، ويضلّل أذهانهم إلى أن جعلهم يهجرون الحقيقة، ويسعون وراء علمٍ لقيطٍ لايُعرف له من أصل.

اعتكف العلم المُغتَصب حقّه، وآثرها في نفسه، وراح ينأى عن الناس، وتركهم لمن صار يُقّرب لهم البعيد، ويلقي بأمانيّهم ، فخال البعض أنفسهم جهابذةً، وفقهاء، ولم ييقنوا أنهم ما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، وصار دعاة العلم يفترشون التراب، ودعاة الجهل ينامون على حرير جزاءاً لجهلهم الذي أضاعوا به عين الصواب، ُُتُرى ما الذي اودى بنا لهكذا مفارقةٍ، ومقاربةٍ معكوسة النتائج؟

يعلم جميعنا ان الكون كله يسير وفق نظام لو اختل يوماً هلك،وذابت معالمهُ، وكذا الحال بالنسبة لنظام التعليم فاختلاله يعني القضاء على مجتمع بأكمله، ولعل من اهم الاسباب التي هبطت بمستوى التعليم التوسع الانفجاري في افتتاح الكليات الاهلية التي لايتمتع بعضها بالمعايير اللازمة للاعتراف بشهادة خريّجيها من الطلبة، فضلا عن ان بعض طلبتها لو قُدّر لأهل الاختصاص أن يُخضعوه لاختبار، لحدث معه ما يُشبه لعبة (الحيّة والدرج)، ولابتلعته الافعى من علِ، لافظة إياه،وعلمه الى أسفل الدرك حيث المرحلة الابتدائية، وحيث ابجديات الكلام، والحساب.

صار كلٌّ يصولُ، ويجولُ وفقاً لهواه، فترى فلاناً اصبح طبيباً،وذاك صار مهندساً، وآخر نال شهادة المحاماة، وكلٌ تفاخر بنفسه، وما كان له ان يفخر الا لمال، او جاه، او حسب، ونسب، وكل تلك الظروف التي عبرت به الى الجانب الآخر من النهر بدلاً من ان يُترك ليعوم، ويذوق مرارة الوصول الى ضفّة النجاح، والأدهى من كل ذلك لو اصبح ذات يوم استاذاً جامعياً وفق ذات الآليّة التي حصل فيها على شهادته المجهولةُ النسب، وتتلمذت أجيالاً على يديه،فما تلك إلا الطامّة الكبرى!

يُقال في إحدى امثالنا الشعبية المتداولة(صانع الاستاذ استاذ ونص)، فكيف سيكون ذلك الاستاذ ونصف ياتُرى! اذا كان أستاذه نصف استاذ، او مايقل عن ذلك، وما ينقُص؟

صار التعليم مدعاةً للجهل، وظهرت فيه بِدعٌ ما أنزل الله بها من سلطان، ومنها نظام التسريع الذي ألفه جميعنا انه مناط بالمتميزين، والمتفوقين، أما الان فهذا النظام حُدّث ليشمل بعضٌ ممن لايقوى على كتابة نصف صفحة خاليةً من الأخطاء الإملائية بغض النظر عن نوع النص الذي سيكتب فيه، فيما لو طُلب منه، وستجدك أمام مجموعة من الطُرف، والنكات التي ستدعوك الى الضحك من نوع شرّ البليّة.

نعيش في واقع أباحَ الغش بحجة أن لا ضرر فيه، ولا يُعرف أيّ فتوى أباحت ذلك، ومن الذي افتى بها؟ و أيُّ عدالة تلك التي تساوي بين من غاص في بطون الكتب، حتى تداركه الغرق، وابتانت على وجهه الشاحب معالمَ السهر والتعب، وبين من دخل الامتحان ضاحكاً مستبشراً لايساوره أي قلق، وثقُلت موازين جيوبه بكل مالذّ، وطاب من المعلومات التي لا يخشى حملها حتى وان ضُبطت لديه، لأنه أمن العقاب، وضمن النجاة بفعلته لانها صارت حلالاً عند بعضهم، ولا تمّت للحرام بصلة.

صرنا كمثل الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، ويحلّلون حرام الله، ويحرمّون حلاله، و كالذين يبخسون الناس أشياءهم، اذا اكتالوهم يستوفون، واذا وزنوهم يُخسرون، وغدينا نمجّد أصنام الجهل، ونستبعد ونحارب كل ذي علم، ونقصّ منه الجناحين كي لايطيرَ بأحلامه الى أبعدَ من واقعه المزريّ الذي يعيش، ولِيعرف قيمته الحقيقة في زمن أضاع الحقيقة، وصرفها عن معانيها، ولن ترتفع قيمته الا اذا نزِع عنه لباس التقوى والورع، و هبط من جهنم أحلامه الى جنة الزيف ذات الأُكل الذي كأنه رؤوس الشياطين، وذات المومسات التي خالهن بعضهم حوراً من فرط بصيرته العمياء، وذات المياه الآسنة التي شُبّهت اليهم أنها انهاراً.

رغم كلّ ذلك الأليم من الوقائع، فدخان الخيالات المريضة سرعان ما ينقشع، وسيُعرَف حينها أن لذّة العلم وإن كانت ناراً، لكنها تطهّر العقول من براثن الجهل، وإن تطاول الأخير على العلم يوما، ولبِس ملبسه، وشرِب مشربه، فسيبقى هو ذاك اللقيط الذي يستعّر من مرافقته العُقلاء، لأنهم يؤمنون أن الصحيحة ستجرب لو رُبطت بجانب جرباء، وسيذهب علمها جُفاءاً، كجلمود صخرٍ تقاذفه السيل من أعلى الجبل.

يخالُ بعضهم أن ماورد فيه ضربٌ من ضروب المبالغة، ولكن بكل أسى هو ذا الواقع الذي ظنّ معه اهل الباطل أنهم على حقّ لكثرة ماسكِت أهل الحق عنهم ،وما سكوتهم إلا لأنهم أدركوا أنهم يخاطبون امواتاً، وان لا حياة لمن يُنادوا.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك