المقالات

تأملات في واقعنا المعاش (٢) مقالة لسماحة السيد صادق محمد باقر الحكيم

2466 2018-12-12

وكذلك هناك ركيزة او قاعدة اخرى، هي الالتزام في العلاقات الاجتماعية بمنهج العدل والإنصاف للناس حتى لو كان الطرف هذه الموازنة هو الانسان نفسه، فضلاً عما اذا كان طرفها الأفراد الآخرين من أبناء المجتمع. وتعتبر هذه الضابطة والركيزة عن الخلفية الأخلاقية والعقائدية في النظرية الإسلامية التي يجب أن تقوم عليها العلاقات الاجتماعية، باعتبارها أحد الجوانب المهمة في النظام الاجتماعي، اذ إن أقام جميع نظامه على أساس عقيدة العدل في نظر أهل البيت عليهم السلام، سواء في رؤيته لقيمة الانسان، ام في علاقة الانسان مع الله تعالى، حيث يكون العدل الركن الثاني في هذه العلاقة بعد الرحمة الإلهية، أم في إنتاج الثروة وتوزيعها، أم في نظام الحكم وفصل الخصومات بين الناس، بل وحتى في العلاقة مع نفسه.

ولذا نجد أهل البيت عليهم يؤكدون على العدل، باعتباره قاعدة وأساسا للنظام الاجتماعي عامة، وفي العلاقات الاجتماعية خاصة، وقد جاء هذا التاكيد في عدد من الاتجاهات:

الاول: تأكيد وجوب العدل بين الناس عامة في مقام التعامل معهم. فقد ورد عن ابي عبد الله الصادق عليه السلام قال: ((اتقوا الله واعدلوا، فإنكم نايلون على قوم لا يعدلون)). وكذلك في حديث اخر عنه عليه السلام قال: ((العدل أحلى من الشهد، وألين من الزبد، وأطيب ريحا من المسك)).

الثاني: تحريم ظلم الناس في مقام التعامل معهم، وهو نقيض العدل، حيث إن الظلم لا يظهر في المجتمع - عادة - إلا من خلال الاستئثار، واختلال الموازين الصحيحة في العلاقة الاجتماعية. فقد ورد عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: ((ما من أحد يظلم مظلمة إلا أخذه الله بها في نفسه وماله، فأما الظلم الذي بينه وبين الله فإذا تاب غفر له))، وكذلك ورد عن صادق أهل البيت عليهم السلام: ((ما من مظلمة أشد من مظلمة لا يجد صاحبها عليها إلا الله))، وفي حديث رواه الكليني بسنده، عن ابي بصير قال: ((دخل رجلان على ابي عبد الله عليه السلام في مداراة بينهما ومعاملة، فلما أن سمع كلامهما قال: أما إنه ما ظفر بخير من ظفر بالظلم، أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم، ثم قال: من يفعل الشر بالناس فلا ينكر الشر إذا فُعل له، أما إنه يحصد ابن آدم ما يزرع، وليس يحصد من المر حلواً، ولا من الحلو مراً، فاصطلح الرجلان قبل أن يقوما)).

الثالث: الحث على إنصاف المرء للناس من نفسه، باعتباره أساساً لقضية العدل في العلاقات الاجتماعية، وأنه لا يتصف الانسان المؤمن بصفة الإيمان إلاّ من خلال التعامل على أساس هذا الإنصاف. ويبدو أهمية هذا الاتجاه باعتبار أن بداية الظلم في العلاقات الاجتماعية تبدأ من حالة أن يؤثر الانسان حق نفسه ويقدمه على حقوق الاخرين، ثم يتطور ذلك بتقديم حقوق بعض الناس على حقوق آخرين منهم، ومن هنا فإن إنصاف الناس من النفس يعني تحقيق العدل بين الناس جميعا. ولذا نجد تأكيد أهل البيت عليهم السلام لهذا الأساس الأخلاقي.

فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه واله: سيد الأعمال إنصاف الناس من نفسك، ومواساة الأخ في الله، وذكر الله على كل حال)). وعن الصادق عليه السلام - أيضا - قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه واله: من واسى الفقير من ماله، وأنصف الناس من نفسه، فذلك المؤمن حقاً)). وكذلك ورد في الحديث عن أبي عبيدة الحذّاء،  عن ابي  عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال: ((ألا أخبرك بأشد ما افترض الله على خلقه؟ إنصاف الناس من أنفسهم، ومواساة الإخوان في الله عزّ وجلّ، وذكر الله عزّ وجلّ على كل حال، فإن عرضت له طاعة عمل بها، وإن عرضت له معصية تركها)). وفي هذا الاتجاه - مع تطوير وتصعيد الحالة الأخلاقية في العلاقات الاجتماعية - جاء التأكيد في حديث أهل البيت عليهم السلام أن يحب الإنسان لأخيه المسلم أو للناس ما يحب لنفسه. جاء ذلك في وصية أمير المؤمنين لولده الحسن عليهما السلام: ((فأحبب لغيرك ما تحب تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها)). وكذلك ورد في الحديث عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال: ((أوحى الله عزّ وجلّ إلى آدم عليه السلام: إني سأجمع لك الكلام في اربع كلمات؛ قال: يا رب وما هن؟ قال: واحد لي، وواحدة لك، وواحدة فيما بيني وبينك، وواحدة فيما بينك وبين الناس؛ قال: يا رب بيّنهنّ لي حتى  أعلمهن، قال: أما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئاً، وأما التي لك فأجزيك بعملك أحوج ما تكون إليه، وأما التي بيني وبينك فعليك بالدعاء وعليَّ الإجابة، وأما التي بينك وبين الناس فترضى للناس ما ترضى لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك)).

صادق محمد باقر الحكيم

 

الحلقة السابقة : تاملات في واقعنا المعاش (1)

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك