بقلم الدكتور محسن علي عطية :
نتائج الامتحانات الوزارية للصف السادس ونتائج القبول المركزي تؤشر حالة خلل خطير في نظام التعليم في العراق على مستوى وزارتي التربية والتعليم العالي وتؤشر خللا اكبر في سياسة الدولة في ادارة الموارد البشرية واستثمار قدرات المواطنين وتوظيفها بطريقة تجعل كل فرد منتجاً يسهم في بناء البلد ولا يكون عبئا على نفسه والمجتمع واليكم مؤشرات الخلل التي ازعم انها لا تخفى على احد ....
فأما مؤشر الخلل في اداء وزارة التربية فيتجلى في كون العاملين في الوزارة لاسيما المناهج والتقويم التربوي يعرفون أن من المعايير البديهيةللامتحانات أن تكون نتائجها موزعة توزيعا اعتداليا والتوزيع الاعتدالي يعني ٢٥ ٪ من المشاركين يحصلون على ازيد من ٧٠ و٢٥٪ أقل من ٥٠ و ٥٠٪ بينهما وفِي حال وجود انحراف حاد نحو اي من الطرفين فإنه يعد مؤشرا على وجود خلل في بنية الاسئلة ... وعندما تعلن الوزارة وجود ١١٠٠ طالب حاصل على معدل ١٠٠/١٠٠ بمعنى أنها تتحدث عن ١١٠٠ طالب أول على العراق فهذا دليل صارخ على واحد من ثلاثة أمور او كلها وهي:
١- أما وجود قصور في الاسئلة وكونها غير صالحة لقياس ما وضعت لقياسه لأنها من السهولة بحيث لم تكن تميز بين العبقري والذكي ومتوسط الذكاء ودون المتوسط والضعيف ...
٢- أو ان الاسئلة بيعت او تسربت لمجموعة من الذوات قاموا ببيعها او تسريبها ب١٠٠ دولار للورقة تسلم للمشتري بعد القسم بأن لا يعطيها لاحد ويقطع رزق البائع أو ربما تمدد الفساد الى لجان التصحيح والكونترول لترتيب الدرجات ...
٣- أو ان رفع المعدلات امر مقصود لدعم التعليم الأهلي من طريق رفع
المعدلات كي تعجز المؤسسات التعليمية الرسمية عن استيعاب العدد الكبير ليضطر الكثيرون الى الالتحاق بالتعليم الأهلي وهذا يلبي رغبة من منّ على العراقيين بحقهم في التعليم المجاني بتوجيه الناس الى التعليم الأهلي رغم أنوفهم .
أما المؤشر على وزارة التعليم العالي فيتجلى في أمرين ايضا هما :
١- ضربها التعليم الرسمي بالتعليم الأهلي وتجلى هذا في موافقتها على تشريع قانون احالة التدريسي الذي يبلغ ٦٣ عاما على التقاعد في حين ان نظام القبول في الدراسات العليا يقبل المتقدم على الدكتوراه بسن ٤٥ سنة يعني يصبح دكتورا بعمر ٤٨ او ٤٩ سنة ويأخذ طريقه في البحث وتطوير معارفه وحالما ينضج ويرتفع مستواه المعرفي والأكاديمي يحال على التقاعد .... هذا القرار تزامن مع فتح الجامعات والكليات الأهلية التي كانت بها حاجة الى تدريسيين بمراتب علمية لا يمكن توفيرها الا بسن هكذا قانون لكي يضطر المتقاعد للعمل بنصف راتب او اقل في التعليم الأهلي ... اذن ابحثوا عمن تشكى من تكلفة التعليم الرسمي ومن وقف وراء ضرب التعليم الرسمي بالأهلي ستجدون ان ثلاثة ارباع المساهمين في التعليم الأهلي اما حيتان الفساد او ذيولهم .
٢- توسعها في التعليم الأهلي في ظل منافس رسمي يتهاوى فضلا عن تشريع القبول الخاص في الجامعات مقابل اموال وهذا يعني ان الوزارة تعمل على الانتقال بالتعليم من المجاني المكفول دستوريا الى الخصخصة وفاتها ان اي تعليم اهلي ليس له منافس حكومي او رسمي ليس الا بوابة فساد وتدمير للطاقات البشرية فالجامعات الاهلية اصبحت بين جامعة وجامعة جامعة وبعضها صارت ( بتاع كله) طب وعقيدة وقرآن وصيدلة وتمريض وآداب وتوليد وتضميد ورحمة من الله والمعدلات من ٥٠ فما فوق الكل مقبول المهم يدفع....
أما مؤشر الخلل في سياسة الدولة فيتجلى في الآتي :
١- تحويلها التعليم من عامل مهم في بناء الطاقات البشرية وتأهيلها لأداء دور فعال في بناء البلد الى عامل هدر وتهديم الطاقات البشرية اولا وعامل احباط وتثبيط الدافعية نحو التعلم والتعليم ثانيا .. كيف؟ وذلك لتراكم الخريجين منذ عام ٢٠٠٤ وحتى الان من دون تعيين ولا توفير فرص عمل في القطاع الخاص اذ لا زراعة ولا صناعة يمكن ان توفر فرص عمل بل حتى العمالة صارت تستورد من الخارج في بلد نسبة البطالة فيه تصل الى الربع .... وبهذا فإن الدراسة أصبحت عبئا ثقيلا على الدارس فهو لا يمتلك خبرات الامي في العمل ولا دراسته وفرت له فرصة عمل يعيش منها بكرامة..
٢- حصر التعيينات بمجموعة تخصصات بعينها يقتضي عدم فتح اية دراسة في فروع معرفية ليست لها فرصة تعيين لان فتح دراسات في تخصصات لا يحتاجها البلد يعني قتل بشر وهدر الكوادر البشرية ... تصوروا كم تصرف الدولة والعوائل على الطالب الذي يدرس نحو ١٦ عاما ويتخرج منها معوقا عالة على نفسه وعائلته ..... اية سياسة هذه !
٣- انعدام التخطيط تماما في فتح الدراسات وتوزيع خريجي الإعدادية بكل فروعها في حين ان التخطيط لإعداد الطاقات البشرية وتأهيلها للمستقبل والاستفادة منها يعد من بديهيات عمل الوزارتين بشكل خاص والحكومة كلها بشكل عام ...
واخيرا ما الذي يراد من الطالب فعله عندما يحصل على معدل ٩٧ ولا يقبل في كلية صيدلة ؟
كان الطالب الاول على العراق موضع حسد ومادة إعلامية اذا حصل على ٩٨ او ٩٩ أما الان فالف ومائة طالب حصلوا على ١٠٠/١٠٠ .... تداركوا التعليم قبل ضياع الارض والبشر هداكم الله ..