تتمة للمقالين السابقين ،نتابع مع أهم جرائم السلطة القضائية
يتظاهر البعض هنا وهناك مطالبين باصلاح النظام القضائي،او استقالة رئيس السلطة القضائية مدحت المحمود،ولايعلم معظم هؤلاء ان لم نقل كلهم دور السلطة القضائية في كل ما آلت اليه الامور،وإنها هي من شرع الديكتاتورية وغلفها بغلاف قانوني ودستوري.وفي بضعة مقالات متتالية ،مستلة من بحث اكاديمي بتصرف-للامانة- ، سنقف على الكوارث التي الحقتها السلطة القضائية بقيادة المحمود بالعراق ونظامه السياسي،وسنفهم الاسباب الكامنة خلف مسرحية استقالة المحمود ورفض مجلس القضاء طلبه،بالاجماع.
3-ديكتاتورية القضاء تمهيدا لديكتاتورية السيد الرئيس
إن مجلس القضاء الأعلى كان قد تشكل بموجب أمر سلطة الإئتلاف رقم(35)لسنة2003، وقد عهدت المادة(2-3)منه لرئيس محكمة التمييز برئاسة المجلس،فأصبح القاضي مدحت المحمود رئيسا لمحكمة التمييز ولمجلس القضاء الأعلى.وبموجب المادة(45)من قانون إدارة الدولة تقرر أن يتولى رئيس المحكمة الإتحادية العليا رئاسة مجلس القضاء الأعلى كما صدر في العام 2005 قانون المحكمة الإتحادية العليا رقم(30)،والذي نصت المادة(3)منه على أن(تتكون المحكمة الإتحادية العليا من رئيس وثمانية أعضاء يجري تعيينهم مـن مجلس الرئاسة بناء على ترشيح من مجلس القضاء الأعلى...). وقد رشّح مجلس القضاء الأعلى رئيسه لرئاسة المحكمة.وبذا أصبح السيد مدحت المحمود يشغل منصب الرئيس لأعلى ثلاث مؤسسات قضائية في الدولة في آن واحد.فكانت نواة لخلق الديكتاتورية في العراق،ولاول مرة تبدأ الديكتاتورية من القضاء. ومع تجاوز المحمود للسن القانوني الأعلى لقضاة محكمة التمييز البالغ(68)عاما بموجب قانون تمديد خدمة القضاة وأعضاء الإدعاء العام رقم(39)لسنة 2012،فإنه ترك رئاسة محكمة التمييز لنائبه.
وفي العام 2012 نفسه أصدر مجلس النواب قانون مجلس القضاء الأعلى رقم(112)،وقد عهدت المادة(2-أولا)لرئيس محكمة التمييز برئاسة مجلس القضاء الأعلى،فتم إقصاء المحمود من رئاسة مجلس القضاء.ووفقا لبعض الآراء فإن مجلس النواب كان يهدف بتشريعه لهذا القانون، فضلا عن كونه مطلبا دستوريا، إلى الحد من صلاحيات المحمود ،بعد أن باتت الكتل السياسية ترى إنه قد أقام تحالفا بينه وبين رئيس مجلس الوزراء أسهم في تحشيد المناصب والصلاحيات لكل منهما ،كلا في مجال عمله ،وإن المحمود بات يصدر القرارات التي تصب في مصلحة المالكي. وفعلا،فقد سارعت كتلة(دولة القانون) ،التي يراسها المالكي، إلى الطعن بعدم دستورية القانون أمام المحكمة الإتحادية العليا ،التي يرأسها المحمود ،وقد أصدرت المحكمة قرارها بعدم دستوريته( 1).ولم تتذرع هذه المرة بأن مشروعات القوانين يجب أن تُقدّم من مجلس الوزراء كالعادة،فالسلطة القضائية ليست من اختصاص التنفيذية، بل استندت في قرارها إلى المادة(45) من قانون إدارة الدولة والمادة (130)من دستور 2005،والتي نصّت على أن(تبقى التشريعات النافذة معمولا بها،مالم تُلغ أوتعدل،وفقا لأحكام هذا الدستور).وبذا تكون المحكمة قد تجاهلت سريان الأمر رقم (30)لسنة 2003.فضلا عن التزام مجلس النواب دستوريا بإصدار قانون يُنظم عمل مجلس القضاء الأعلى (م90)،وإن من المفروض أن تكون المحكمة الإتحادية العليا (هيأة قضائية مستقلة ماليا وإداريا)(م92-أولا).فضلا عما في القرار من مخالفات أخرى(2 ).وقد أدى ضعف مجلس النواب هذا أمام تحالف السلطتين التنفيذية والقضائية،إلى أن تكون المحكمة الإتحادية مُشكّلة استنادا لنصوص قانون إدارة الدولة،وليس بالاستناد الى الآلية التي نص عليها دستور 2005 النافذ،ومع ذلك فهي تتمتع بالإختصاصات التي نص عليها هذا الدستور،الأمر الذي دفع إلى طرح التساؤلات حول مدى شرعية المحكمة،ومن ثم القرارات الصادرة عنها،باعتبار إن المحكمة ان امتدت امتدادا دستوريا لجهة التشكيل،فلايجوز أن يتجاوز ذلك الإمتداد ليشمل الإختصاص،فتكون قراراتها مشوبة بالبطلان لعدم الإختصاص(3 ). واذا كانت المحكمة قد حاولت التخفيف من هذا المنهج بعد اقصاء المالكي بان غل يد مجلس النواب عن التشريع يقتصر على القوانين التي ترتب التزامات مالية على السلطة التنفيذية او مايعد تدخلا في عمل السلطة القضائية(القرار21اتحادية 2015) مع ذلك ظلت خاضعة للسلطة التنفيذية فقامت بالغاء كافة الفقرات التي اضافها مجلس النواب على قانون الموازنة العامة لتجعل منه مجرد سلطة اقرار-ولو جزئيا- لما يصدر عن السلطة التنفيذية.
وكان من ثمار تحالف السلطة التنفيذية متمثلة بالمالكي مع السلطة القضائية ممثلة بالمحمود، تجاهل النصوص الدستورية وسلب مجلس النواب المزيد من اختصاصاته التي نصت عليها المادة(61)،فقد نصت الفقرة خامسا من هذه المادة على(خامساً :ـ الموافقة على تعيين كلٍ من:أـ رئيس وأعضاء محكمة التمييز الإتحادية، ورئيس الإدعاء العام، ورئيس هيأة الإشراف القضائي، بالأغلبية المطلقة ،بناءً على اقتراحٍ من مجلس القضاء الأعلى.ب ـ السفراء واصحاب الدرجات الخاصة، باقتراحٍ من مجلس الوزراء.ج ـرئيس أركان الجيش،ومعاونيه،ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق،ورئيس جهاز المخابرات،بناءاً على اقتراحٍ من مجلس الوزراء).إلا أن السلطتين التنفيذية والقضائية كانتا قد انفردتا بتعيين كل هؤلاء،من دون استحصال موافقة مجلس النواب(4) ،إلا أن الفارق بين رئاسة السلطتين،هو أن رئيس السلطة القضائية ، أو أي من اتباعه، لم يتذرع بأن الاخرين....(ماخلوه يشتغل)!.
أصدر المحمود تفسيرا يتيح للمالكي اعادة تشكيل الحكومة بالرغم من ان كتلته جائت بالمرتبة الثانية في الانتخابات(5)،وأصدر مايسمح للمالكي بأن يقدم تشكيلة حكومية ضمن المهلة الدستورية وإن كانت ناقصة ،وأن يتم اكمال النقص بدون سقف دستوري،ولايحدد عدد أو نسبة الوزارات الناقصة،وأن يدير الوزارات الناقصة بنفسه،أو أن يعين فيها وزراء بالوكالة،وبذا تنتفي الجدوى من النصوص الدستورية التي نظمت المهلة الدستورية لتشكيل الحكومة،او تلك التي تلزم أن يحظى الوزراء بثقة مجلس النواب ،أو تلك التي تلزم الحكومة بترشيح الاسماء لمجلس النواب للموافقة عليها. وبذا مهد المحمود للمالكي لان يصبح رئيسا للوزراء ووزيرا للدفاع والداخلية ومسؤولا عن جهازي الامن الوطني والمخابرات.كما أسهم كل ذلك في تجاهل المالكي لكافة القوانين وتفرده بصرف الاموال بلا حسيب أو رقيب،إذ لم يلتزم المالكي بإجراء التعداد السكاني برغم إقراره في الموازنة الاتحادية لعام 2009،وتخصيص مبلغ (70)مليار دينار لهذا الغرض، فاكتفت المحكمة الاتحادية بتوصيف ذلك بانه"مخالفة قانونية"وحمّلت المدعى عليه(رئيس مجلس الوزراء)اتعاب محاماة لوكلاء المدعي قدرها (10)الاف دينار(6).كما أسهمت في تشديد المركزية زمن الحكومات السابقة بمنع فك ارتباط الوزارات التي اصر المالكي على جعلها تابعة له وهي من صلاحيات المحافظات اصلا وليست ضمن الصلاحيات الحصرية للسلطة التنفيذية الاتحادية كما في القرار المشار اليها انفا.
ولقد وصل الأمر إلى أن يصدر رئيس مجلس الوزراء قرارات بالعفو العام(7)،برغم إن مثل هذا الأمر يتطلب تشريع قانون من مجلس النواب،ومصادقة رئيس الجمهورية،وإنه لايملك دستوريا إلا إصدار توصية لرئيس الجمهورية بإصدار عفو خاص.(م73أولا).ومع إن العفو الخاص لايمكن أن يشمل المتورطين بجرائم إرهابية،فقد أعلن رئيس الحكومة السابقة في كلمته الأسبوعية بتاريخ 812014، مانصه "أدعو الذين تورطوا أو الذين استغفلوا أو الذين استدرجوا لأن يكونوا جزءا من ماكنة الإرهاب الذي تقوده القاعدة أن يعودوا إلى رشدهم ونفتح لهم صفحة جديدة لكي تسوّى قضاياهم".كما أعلن بتاريخ272014"عن تقديم العفو لكل العشائر ولكل الناس الذين تورطوا بعمل ضد الدولة".بل ولقد تم اصدار قرارات بالعفو الخاص عن ارهابيين عرب ادينوا بجرائم ارهابية،وليس هناك من نص يبيح شمول مثل هؤلاء باي عفو عام او خاص،ولم يكن لمجلس النواب الا الاعتراض الخجول(8).
ومع إن مجلس النواب وقف موقف المتفرج من كل مايجري حتى وصلت الامور الى ماوصلت اليه،إلا أن هاتين السلطتين نجحتا في اقامة أعتى ديكتاتوريتين، تسهل احداهما للاخرى التحكم بمقاليد الامور،والانفراد بذلك،حتى تحولت السلطة التنفيذية متمثلة برئيس الوزراء من تحويل النظام البرلماني الى واحد من اسوأ النظم الرئاسية،وان نص الدستور على تبني النظام البرلماني ،وقلص من صلاحيات رئيس الوزراء لصالح مجلس النواب.وبذا فانهما معا،تتحملان وزر افراغ الدستور من محتواه،ووزر اغتيال النظام السياسي والقيام بانقلاب صامت بمرأى ومسمع الجميع.
--------------------------------------
1- د أسامة مهدي،المالكي ينجح باعادة رئيس مجلس القضاءالداعم لقراراته الى منصبه، www.elaph.com
2- تولي مدحت المحمود رئاسة مجلس القضاء الأعلى مخالف للقانون،مقال منشور على http://kitabat.com
3-د وائل عبد اللطيف،المحكمة الاتحادية العليا تعطل الاختصاص التشريعي لمجلس النواب، دراسة على الموقع www.almowatennews.com .ايضا:د علي عيسى اليعقوبي،المحكمة الاتحادية العليا في العراق،تكوينها وطبيعة الرقابة التي تمارسها-رؤية دستورية.دراسة منشورة على الموقع http://www.tqmag.net
4- القضاء يعيّن رئيسين لجهاز الإدعاء العام وهيأة الإشراف القضائي http://www.iraqja.iq.
5- قرار المحكمة الإتحادية25اتحادية2010 في 2532010.
6- ينظر قرار المحكمة 69اتحادية2009.
7-ينظر تصريح المالكي https://www.youtube.com/watch?v=d3NAluWXYO0
8-ينظر:القانونية البرلمانية تنتقد قرارات العفو الخاص التي يصدرها المالكي ويصادقها الخزاعي – منشور على الموقع http://alghadpress.com/
كذلك:اللجنة القانونية تعترض على قرارات العفو التي اصدرها المالكي بالعفو عن عرب متهمين بالارهاب بينهم سعوديون. منشور على الموقع http://www.voiraq.com/
هشام حيدر
https://telegram.me/buratha