بقلم : السيد ابو مرتضى العسكري
يروى أن فارسين من فرسان العصور الوسطى تقابلا عند تمثال وكانا كل على صهوة جواده شاكا سلاحه، فقال الفارس الأول هذا التمثال الأسود ما أجمله ،وقال الفارس الثاني ما أروع هذا التمثال الأبيض ، فتعاندا واستمرا متعاندين إلى أن تقاتلا ،ولا نعلم من قتل من ، لكننا علمنا بعد انجلاء المعركة أنهما تقاتلا على شيْ له وجهين ، وجه ابيض وآخر اسود .
وهكذا حال السياسة الأمريكية ، فما يجري هذه الأيام من تحولات ميدانية بالوضع الأمني والسياسي يثير الشهية لطرح أسئلة كثيرة ،معظمها منطقي ويجد مساحة من المشروعية، أول التساؤلات ،هل أن ما بات يعرف ب (مجالس الصحوة) بالمحافظات الخارجة عن القانون ـ هذا أفضل وصف لها ـ وبالمناطق الواقعة تحت سيطرة القوى السنية المسلحة ومن بينها القاعدة ثمرة نجاح أم بداية نكوص أم تحقيق لأمر واقع يقضي بالاعتراف بشرعية سلطة تلك القوى؟فالأمريكان ليسوا حمقى أو مغفلين ، والسياسة عندهم فن له معاهد أبحاث ودراسات على أعلى مستويات المعرفة ، والقرار عندهم يصنع بسلسلة طويلة من مراكزه ، حتى أخطاءهم يتم تصميمها عن عمد لتعطي ثمارا ، وهم براغماتيون بامتياز ، ثم أنهم متحالفين مع الإنكليز الذين يحسبون تفاصيل أي عمل يقدمون عليه ، حتى الشاي يشربه الإنكليزي بالساعة الرابعة عصرا بالضبط، وتحول أعداد من المقاتلين الذين كانت بنادقهم موجهة إلى الأمريكان والقوات العراقية عن قتالهم لابد أن يكون قد خضع لتخطيط مسبق ، والمعطيات التي بين أيدينا تطرح مخاوفنا وتساؤلات تدور في أذهان المتابعين ، فأولا ؛أن القاعدة التي كانت وراء أحداث سبتمبر 2000الشهيرة والتي غيرت وجه العالم ، صناعة أمريكية 100%بأدوات إسلامية و بفكر وأموال سعودية ، انتقلت لاحقا لقتال الأمريكان لاختلاف الممكنات، والجهات التي تتظاهر اليوم بأنها تقاتل الأمريكان هنا بالعراق هي التي احتضنت القاعدة ووفرت لها المجال الحيوي للعمل.
وثانيا أن الأمريكان يسعون منذ للحظة التي ظهرت فيها نتائج الانتخابات العراقية مخالفة لتوقعاتهم أو لتخطيطهم للالتفاف على هذه النتائج وتدميرها وتحجيم الشيعة أما استجابة للضغوطات الرسمية العربية ،أو انسياقا مع منهج حلفائهم الإنكليز بالإتكاء على الأقليات في البلدان المحتلة ،وهو نهج قديم كان قد سلكه كل المحتلين عبر التاريخ ومنذ الإسكندر المقدوني، لأن الأقليات تحتاج أليهم وهم يحتاجون إليها إزاء الأكثرية التي لا تكترث عادة للأجنبي أو المحتل لأنها بغنى عنهم ، أن الشيعة ليسوا ضمن المجال الحيوي للأمريكان لأن الصهيونية العالمية والتحالف الأمريكي البريطاني يعملون باتجاه واحد ، وهدف كبير بالنسبة لهم وهو جعل وجود إسرائيل حقيقة ثابتة ليست فقط مقبولة من المحيط العربي ، بل تجعل هذا المحيط بحاجة دائمة إلى وجود إسرائيل ، وبهذا الاتجاه استطاع التحالف المذكور صناعة وهم بعدو للأمة العربية غير إسرائيل ، فكان أن نجح في زرع وهما لخوف من البعبع الإيراني وخاصة بعد اندلاع الثورة الإسلامية في إيران وفلاحها،وإمعانا بهذا الإيهام وزيادة في تعقيد الحالة صور الشيعة على أنهم حلفاء طبيعيين للبعبع الإيراني أن لم يكونوا هم البعبع ذاته، وارتاح العرب لهذا السيناريو الجديد للعدو الإستراتيجي ، فهولا يرفع الحرج عنهم أمام شعوبهم التي تطالبهم بموقف تأريخي من إسرائيل ووجودها حسب، بل ويجعل الحكام في موقع مطالبة الشعوب بالاستعداد الدائم للعدو القديم الذي يخرجون ورقة عداءه كلما تطلب الأمر ذلك، وهكذا فإن إسرائيل والأنظمة العربية تقف اليوم في جبهة واحدة ضد إيران والشيعة سواء في موضوع الملف النووي الإيراني أو موضوع لبنان وحزب الله فيه وشكل نظام الحكم في العراق اليوم.ورابعا أن القوى التي أوقفت قتالها للأمريكان والقوات العراقية واتجهت لقتال القاعدة وتشكيلاتها بدعم لوجستي أمريكي وبتمويل وإسناد ومباركة رسمية عراقية ،ستستطيع في النهاية من تفكيك بنى القاعدة وامتصاصها أو على الأقل تحييدها أو تحجيمها على الأرض، كما في الحالة الأفغانية ، وسيكون من حقها الذي لا تلام عليه أبدا أن تدخل العملية السياسية لأن للدماء ثمن ، وسنكون إزاء مشكل جديد، فالقوى التي تدعي تمثيل السنة حاليا بالبرلمان والحكومة والتي دخلت العملية السياسية تحت هذا العنوان وليس غيره لن تتخلى عن مواقعها للقوى المنتصرة بالميدان والتي تطالب باستحقاقها، وهو استحقاق مشروع ومدعم بالقوة التي تمتلكها، وإذا كان من الممكن حل المعضلة وبعضا من جوانبها على صعيد المشاركة بالحكومة أو في الحكومات المحلية والمناصب الرسمية التي أمرها بيد رئيس الوزراء لوجود المجال الدستوري ، فانه ليس أمامنا من حل إلا بإجراء انتخابات مبكرة لمجلس النواب سيكون من نتيجتها (خلطة) جديدة للأوراق ليست في صالحنا حتما ، وربما هذا هو المطلوب عربيا وأمريكيا.
https://telegram.me/buratha