( بقلم : الدكتور جمال العلي )
الاحداث الاجرامية الدموية البشعة التي يشهدها العراق اليوم شيء لم يشهده التاريخ البشري المعاصر حتى اذا ما عدنا لقرون خلت ... فقتل بالجملة وأراقة الدماء كالانهار وأنتهاك الحرمات و التلاعب بالمقدسات كلعب الكرة و توخي أساليب وحشية جديدة وفريدة من نوعها لم يتوصل اليها حتى أعتى عتاة الفكر الاجرامي ، كل ذلك في ظل سكوت وصمت عربي واسلامي وعالمي مطبق ولا يتحرك فيه ضمير احد اتجاهه قيد أنملة وليست هناك مساعي لايقاف هذا العدوان على شعب أعزل ومظلوم لا على المستوى الاقليمي ولا الدولي وربما لا على المستوى الداخل العراقي في بعض الاحيان .
فالحكومة العراقية المنتخبة ووزارة الدفاع والداخلية والامن والقوات المسلحة كلها تعرف جيدا عناوين الارهابيين والمجرمين وأوكارهم ومن يدعمهم ويسلحهم ويمدهم بالمال ويوفر لهم الحماية لاجرامهم ، وهذه المؤسسات تهددهم بين الحين والاخر بالافصاح عنهم أو عن خفاياهم ولكنها تحجم عن ذلك وحتى عن مهاجمتهم مجاملة منها لعلاوي وللدليمي او المشهداني والهاشمي والضاري وغيرهم من عتاة البعث الاجرامي السابق من أمثال عبد الغفور السامرائي والدايني ... فرئيس الوزراء نوري المالكي يعرف جيدا بان لاحد نوابه ملف بخطف مائة وخمسين مواطنا ولكنه ليس لم يجرده من الحصانة بل حتى لم يجره للتحقيق في هكذا جريمة خطيرة تخص امن المواطنين !!.كما ان كل الجهات الامنية والعسكرية المعنية بحفظ واستقرار الامن في العراق ومكافحة الارهاب تعرف جيدا بأن هناك تواطؤا بين الارهابيين والاحتلال وماهية منافذ التماس والاتصالات القائمة بينهما وان الاحتلال ينشط بين الحين والاخر بأطلاق سراح الارهابيين الذين يتم اعتقالهم على يد القوات العراقية المسلحة والامنية مستخدما بذلك عملاءه واياديه في الاجهزة الحكومية المكشوفة أوراقهم والمعروفة صلاتهم وأرتباطاتهم بالاحتلال وما عملية اطلاق سراح "منفذي جريمة التفجير الأول لمرقد الامامين العسكريين (ع) في مدينة سامراء والذي حصل في 22/6/2006 " والذي أفصح عنه ممثل المرجعية الدينية العليا السيد أحمد الصافي يوم الجمعة الماضية إلا إنموذج لهذه الاساليب التي تقف الحكومة وأجهزتها عليه كل الوقوف .فتراجع رئيس الوزراء العراقي عن اعتراضه بخصوص قيام سلطات الاحتلال بتسليح المجموعات السنية المشبوهة والتي تضم الكثير من أنصار وأتباع وأعضاء حزب البعث الدموي البائد ، يوم الجمعة بأصدار بيان أعتذار أكد مكتب المالكي فيه على" ان السيد رئيس الوزراء كان المبادر في اتباع سياسة دعم العشائر العراقية في كافة المدن والمناطق ولاسيما تلك التي تشهد نشاطا للارهابيين والخارجين على القانون و......" في وقت يعترف فيه وفي البيان ذاته بأن هذا العمل سيمهد الطريق لفلتان الامن والاستقرار في العراق ويمهد ارضية نمو الارهاب والارهابيين حيث يقول " ان الحكومة تخشى الفوضى وعدم الانضباط وظهور مليشيا جديدة... وان يطرح هذا المشروع في اطار عشائر سنية في مقابل عشائر شيعية وغير ذلك من عناوين تسيء الى وحدة الصف العراقي " لهو أمر بالغ الدهشة والاستغراب ! .خاصة وأن السيد نوري المالكي ومن حوله يعرفون جيدا أنهم غير مرغوب بهم من جانب الاحتلال ودول الجوار العربي رغم وصولهم الى السلطة عبر عملية ديمقراطية حرة نزيهة يشهد لها التاريخ والمجتمع البشري برمته ، كما انهم يعرفون جيدا ان هناك تحركا اقليميا عربيا واحتلاليا لتدبير انقلاب ضدهم والاطاحة بهم والاتيان بالعوامل الخيانية التي حكمت العراق لعقود متمادية ضمانة منهم لمصلحة الاحتلال في البقاء في المنطقة وتمهيد الارضية لاستمراره وحلفائه في نهب ثروات الشعوب المستضعفة فيها .وافصاح المالكي قبل ايام عن وجود مثل هذه المحاولات الخيانية الخبيثة داخليا واقليميا وعربيا دليل على وقوفه على خطورة الامور حيث يقول" لقد قامت القوات الامنية العراقية باحباط محاولة انقلابية ضد الحكومة واعتقال عدد من الاشخاص ممن لديه ارتباط باجهزة المخابرات العربية والاجنبية في العراق حيث يتلقى هؤلاء اموالا من اجهزة المخابرات المعنية وهم يزاولون نشاطاتهم داخل المؤسسات الحكومية لصالح تلك الاجهزة " ليؤكد لنا وقوفه ومساعديه واعضاء حكومته على الخطر الكبير الذي يحيط بالعراق والعراقيين من كل ناحية وصوب لكنه يمتنع في الافصاح عن المعتقلين والجهات التي تدعمهم وهو أمر غريب حقا .
كما أن رئيس الوزراء نوري المالكي قد أفصح قبل فترة لوكالة انباء ال “اسوشيتدبرس” الاميركية عن قيام مسؤولين امريكيين وعراقييون ومنذ شهر يناير/ كانون الثاني الماضي بالعمل على اعداد قوائم بأسماء سياسيين ونواب في البرلمان ومسؤولين في الحكومة متورطين في اعمال العنف الطائفي، "وان قوائم السياسيين والنواب والمسؤولين المطلوب اعتقالهم مستندة على ادلة قاطعة بشأن صلة كل معتقل مفترض بالجماعات والميليشيات المسلحة"... مضيفا "ان القضاء سيتولى حسب الاصول التحقيق مع هؤلاء الاشخاص لتوجيه الاتهام اليهم من عدمه" ، فهل ياترى ان الامر لم ينته بعد أم ان هذا سيكون مصيره كالموضوع السابق يحتويه التسامح والتساهل ايضا اكراما لهذه الجهة أو تلك ؟
كما ان الصحافة العربية كانت قد كشفت ايضا عن انعقاد اجتماع سري في القاهرة قبل ثلاثة اسابيع حضره اياد علاوي ومندوبون عن اجهزة الامن المصرية والاردنية والسعودية والاماراتية والتركية بالاضافة الى ممثلين عن الفصائل والجماعات المتشددة المعارضة للحكومة العراقية الى جانب مبعوث أميركي تداولوا فيه بخصوص سبل الاطاحة بحكومة المالكي حيث تم التوصل الى اتفاق في هذا الشأن أعربت فيه كل من الامارات والاردن والسعودية دعمها للاتفاق المذكور والذي تزامن مع الكشف عن اجتماع "جون نيغروبونتي" المسؤول الاميركي في البيت الابيض والمخطط للانقلابات العسكرية في العراق مع زعماء الجماعات المتطرفة السنية المسلحة العراقية .وبعد كل ذلك على من تعول الحكومة العراقية في التعتيم على الدور المشين للدول العربية والاجنبية وكذلك الداخل المنافق والمشاغب والخياني في اضطراب الشارع العراقي واستهداف الحجم الهائل من ابنائه بعملياتهم الارهابية خاصة وان الوضع اضحى لايطاق وأصوات الشارع العراقي بدأت تتصاعد في الزام الحكومة بالضرب بقبضة حديدية لهؤلاء وانهاء العنف الدموي الطائش والمتنامي والذي يراد منه شق الصف العراقي عبر حرب طائفية تلتهم بنيرانها العراق والمنطقة برمتها .
ومع ان البرلمان العراقي هو الآخر يقف ايضا على مايدور في العراق من دسائس ومخططات جهنمية ضد ابناء العراق الغيارى والنبلاء نراهم هم الاخرون يلتزمون الصمت حيال ما يدور فهاهو علي الأديب النائب عن كتلة الائتلاف العراقي يقول في حديث له مع "راديوسوا" بتاريخ 20 يونيو/حزيران الجاري " ان الكشف عن من ذكرهم رئيس الوزراء نوري المالكي بأن لهم اتصلات بمخابرات عربية هي رغبة البرلمان العراقي ايضا " لكنه هو الاخر برر الكتمان الحالي بقوله " لو لم ترتدع هذه الانظمة العربية عن الاستمرار في التآمر فلا بد من كشف كل الاوراق"!.
ومع اعتراف نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي بالمسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق الحكومة بتصعيد العنف والصمت ازاءه عندما قدم اعتذاره يوم الجمعة وقبيل خطبتي صلاة الجمعة في جامع الخلاني ببغداد والذي شهد قبل ذلك بثلاثة ايام عملية اعتداء ارهابيا راح ضحيته العشرات من العراقيين الابرياء ، حيث قال " لاينبغي أن نضع اللوم دائما على عاتق الاخرين بشأن مثل هذه الممارسات ونحملهم المسؤولية ... الجميع في الحكومة مقصرون من رئيس الجمهورية ونائبيه ورئيس الوزراء ومساعديه والوزراء والمسؤولون العسكرية والامنيون في العراق يتحملون المسؤولية ايضا" لم يبق هناك اي مبرر بعد لكل هذا الكتمان وهنا لابد أن تجيب الحكومة العراقية على هذا السؤال الكبير الذي يدور في أذهان العراقيين جميعا ويطرح نفسه متحريا عن أسباب كل هذه المجاملة والتسامح من قبل الحكومة مع الارهاب والارهابيين ؟(24/6/2007) .
الدكتور جمال العلي
https://telegram.me/buratha