( بقلم : د. حامد العطية )
بقدر ما يحلو للسنة الطائفيين تسميتنا نحن الشيعة بالرافضة يمقت الشيعة هذه التسمية، وكلما رددها أحد الجهال سارعنا إلى الدفاع عن مذهبنا ومواقفنا وتنقية سمعة طائفتنا مما يلصقون بها من نعوت وتهم باطلة، وأشد ما يغيظني أولئك الذين لاهم لهم سوى اقناع الطرف الآخر بأننا مسلمون أيضاً، وكأننا نحتاج إلى شهادة بذلك من رئيس الأزهر المعين من وزير الأوقاف المصري، أو هيئة علماء الوهابية الإرهابية التابعة لحكام آل سعود الفاسقين، وبالطبع لا يكتمل دفاعنا المستميت عن صحة إسلامنا بدون الاستشهاد بفتوى المرحوم شيخ الأزهر الأسبق شلتوت، الذي يقال بأنها سياسية بحتة ومن وحي الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وقد بلغ بنا التهافت على استجداء موافقة السنة على مذهبنا وقبولهم بحقنا في الحياة استعداد البعض منا للتسامح عن أنهار الدماء الشيعية المسفوحة عبر قارات الجغرافية وقرون التاريخ من الجور والاضطهاد والحرمان من أبسط الحقوق، هل هي مظهر من مظاهر عقدة المضطهد (بفتح الهاء) التي تدفعه إلى التذلل أمام الظالم المتسلط رغم آلامه وعذابه كما فعل الكثير من اليهود تجاه النازيين في معسكرات الاعتقال والإبادة الجماعية لليهود؟ أم هي مجرد جبن وتخاذل الضعيف أو المستضعف أمام القوي؟أخمن بأن تكون نظرتنا وتعاملنا مع السنة محكومة بمزيج من العقد النفسية والخوف والتذلل وكراهية النفس، وتتمثل هذه الظاهرة بأقوى وأوضح صورها في علاقة الشيعة العرب بالسنة، ونلاحظ انخفاض درجة حدتها كلما ابتعدنا عن الأرض العربية، وينعكس ذلك جلياً في رد فعل الشيعة تجاه عدوان السنة، فالشيعي العراقي أكثر استعداداً للتغاضي عن عدوان وإساءة السنة، لا حفاظاً على الأخوة الإسلامية كما يردد البعض تمويهاً على الحقيقة والواقع، بل لتأصل شعوره بالدونية تجاه السنة المتسلطين، وتوقع الكثيرون أن يكون رد فعل الشيعة على تدنيس وتدمير مرقدي الإمامين العسكريين مرتين قوياً ومدمراً، لكنه جاء وعلى عكس التوقعات فاتراً ولا يتناسب أبداً مع الحماسة الشيعية الظاهرية لأئمة أهل البيت عليهم السلام وتردادهم للشعارات الحماسية: يا ليتنا كنا معكم وهيهات منا الذلة... بالمقابل يلاحظ بأن شيعة الباكستان لا يصبرون على الظلم على الرغم من قلتهم وقسوة وضراوة أعدائهم من السنة الطائفيين، فما أن يسقط لهم شهيد حتى يتناخون للإنتقام من القتلة ومن يقف ورائهم، ولا ينقضي وقت طويل حتى يردون الحجر بالحجر، لذا يحسب لهم أعداء الشيعة ألف حساب.
هل نحن روافض؟ الجواب الذي يجب أن ينطق به لسان كل شيعي هو نعم ونحن فخورون بذلك، وهل يعاب على إمرء رفضه لفكر ما وأصحابه لأسباب يراها جوهرية وموضوعية؟ يسموننا الروافض لأننا رفضنا خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ولم نسلم بفرضية عدول الصحابة بصورة عامة، وهذه حقيقة لا مجال لإنكارها، ويروج السنة وبعض الشيعة بأن سبب الرفض هو خلاف سياسي محظ، يتمحور حول من هو الأحق بخلافة الرسول الأعظم، فبينما قال البعض بأحقية أبي بكر لأسباب معروفة يرى الشيعة بأن خلافة علي بن أبي طالب عليه السلام مستندة إلى أحاديث نبوية صحيحة إضافة إلى كونه أفضل الناس ديناً وعلماً وعملاً بعد الرسول، وهو ليس السيب الوحيد لموقفنا الرافض بل واحد من عدة اختلافات عقائدية، وفي جوهره ليس تعصباً للإمام علي عليه السلام لكونه من أهل بيت الرسول كما يدعي أعداء الشيعة، بل لأن عدم استخلافه بعد الرسول حرم المسلمين من الاستفادة من علمه وحكمته في قيادتهم على المحجة البيضاء، فهو إمام المسلمين المختار بالأمر الآلهي سواء كان خليفة أم واحداً من الرعية، وقد بين الإمام موقفه من الخلافة موضحاً بأن لها جانبان: الأول هو الإمرة على المسلمين والثاني تحصيل المنافع لهم، فبينما استهان بالإمارة التي اعتبرها أقل قيمة في نظره من إصلاح شسع نعاله أكد على أن هدفه الأول والأخير قيادة المسلمين إلى ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، والتباين الرئيس الثاني بيننا نحن الشيعة الروافض والآخرين رفضنا الخروج على النص، فبينما وضع البعض النصوص الواضحة والصريحة جانباً واستبدلوها بأحكامهم واجتهاداتهم الشخصية التزمنا بالنص الآلهي والرسولي إلتزاماً ثابتاً مطبقين بذلك مبدأ لا اجتهاد مع النص، وأبرز مثال على ذلك استبدال الخليفة عمر بن الخطاب لحكم الله ورسوله في الطلاق، إذ نص القرآن الكريم على أن الطلاق ثلاث مرات، وهكذا كانت سنة الرسول الأعظم، فلما استلم عمر الخلافة تجاوز الحكم الرباني والتطبيق الرسولي وقضى بأن لو طلق المسلم زوجته ثلاثاً بلفظ واحد كان الطلاق بائناً لا رجعة فيه وتحرم عليه إلا إذا تزوجت بزوج غيره ومن ثم فارقها بموت أو طلاق، وهذا خروج واضح على النص، ولعل أقوى دليل على التزامنا بالنص وخروج الخليفة عمر عليه شهادة إبن تيمية، وهو أشد الناس كرهاً للشيعة، فقد اعترف في كتاباته بأن حكم الطلاق لدى الشيعة هو السنة الصحيحة للرسول الأعظم، وما اتى به وطبقه عمر بن الخطاب ومن بعده كل المذاهب السنية اجتهاد خاطيء مخالف للسنة، فالواضح هنا بأن الشيعة ملتزمون بالنص القرآني والسنة النبوية والآخرون مخالفون لهما، والاختلاف الرئيس الثالث في نظري يتمحور حول تفسير الأمر القرآني بطاعة أولياء أمر المسلمين، فبينما أصر الشيعة على مبدأ الجدارة في اختيار الحاكم وأن تكون طاعته مشروطة ومتوقفة على عدله والتزامه بالأحكام الإسلامية أجاز السنة تولية المفضول بوجود الأفضل، وقالوا بوجوب طاعة ولي الأمر ولو وثب على الحكم بالسيف وكان ظالماً وقاهراً لعباد الله ومخالفاً لشريعة الإسلام مادام لا يهدم المساجد ولا يمنع عبادة الله، وحرموا الخروج عليه درءً للفتنة.
لقد ذبحوا الملايين منا عبر العصور لأننا روافض، أي لأننا اختلفنا معهم حول فهم وتطبيق عقائد وأحكام الدين الإسلامي، وأي ملة تبيح للأنسان قتل من يخالفه الرأي هي ملة همجية، ولقد اتسع صدر الدين الإسلامي للنصارى واليهود والصابئة وحتى عبدة النار فلم ضاقت صدورهم بالشيعة؟ وكل ظني بأننا لو قبلنا باستئثارهم الحكم لغضوا النظر عن كل الاختلافات الأخرى مهما عظمت واتسعت.
بصراحة أقول لولا هذه المواقف المبدئية التي تتميز بها طائفتي الشيعة لنبذت التشيع، لذا فأنا وعلى عكس أخواني الشيعة لا اغتاظ لدى سماع الآخرين يلصقون بي وبطائفتي صفة الرفض، بل أنا أفرح بهذه التسمية وأفتخر بها، وبوسعي أن اقف على أعلى منبر في العراق وغيره لأعلن منه على الملأ بأني رفضي إبن رفضي ومن أصل رفضي، وجماعتي هم الرافضة الكرام الأمجاد، فلا شيء يعيب الشيعة الروافض، ولست بحاجة لشهادة على صحة إسلامي من الذين لا يجدون ما يرمون به الشيعة سوى اتهامهم بالشرك بسبب بعض طقوس زيارة الأئمة عليهم السلام، ويموهون بذلك على الاختلافات الجذرية والمبدئية بيننا وبينهم، ولا يضيرني ما يسترزق به أدعياء التشيع مثل حسن العلوي ( وياليته يصحح اسمه إلى العمري) من تدليس على العقيدة الشيعية وانتقاص لأهلها.. كنا وسنبقى رافضين لأننا لن نتخلى عن مواقفنا المبدئية، ولن نفرط بها قيد أنملة في سبيل تقارب أو وحدة، فالذي يريد الوحدة والتقارب عليه أن يعود إلى الأصول العقائدية الإسلامية التي انحرف عنها وفرط بها، والتي ثبتنا عليها وتمسكنا بها ونمارسها نحن أتباع أهل البيت، وبعد ألم يحن الوقت لنرفع رؤوسنا عالياً ونصرخ بوجوه أعدائنا وكارهينا: نعم نحن الروافض وأي ضير في ذلك؟
https://telegram.me/buratha