( بقلم : د. حامد العطية )
معذرة يا سادتي لانقطاعنا عن زيارتكم، في السنة الماضية حاصرنا الزمهرير في البيوت، واليوم تمنعنا حمارة القيض عن الحركة، وبيننا وبينكم أنهار، وأهون علينا المشي شهور من عبور نهر واحد، خاصة وأن قطاع الطرق وغيرهم من الأعداء قد هدموا الجسور والقناطر وخرقوا الزوارق، ونحن كما تعرفوننا جيداً مستضعفون لانجد ما نستعين به عليهم سوى الدعاء، وكانوا من قبل يقتلون أبنائنا في الحروب العبثية والمقابر الجماعية والسجون ويستحيون نسائنا للخدمة في البيوت والإدارات البيروقراطية والحقول، والفضل للعناية الآلهية التي أنقذتنا من آل فرعون العصر وفلقت بحر الظلم ببركة ودعاء أولياءه لتعبر بنا إلى بر النجاة، والحمد لله الذي أهلك الطاغية الفرعوني، من دون أن نحرك ساكناً،لأننا تعودنا على الهدوء وضبط النفس وكتم الأنفاس تأسياً بأصحاب الكهف، والذي أهلك فرعون هذا الزمان قادر سبحانه وتعالى على قطع دابر كل أعدائنا، وما علينا سوى الدعاء والانتظار، ولو ألف سنة أخرى مما نعد فهي لا تساوي أكثر من يوم واحد عند الله، وما الألف وأربعمائة سنة الماضية من القهر والعذاب سوى يوم ونهار.لقد صنع السامري القادم من وراء البحار من ذهبنا الأسود عجلاً، وافتتن به الكثيرون من أهلنا، وصاروا يتنافسون على استرضاء السامري بالتعبد في محراب شركاته النفطية المقدسة والتقرب من خدام سدنتها من البدو، وقد نسى هؤلاء بأن خوار العجل هواء نتن يدخل من دبره ويخرج من فمه، ولو قتلوا انفسهم لكان خيراً لهم عند بارئهم من عبادتهم العجل النفطي، وها أنتم ترون يا سادتي بأننا محاصرون تماماً، ما بين فتنة السامري المضللة وبقية الفراعنة من السامرائيين وأشباههم الذين يريدون أن نعود في ملتهم لنعبد فرعوناً جديداً، وهم كدأب أسلافهم الفرعونيين يقتلون أبنائنا ويهتكون أعراضنا.
نحن لا نريد أن نرى الله جهرة، ولو أمرنا سبحانه وتعالى بذبح بقرة فلن نسأله ماهي ولا ما لونها، وحتى لا تتشابه البقر علينا سنذبح كل قطعاننا من البقر والغنم، ولن يكفينا انبجاس إثنتى عشرة عيناً لأن أقوامنا وقبائلنا وأحزابنا وحركاتنا تعد بالألاف، ولكننا نتوسل إلى الله بحقكم أن يمن علينا بنهرين آخرين حتى يكون لكل طائفة نهران خاصان بها، ونعاهد الله بأننا لن نطعمهما ولن نغترف منهما ولا حتى غرفة بأيدينا لأننا تعودنا على المياه النقية المعبئة في القناني بعد أن سأمنا وسقمنا من شرب مياه الأنهر الممزوجة بدماء جثث أخواننا مقطوعة الرؤوس، ولكننا بحاجة لطعام واحد، وسنصبر عليه ولو كان دخناً، ولن ندعوا لأن يخرج لنا ربكم مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها، لأننا لا نميز بين الذين هو أدنى والذي هو خير، ولا نريد أن نهبط مصراً فقد امتلأت كل أمصار الدنيا في شرقها وغربها وشمالها وجنوبها بالملايين منا، وهم كدأب ياجوج وماجوج من كل حدب ينسلون.
نكتب لكم من جوار باب الحوائج وورثة قاتله هارون العباسي يحيطون بنا من كل صوب، لنتوسل بحقكم وشفاعتكم إلى الله ليغفرلنا تقصيرنا في حقكم، ونحن أول من يقر بذلك، فبعد أن أمدنا الله ببركة دعائكم بأموال وبنين وجعلنا أكثر نفيراً كان واجباً علينا أن ندخل الأرض التي كتب الله لنا ولكننا تعذرنا بأن فيها قوماً جبارين، ولن ندخلها حتى يخرجوا منها، وقلنا اذهبا أنتما وربكما فقاتلا إنا ههنا قاعدون، لذا كتبت علينا الذلة والمسكنة، وأشد من نخشاه أن يعذبنا الله بالتيه أربعين سنة أخرى بعد حوالي أربعين سنة من التيه البعثي، وإن كان لا مرد لقضائه فأملنا أن يظللنا بالغمام لأن أشعة شمس هذا الزمان مهلكة وسنحتاج إلى كميات كبيرة جداً من المن والسلوى، وفي الختام السلام على الإمامين العسكريين المدفونين في القرية التي لا تسر غير الكفار والنواصب.
https://telegram.me/buratha