بقلم : الدكتور عادل عبد المهدي
بسم الله الرحمن الرحيممقدمة
لم يقل، الا من لا يعرف امور البلاد، ان العراق سيمر بظروف سهلة مريحة، فيما لو سقط النظام السابق. بل كتب الكثيرون واشار العديد من القادة الى ان مهمة التغيير مهما كانت صعبة وقاسية الا ان مهمة الاصلاح ستكون اعقد واصعب بكثير.. وهذا امر طبيعي لكل من عرف الخراب والدمار الذي حل بالعراق خلال العقود الاخيرة.. استبداد وفساد وحروب داخلية مستمرة وثلاثة حروب اقليمية كبرى وتدويل القضية العراقية وعقوبات وحصار.. ليأتي التغيير، ويضع البلاد تحت الاحتلال. ولترتكب اخطاء خطيرة، اضيفت الى الاخطاء التي ارتكبها العراقيون انفسهم. لتضاف كلها الى الحرب الشرسة التي شنها الارهابيون والتكفيريون والصداميون والتي استهدفت المجتمع العراقي وما تبقى من بناه ومؤسساته. و لتعطل مسيرة الاصلاح والعملية السياسية وكل ما من شأنه الانتقال من هذه الاوضاع المأساوية الى اوضاع الخلاص التي ينشدها الشعب العراقي..
رغم هذه الظروف استطاع الشعب العراقي بصموده وتضحياته و بدعم حشد عظيم من الدول الصديقة ان يشمر عن ساعديه وان يحدد اولوياته التي شخصها باستعادة سيادته، وانتخابه ممثليه الذين يخولهم الكلام باسمه وباهمية ان يكون للعراق دستور دائم يتفق عليه العراقيون، كل العراقيين. وفعلاً تقدمت العملية السياسية بنجاح اثار اعجاب العالم وقامت حكومة الوحدة الوطنية والتئم في مجلس النواب العراقي كل تلك القوى الكبيرة والمهمة التي تمثل الشعب العراقي بكل مكوناته. وتطورت اجهزة الامن والجيش العراقي. وحسمت الكثير من القضايا التي كانت كالحلم قبل سنوات قليلة.. تحقق كل ذلك، وهو عظيم وعظيم جداً. وهذا امر يجب ان نفتخر به جميعاً.. لكننا ما زلنا نشعر بان البلاد لم تنطلق حقيقة وان مخاطر جمة ما زالت تحيط بها.. ورؤيتنا ان السبب الرئيس لذلك هو ان طريق الاصلاح الاقتصادي وتوفير الخدمات ما زال معطلاً. وان احد الاسباب الاساسية لذلك بالتأكيد هو الارهاب والتخريب.. لكننا فضلنا في هذه الورقة عدم الاكتفاء بذلك بل سعينا للتشديد بان سبب التعطيل لم يكن هذا العامل فقط، بل ان الاصلاح وتوفير الخدمات كان يمكن ان يحقق تقدماً اهم بكثير مما تحقق، ان تحقق شيء يذكر يلائم الاموال العظيمة التي صرفت والجهود الهائلة التي بذلت.. فالعملية السياسية قد تقدمت وسط الارهاب والتخريب، بل كانت احدى الوسائل لمواجهته.. وكان يمكن للاصلاح الاقتصادي وتوفير الخدمات ان يتقدما ايضاً ليس فقط بما يحقق مصلحة الشعب ويعطي للتغيير معانية ومراميه الحقيقية، ولكن ليطلق ايضاً الزخم الهائل الذي يمكن للمناطق والمحافظات الامنة والمستقرة ولسكانها ان تطلقه خصوصاً امنياً وسياسياً واقتصادياً، لتشكل احدى اهم الوسائل للخروج من الاوضاع الخانقة ولتحصين البلاد ضد كل المخاطر التي يمكن ان تهددها. لهذه العوامل وغيرها كانت هذه الورقة. ورقة سريعة مباشرة لم تشأ التأجيل منعاً من خسارة الوقت وخسارة بركة وفضيلة هذا الشهر الكريم، معتمدة مبدأ "ان اللبيب من الاشارة يفهم"، علماً ان كل الاشارات والمفاهيم المشار اليها في الورقة لها ارقام وشواهد تفصيلية نعتقد انها تعزز ما ذهبنا اليه من تشخيص ورؤية ومعالجة، وهو ما ستدرجه الدراسة التفصيلية التي تعتبر هذه الورقة مقدمة لها. واننا على ثقة بالوعي والشعور بالمسؤولية اللذان يتمتع بهما اخواننا الذين سيرفدون هذه الرؤى بالنقد والتصويب والتطوير لما فيه مصلحة العراق والعراقيين.
المدخل
من الضروري الاتفاق اولاً بين جميع اصحاب القرار والقوى الفاعلة واهمهم مجلس النواب وكتله الكبرى والدولة والاقاليم والمحافظات وقواها الفاعلة وقوى الاجتماع المختلفة بان الطبيعي وما تحتاجه البلاد هو سياسة الانطلاق والعمران وصرف الاموال في مشاريع خدمية وانتاجية.. فالاهم في السياسة الاقتصادية لاي بلد وامة هو كيفية مضاعفة القيم المضافة ومراكمة المكاسب والمرابح وبناء البنى التحتية التي تسمح بهذا كله وتطوره. من الضروري الاتفاق بازالة كل ما من شأنه اعاقة ذلك. فخسارة الربح وتعطيل الة الانتاج عن الدوران هو الفساد الاكبر والخسارة العظمى التي لن تعوضها لا ملاحقة الاخطاء ولا التجاوزات الصغرى.. تبدأ العملية اساساً بالانطلاق وان انظمة الصرف والرقابة والحماية والتقنين واصول التعاقد والنزاهة وغيرها هي حمايات يجب ان تسير بالخط الطولي لعملية الانطلاق وليس بالخط العرضي كما يحصل في اغلب الاحيان حالياً. فتتعرض البلاد والاصول الى اعمال تآكل ليس فقط بسبب استشراء الفساد والسرقة وحواسم الدولة، بل اساساً بسبب تأخر وتراجع بل احياناً توقف دولاب الانتاج وتوليد القيم عن العمل وهذه هي الكارثة الاعظم. لا يوجد شيء نحميه ونحاسبه وننظم قواعده ونراقب نزاهته ان لم تنطلق العملية اصلاً.. فانظمة الرقابة والكبح تأتي وتجرب فاعليتها فعلاً بعد الانطلاق.. انها لا تأتي بعدها فقط بل تأخذ بحسبانها ايضاً ان الانطلاق هو عملية تصاعدية متراكمة ودورات متلاحقة وان كل دورة يجب ان تعطي محلها لدورة ارقى من انتاج المزيد من الفوائض والقيم المضافة والارباج. وان كل شيء من قوانين واجراءات وضوابط يجب ان تحترم خدمة هذا الهدف في مراميه القريبة والبعيدة، الجزئية والشاملة، لا البقاء عند الدوائر المحدودة او الاهداف القصيرة.
لذلك يجب ازاحة الكوابح بوضعها في مكانها الصحيح اولاً، ثم تشخيص سياسات الانطلاق ثانياً وتشخيص ادوات التنفيذ وبعض السياسات المحفزة للخروج من دائرة الانحباس المغلقة.
اولاً:عوامل الحجز والكبح
1- في القوانين والتعليمات والاجراءات: وذلك بتذليل العراقيل القانونية اما بسبب وجود زحمة من القوانين والتعليمات او على العكس لعدم وجود القانون المطلوب مما يترك الامر لاجتهادات مختلفة ومتغيرة.
أ- غموض القوانين والتعليمات مما يجعل التصرفات اعتباطية متضادة متناقضة في احيان كثيرة.
ب- كثرة اللجان في مجلس الوزراء والوزارات واتخاذ الكثير من القرارات كردود افعال وليس كسياسات مدروسة تعالج المشاكل الجزئية في اطار الحلول العامة.
ج- لجان مجلس النواب وعدم معالجة القوانين الكثيرة التي تراكمت خلال عمر الدولة العراقية خصوصاً تلك المتضاربة، او غياب عدد من التشريعات الضرورية
د- الاطمئنان الى سرعة وحسن عمل مجلس الرئاسة وان لا يصبح معرقلاً للجهود والقرارات عندما يتعلق باختصاصاته التشريعية او التنفيذية. فالدور الذي حدده الدستور لمجلس الرئاسة، لا يعني اطلاقاً البقاء في حدود الاجتهادات الشخصية في عمل وقرارات الحكومة ومجلس النواب بل يحمل الاعضاء منفردين ومجتمعين المسؤولية في التعبير عن الوعي الجمعي التمثيلي والتوافقي الذي كلفوا به.
2- توفير الامن الوظيفي وروح المسؤولية.. فالسلوك السلبي للمسؤول (التلكوء والاحتياط والتردد) يغلب على سلوكه الايجابي (المبادرة والقرار وتحمل المسؤولية). ويعود تنامي هذا السلوك -اضافة الى التربية العامة- الى اعمال التنكيل والملاحقة بعد كل تغيير سياسي او تغيير وزاري عرفه العراق طوال تاريخه الماضي والحاضر .. وهذا يتطلب حماية اصحاب القرار من اعمال الكيد والتشهير الاعلامي والمحاسبة الاعتباطية والغضب الاداري والخصومات السياسية. وان تجري اعمال المحاسبة والمراقبة والنزاهة وفق اصول صحيحة مقبولة تستطيع ان تلاحق المفسدين دون احداث عطل اكبر في تعطيل المصالح العامة.
أ- توفير الحماية الجسدية والمادية والمعنوية للمسؤولين وعوائلهم الذي يتعرضون له من الارهابيين والتكفيريين والمخربين اساساً، ولكن ايضاً من فئات وقوى عديدة مافيوية وسياسية داخل المؤسسة او خارجها.
ب- القرارات المتسرعة وغير العادلة من المراتب الاعلى.. وما تحمله التغييرات الوزارية عادة من تغيرات تهدد الكفاءات وتولد ارتباكات وقلق مستمرين.
ج- ضبط اجراءات هيئة النزاهة سواء في التسرع او في التشهير في الاعلام او في طبيعة الاجراءات وعدم التسرع في كيل الاتهامات الا وفق اجراءات تمر بمرشحات عديدة لضمان ان لا يكون الاذى اكثر من الفائدة.
د- الاجتثاث واهمية التعامل معه بنظرة تشبه النظرة المطلوبة في موضوعة النزاهة، ووفقاً للدستور.
3- ظهر في مناسبات عديدة عدم وجود نقاش جدي يسبق القرارات في مجلس النواب، او في داخل الحكومة، او مجلس الرئاسة.. بل عدم وجود نقاش جدي في مسائل اساسية في دوائر الاجتماع المختلفة او حتى بين اطراف الكتلة الواحدة. وغالباً ما يتخذ بعض المسؤولين او بعض اللجان قراراتهم او يقترحون تعديلاتهم بناء على مشورة غير متعمقة او مستطلعة لمختلف الاراء ويعطلون بذلك سياسات بذل اخرون جهداً طيباً في اعدادها.. والامثلة على ذلك عديدة.. ناهيك عن التفسيرات المختلفة وروحية الظنية والشكوكية الموجودة حتى داخل الكتلة الواحدة بسبب الاوضاع السياسية التي تعطل بدورها الكثير من القرارات والاعمال.
4- في المسؤولية والتوقيع:
أ- منح الصلاحيات الواضحة في التفاوض والتوقيع وتسهيل الاجراءات (ورقة خاصة مرفقة برقم 1). وايجاد ثبات في مستوى وكلاء الوزارة والمدراء العامين ليمثلوا هم العنصر الدائم والفني في عمل الوزارة وليكون الوزير هو الشخص السياسي والاداري الذي لا يؤثر تغيره على ثبات عمل الوزارة وانجازاتها.
ب- تسهيل اعمال الاحالة سواء بالتفاوض مع جهة مختارة او عن طريق المناقصات او غيرها من وسائل تضمن حقوق البلاد وسرعة الانجاز وجودته.
ج- تبسيط اجراءات فتح الاعتمادات
5- انسيابية الدفع سواء للجهات المنفذة الداخلية او الخارجية، اذ غالباً ما تؤدي العراقيل الادارية والاجرائية الى تأخير الدفع مما يولد تلكؤ شديد في اندفاع هؤلاء للتعاقد مع الحكومة.
6- اعتماد سياسة "احسن الموجود" Best available من المقاولين والشركات والعروض عند تنفيذ المشاريع، بدلاً من "التطابق الحرفي"Exact match ،خصوصاً اذا كانت اضرار التأخير اكثر من اضرار السعر المرتفع او نقص بعض الشروط خصوصاً غير الاساسية.
ثانياً: في سياسات الانطلاق والاصلاح
تعريف الدوافع والحقوق:
لقد تراكمت المصادرات والقوانين والتعليمات واحتكار الدولة منذ نهاية الدولة العثمانية وتضاعفت الاجراءات والقرارات بشكل متسارع خصوصاً خلال العقود الاخيرة.. ووضعت الدولة بالتدريج يدها اما على عين الحق او على مقومات عمله... ففي مجال الارض الزراعية صار من الصعب تعريف الملكيات واشكال الاستثمار المختلفة مما شكل تراجعاً مستمراً لهذا القطاع الخطير.. اما في المجالات العقارية والتجارية والصناعية والخدماتية الاخرى فقد امتد احتكار الدولة لتصبح هي المالك الاكبر ولتطرد كل منافسيها ولتحول من بقي منهم الى مجرد وكلاء وحالات تابعة تدور في فلكها. كل ذلك دون الكلام عن الاستيلاء على القطاع الاستخراجي خصوصاً في مجالي النفط والغاز والتي حولتها من ملكية للشعب الى ملكية للدولة ثم للفرد ليستولي ليس على عين الحق فقط ، بل على القسم الاعظم من مجالات عمل القطاع بكل مراحل صناعاته الصاعدة والهابطة.. وليسيطر بالتالي بالكامل على جميع موارد هذا القطاع الضخم.. وليحولها في النهاية من حق في الاعمار وحماية الاجيال القادمة وفرصة لاستخدام هذه الثروة في تطوير البلاد الى جيوش وحروب داخلية وخارجية لم تتوقف.. وفي احسن الاحوال الى صناعات هجينة وابهة فارغة وقصور فيها كل شيء الا السيادة ومصلحة الناس والمجتمع. فالامر خطير وخطير للغاية. فالاستبداد السياسي قد نما مع هذه التطورات. فعندما تهيمن الدولة على الملك والاجتماع فان الاستبداد الشمولي يصبح هو النتيجة الطبيعية الذي لا يبقى في حدود البنى الفوقية فقط، بل يستشري لينال كل مقومات الحياة والاجتماع والسياسة وهي الحالة التي يعيشها العراق اليوم. لكن غياب الدولة او اضعافها يعني الفوضى وان المعادلة الصحيحة التي يجب ان يعمل لها المخلصون هي دولة وحكومة قوية نتاج شعب ومجتمع قويان وليس العكس دولة تستقوي على الشعب والمجتمع وتلغي دورهما .. وحكومة مركزية قوية وفاعلة تتوزع الصلاحيات والمهام مع حكومات محلية فاعلة وقوية فلا تعطل او تلغي الاولى الثانية ولا الثانية الاولى.. من هنا فان السعي لاعادة المياه الى مجاريها الطبيعية بموضعة الدولة الحالية في مكانها الصحيح واستعادة المجتمع والشعب والحكومات المحلية كل لدوره، والذي تقوم عليه هذه الورقة يستهدف من جملة ما يستهدف اصلاح وضع الدولة وتخليصها من البيروقراطية وتحمل مسؤوليات تنآى تحت وطأتها اليوم.
واننا عندما نقول ان الامر خطير وخطير للغاية فاننا لا نقصد التخويف المجرد. فعندما تحصل مثل هذه الحالة فان ذلك سيعني -اول ما يعني- تعطيل نظام الدوافع والمصالح الذي يحرك الارادات الحرة للافراد والجماعات. ستتوقف كل الحوافز والمحركات الفطرية والغرائز الطبيعية التي تحرك النوازع والرغبات والمبادرات والدوافع والارادات والمطامح والاحلام، ولن يتبقى سوى نظام السخرة والعبودية والقسر والخوف. لذلك عندما انهار نظام القمع في العراق فقد انهار معه السوط الظاهر او الخفي الذي يحرك العمل ويبث فيه ولو ذلك القدر الضعيف من الحيوية والنشاط بالمعنى الاقتصادي وليس الانساني بالطبع.
هذا هو وضعنا اليوم فاما ان نعيد القمع والاستبداد لنحرك من جديد اداة الاستبداد والدولة الاحتكارية.. ليعود ويلعب دوره المريض في تحريك دولاب العمل والانتاج ولو بادنى مستوياته.. او ان يبدأ رجال الاصلاح الذين قاتلوا الظلم والاستبداد واسقطوا الطاغية وناضلوا من اجل الدستور والحياة الديمقراطية وسعوا لاعادة الحقوق الى الشعب والمجتمع، ان يسعوا جميعاً لاعادة نصاب الحقوق والدوافع الى مساراتها الطبيعية حيث تستطيع الارادات الحرة للافراد والجماعات والحكومات والادارات المحلية ان تعيد صناعة الحياة الاقتصادية والاجتماعية وهي مستقرة تقف على قاعدتها وليس قلقة مهزوزة تقف على قمتها. لذلك، عندما يقول البعض بان هذه البلاد لا تصلح للديمقراطية، او عندما يطالب بعض العراقيين والغربيين والامريكان والعرب باعادة هيمنة الدولة ولو على حساب الشعب، فان هذا يفسر بان ما يعني هذا البعض هو المصلحة الخاصة واساليب السيطرة على البلاد وليس مصالح الشعب واستعادة دوره في الحياة وتقويم الامور ووضعها في سياقاتها الصحيحة.
اذا لم يطمئن المستثمر ورجل الاعمال الى ربحه وضمان حقوقه ليس في يومه فقط بل في غده ومستقبله ايضاً.. واذا لم يطمئن العقاري او المزارع الى ريعه وملكه او ايجاره.. والموظف والعامل الى مردوداته واجره وحماياته عند عطله او شيخوخته.. والمضارب والصيرفي الى نفعه و فائدته.. والمريض وصاحب الزمانة والفقير والمسكين الى العناية والاخذ بيده لينتقل من العوز الى اليسر. اذا لم تشعر العائلة بالحماية والاطمئنان وتحاط الطفولة والشباب بالرعاية.. وبان هذه كلها هي ركائز اساسية للمجتمع ولمستقبله.. وبان حقها من الثروة العامة هي ليست منة تعطى لها، بل هي حصة من حق تساهم في صنعه، وان لم يظهر في الحسابات الاقتصادية واحصاءات الناتج الاجمالي.. اذا لم تعد الدولة للعب دورها الطبيعي كحامي وضامن لتحقيق ذلك، ولاحتلال دورها الاقتصادي والاجتماعي كخادمة للشعب وليس كمالكة له، ليتطور مفهوم الخدمة العامة الى تربية وثقافة بحد ذاتها ترتبط بمفهوم المواطنة الحقة التي ترعرعت في كنف مجتمع متضامن رحيم يعرف واجباته وحقوقه. اذا لم يعد العراق لاحترام مواطنه كدليل على عزة واحترام نفسه واحترام غيره ووعوده وعهوده.. اذا لم نبدأ بالعمل لجعل هذه الامور وغيرها حقائق يومية فان علينا ان نراجع انفسنا. لان النظام القديم سينتصر علينا وسنجدد منطقه وافعاله بايدينا. وسيعود الاستبداد والقمع لا فرق بنفس الشخوص والرموز القديمة او برموز وشخصيات جديدة. عليه من واجبنا وواجب الحكومة والبرلمان وقوى الاجتماع ان تعمل بسرعة لسلسلة من الاعمال التاريخية التي من شأنها ان تنقذ العراق حقيقة واهمها –وليس كلها- ما يلي:
1- قانون الملكية: (ورقة خاصة) تشريع قانون للملكية يسعى اساساً لاعادة ملكية الدولة الواسعة والتي تشكل اليوم ما لا يقل عن ثلاث ارباع الملكية العامة الى المواطنين والهيئات والجماعات والبلديات والمحافظات والحكومات المحلية،الخ.. ملكية الدولة الواسعة تاريخياً هي نتاج سياسات المصادرة او وضع اليد او الاستيلاء على ما لا مالك له.. انها في الاساس اما ملكيات عامة او خاصة او اوقاف عامة او خاصة او مشاعات او غيرها من اشكال: سيتمثل التعويض التاريخي بالقيام، كنهج عام وليس تخصيصاً وتحديداً، بما يلي:
- تصفية الاملاك والعقارات التي ورثتها الدولة من النظام الصدامي وازلامه عن طريق البيع للهيئات او للمواطنين او للمؤسسات، او تحويلها الى متاحف او مؤسسات جامعية او اجتماعية مختلفة، كل ذلك منعاً من العبث والاستغلال غير الامثل لها. وان اموالها يمكن ان تستخدم في:
<!--[if !supportLists]-->أ- <!--[endif]-->تعويض المتضررين نتيجة تصرفات النظام السابق وتعويضات نزاعات الملكية من اجل تخفيف العبء على الموازنة نتيجة لذلك.
<!--[if !supportLists]-->ب- <!--[endif]-->يمكن ان تكون الحصيلة نواة لصندوق لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم في القطاع الخاص لتفعيله وبشروط ميسرة.
- اراض توزع مجانا او ما يقرب المجان الى الاهالي والسكان لبناء المساكن في مواقع مختارة خارج المدن المكتضة حالياً بعد توفير المستلزمات مع منح شروط تسليفية بسيطة. وتسلم ورقة الطابو او سند الملكية بعد البناء او انتهاء جزء رئيس منه.
- اراض توزع للاستغلال المباشر او للتملك الى اصحاب المشاريع الصناعية والزراعية والخدمية داخل حدود البلديات او خارجها حسب شروط وضوابط محددة. وان تعرف انماط العقارات او الاراضي وشروطها ان كانت اراض سكنية او زراعية او صناعية او تاريخية او وقفية او حكومية او عامة او بلدية او غيرها من انواع.
- تمليك العرصات او المسطحات بشروط واسعار مدروسة، خصوصاً ان الايجارات المدفوعة في حالة بعض العرصات قد تجاوزت القيمة الحقيقية للعقار مما يسمح باعتبارها اقساط سداد.. وفي كل الاحوال تأخذ بالاعتبار ادخال محددات تشترط الاصلاح والتجديد في الملك، او الاثنين معاً وهو الاصح.
- تصفية مخلفات قوانين التسوية القديمة وقانون الاصلاح الزراعي وملحقاته بتمليك من لم يتملك من المستغلين والمستثمرين والمزارعين الاراض التي وزعت عليهم او المتعاقدين عليها ويقومون فعلاً باستغلالها .. واعادة ما لم يوزع، او وزع ولم يستثمر او اجر ولم يستغل الى المالكين والمستثمرين الاصليين. او صيغ اخرى لم ترد لتحديد مفاهيم الملكية والاجارة والاستغلال بشكل واضح يزيل الغموض والتداخل عن الكثير من المسميات الحالية التي نمت بشكل مشوش يضيع الحقوق والمنافع والدوافع على حد سواء.
- الاسراع في حسم "منازعات الملكية" واعادة كل ما اغتصب الى اصحابه او تعويضهم بحقوق عينية تمثل نفس القيمة الحقيقية عند الاستيلاء.
- تشجيع عقود الاستثمار والاستغلال والتملك في الموات والبراري والبوادي والاراضي البور والمستنقعات والجبال والاهوار المنتشرة اليوم في طول البلاد وعرضها، ليس فقط لاغراض الاستثمار الزراعي، بل ايضاً لاعمال الاستخراج والخدمات والتربية والصيد والسياحة وشتى اشكال الاعمال.
ان ذلك لا يعني ان الدولة ستتوقف عن ممارسة النشاط الاقتصادي.. لكن ممارستها هذا الدور يجب ان يتم بمعايير السوق او بمعايير استراتيجية معرفة بشكل واضح وصحيح. ما يجب الوقوف بوجهه هو ان تتحول الوزارات من دور الرقيب والراعي والمرشد الى دور رجل الاعمال والتاجر والصناعي والطبيب والمعلم.. فان اقتضت الضرورة ان تقوم الدولة بدور رجل الاعمال او غيره فيجب ان تحترم شروط المنافسة وقوانين السوق، او ان تتدخل في المساحات الفارغة والقضايا الاستراتيجية والتي هي ضرورة ان لم تقم هي بها فان نقصاً او ثغرة ستحصل سواء في حاضر البلاد او مستقبلها.
2- نظام الارث: (ورقة خاصة) ان العدالة التي يتوسمها نظام الارث القائم على الشرع الاسلامي يشيع كما يطبق حالياً في حالات عديدة جموداً وقتلاً للملكية التي كانت في يوم من الايام مزدهرة وناشطة.. فمتطلبات "القسام الشرعي" وتوزعه العظيم في ظروفنا المعاصرة غالباً ما يقود الى التعطيل والجمود خصوصاً في الملك الاستثماري، ناهيك عن التنازع والتخاصم بين افراد الاسرة الواحدة، وهي حالة تعاني منها العديد من الملكيات التي اصبحت بحكم "الغائب او المعطل مالكيته". والكثير من هذه الملكيات ان كانت في المجال الصناعي او العقاري او الزراعي تعاني اليوم من تفكك وجمود وتعطل منع ويمنع من تراكم الثروات والقدرات. نعتقد ان على رجال الفقه والقانون ان يتقدموا بحلولهم لادخال تكييف شرعي وقانوني يمنع من قيام فراغ في الادارة الناجحة بما يحقق مصلحة المشروع والمالكين من الورثة الجدد.. وان احالة مثل هذه الملكيات الى مديرية ترعاها لحين اتفاق المالكين من الورثة الجدد -وهو ما يقترح عادة- هو من اسوء الحلول.. انه احلال البيروقراطية محل الفراغ والجمود في حين ان المطلوب هو ابقاء الفاعلية وتشخيص المالكية وحصول اصحاب الحقوق على حقوقهم.. اننا بحاجة الى حلول قد يجد الخبراء لها مخرجاً تفي عملياً -وليس نظرياً- بالغرض. وهو الحفاظ على حقوق الورثة الشرعية من جهة دون تعطيل فاعلية الملك من جهة اخرى. حلول تبدأ بالتشجيع والتربية على كتابة الوصية ليتضح مآل قسم من الملك. او حلول قد تبدأ بتقويم القيمة السوقية للملك من قبل خبراء تقدير مختصين بهذه الشؤون.. و تحويل الورثة الذين يسميهم "القسام الشرعي" ، الى نوع من الشركة الخاصة او الشركة المساهمة (حسب نوع الملك ان كان عقاراً او ارضاً او شركة او مصنعاً، الخ) وتسجل بهذا العنوان او ما يشبهه، ويصبح كل وريث حامل لسهم له قيمة سوقية معروفة يستطيع بيعها او الاحتفاظ بها وفق اجراءات محددة كاولوية اطراف اخرى في القسام الشرعي في عملية الشراء منعاً من خروج الملك الى الغير. ادارة او شركة تختار وصيها او مدير اعمالها اما اكبر الاولاد سناً او من كان يستثمر فعلاً او المقيم فعلاً او من تنص عليه الوصية او من تتفق عليه اغلبية الاسهم، او اية الية "لازالة الشيوع" في حالة الخلاف بشكل يلي الوفاة بمدة محددة لتركيب الملكية من جديد بشكل فاعل وصحيح. او غير ذلك من حلول يمكن ان يتقدم بها العلماء والخبراء... . نظام يضمن استمرار عدالة التوزيع الذي اراده الشرع، و يضمن –في الوقت ذاته- استمرارية الملك وعدم تآكله وضياعه وغياب الفاعلية وحقوق التصرف الراشد فيه.
3- قانون الاستثمار: (ورقة في البرلمان معروضة للنقاش والتصويت) ان يتضمن القانون ما يضمن اطلاق الحركة الاقتصادية وسهولة الاجازة واحترام المالكية ومنع الانقضاض عليها واعادة الحيوية لعمل المؤسسات والهيئات الخاصة الوطنية والاجنبية لتتبادل هي والدولة اعمال الرقابة والمسائلة بشكل متقابل ومتوازن. وان يعطي القانون للادرات والحكومات المحلية المساحة الصحيحة لتقوم بمبادراتها وتحمل مسؤولياتها لاستجذاب الاستثمارات وتفعيل النشاطات بطريقة تقود الى فائدة البلاد باعتبار ان فائدة الجزء هي فائدة للكل، والى تعاون المسؤولين والسكان المحليين مع المبادرات والمشاريع العامة وتسهيل القيام بها باعتبار ان ما يفيد الكل سيفيد الجزء ايضاً.
4- الطاقة: باتت الطاقة عنصراً رئيسياً لنهضة الامم. ولعل اخطر ما نعاني منه في ظرفنا الراهن هو بالضبط نقص الكهرباء وعدم توفر المشتقات النفطية بشكل كاف. اعتقادنا الجازم بانه لو وفر هذان العنصران لاختلف الوضع الاقتصادي والخدماتي بل وحتى الامني عما هو عليه حالياً. ولعل اهم ما سيواجه وزارتي النفط والكهرباء واللجنة الاقتصادية الاستراتيجية (ورقة خاصة ملحقة رقم 1) هو ضرورة الاسراع في البدء بمشاريع جادة وبالطاقات المطلوبة لتقديم حل جذري ونهائي لهاتين المسألتين. وان استهداف الارهاب لهذه المؤسسات يشير بوضوح الى دورهما الخطير حيث يسعى التخريبيون والارهابيون الى تعطيل الة عمل البلاد بتعطيل عمل هاتين المؤسستين. وعليه يجب ان ترصد الاموال الكافية وتوفر البيئة الامنية المناسبة للبدء فوراً بانجاز مشاريع استراتيجية في هذين القطاعين الرئيسيين واستمرار وزارتي النفط والكهرباء الى ادامة وتطوير المشاريع القائمة وتوفير سبل تشغيلها، ووضع استراتيجيات تجمع بين الحلول الوطنية الكلية للاستفادة من مشاريع الاحجام والطاقات الكبرى، والحلول المناطقية للتقليل قدر الامكان من عمليات النقل. ان اي تأخير ولاي سبب او حجة لم يعد مقبولاً. فاذا كانت القوانين والاجراءات لا تسمح في سرعة الانجاز فانه يجب ايجاد الحلول السريعة لتجاوز هذه المعضلة.. فارواح الناس وحقوقهم النهائية اهم بكثير من كل المخاوف والعراقيل التي يتم التشبث بها.
2) لا يمكن التخلص من مشكلة المشتقات النفطية واثارها الخطيرة على الاقتصاد والتضخم وهروب مليارات الدولارات الى الارهابيين ومافيات السوق السوداء والدول المجاورة عن طريق المطالبة برصد اموال ستتزايد باستمرار.. لا نجد من طريق الى ذلك الا عن طريق سياسة الاسعار والتدرج فيها لتدور حول اسعار السوق، مع سياسة مضادة لكي لا تتحمل المصالح الاقتصادية كالنقل واعمال التشغيل او الطبقات الدنيا كلفة هذه السياسة. نعتقد ان هذه السياسة ستحرر مليارات الدولارات في موازنة الدولة وستبقي مليارات اخرى داخل الدائرة الوطنية بعيداً عن المافيات والتهريب، مما سيمكن من اعادة التوازن العام والدفاع عن مصالح الناس بشكل افضل من الطريقة الحالية بالوقوف في صفوف طويلة لايام عديدة او بدفع اضعاف السعر الطبيعي في الاسواق السوداء. وان تشجيع القطاع الخاص على تحمل مسؤولياته في هذا القطاع هو امر مهم مما يتطلب سلسلة من التسهيلات المتعلقة بالخزن والتوزيع وغيرها من امور معروفة. (راجع ورقة خاصة بالموضوع مقدمة للسيد رئيس الائتلاف العراقي الموحد وللسيد رئيس الوزراء)
4أ- قانون النفط: (تحت المناقشة والاعداد) قانون يضمن جعل النفط والغاز ثروة حقيقية لكل الشعب العراقي. فالدولة عنوان كبير قد يمثل الشعب وقد يمثل مصالح فئوية او شخصية لذلك يجب الدقة في التعامل مع هذا الموضوع. واننا نواجه اليوم نقاشاً تتداخل فيه جهات عديدة ومفاهيم اساسية ومتفرعة مختلفة. وان الدستور بقي مفتوحاً لكل النقاشات رغم انه حدد بعض المنطلقات الاساسية وهو ما يجب ان يسترشد به قانون النفط المقترح ليتسنى الانطلاق بهذا القطاع الذي هو شريان الحياة الاقتصادية اليوم.
- من حيث المالكية: هناك مالكية الشعب والدولة والاقاليم والمحافظات والمواطنين. وقد نص الدستور على مالكية الشعب لكنه لم يبق على عموميته بل شخصه ايضاً بسكان الاقاليم والمحافظات.
- من حيث الادارة والسياسة والتخطيط: تكلم الدستور عن الحكومة الاتحادية بالتعاون مع ادارة الحكومات والادارات المحلية، او بالعكس.
- من حيث الحقول.. جعل الحقول الحالية شأنا تديره الحكومة الاتحادية وابقى الباب مفتوحاً للاقاليم والمحافظات للمبادرة في الحقول الجديدة.
- اما من حيث الموارد: فقد جعلها شأناً اتحادياً، وربط بين توزيعها وحاجات الدولة الاتحادية ومراعاة التوزيع السكاني والحاجات ودرجات المحرومية في عموم الاقاليم والمحافظات.
ان النقاش حول هذه المسألة لن يحسم اذا لم نتفق على الخلفية او الفلسفة المنظمة لذلك كله. ونعتقد ان الدستور قد خطى خطوة جيدة بالكلام عن مالكية الشعب العراقي للثروة وليس مالكية الدولة الاتحادية او المحلية او سكان محافظة او اقليم محدد. المالك الاوحد هو الشعب العراقي، كل الشعب العراقي في كل اقاليمه ومحافظاته. لذلك فان اعمال الادارة او الاستثمار او التخطيط او وضع السياسات، ما هي سوى وكالة لصون وحماية الثروة ولايصال الحقوق المترتبة من هذه الثروة للشعب العراقي افراداً ومواطنين وسكان اقاليم ومحافظات. فما يجب الحرص عليه هو كيف ستصل مردودات هذه الثروة حقيقة الى الشعب الفرد المواطن منه وجماعات السكان والاجيال القادمة على حد سواء. فمالك النفط والغاز هو ليس الحكومة الاقليمية ولا الحكومة الاتحادية، انه ليس سكان المحافظة والاقليم المنتج بل هو عموم الشعب العراقي في حاضره ومستقبله.
هذه الرؤية لن تتحقق في ظروفنا الحالية الا بانهاء بيروقراطية الدولة وتأسيس شركة نفط، او شركات نفط وطنية ومحلية تتولى عملية الانتاج والادارة والتسويق مراعية اقتصاديات السوق والربحية والدفاع عن ثروة الشعب الان وللمستقبل. وان تطوير الثروة النفطية والغازية لن يتحقق الا بالتفاوض خصوصاً مع الشركات النفطية الكبرى (واحياناً المتوسطة) لاستثمار الحقول بعد وضع سياسة محددة لعمل هذه الشركات سواءاً بعقود مشاركة او بعقود خدمة او الاثنين معاً. فالمهم ان يأتي تشريع قانون النفط ليوضح الامور ادناه وغيرها وليمهد الطريق لاصلاح ادارة الصناعة النفطية ويسهل من عملية تطويرها وتوسيعها. والحذر كل الحذر من تفويت الفرصة التاريخية الماثلة امامنا من طلب عال على النفط واسعار ممتازة حيث فاتت على العراق فرص كثيرة ابان النظام الديكتاتوري وفاتت الفرص خلال السنوات الثلاث والنيف ويجب ان لا نستمر بتفويتها… ان العودة الى الوضع الطبيعي وانهاء الدور الانتاجي والتسويقي للدولة ونقل العملية الى الشركات العراقية والعالمية، مع ابقاء الدور الرقيب والمخطط والماسك –ممثلاً حقيقياً للشعب في كل اقاليمه ومحافظاته- لرقبة العين، هو الطريق الصحيح، لادخال معايير الربجية والانتاجية والعالمية ومنع التغييرات السياسية والبيروقراطية والجمود والاداريات الحكومية، عن هيكليات عمل يراد منها الدفاع عن حقوق البلاد مع اقصى درجات الكفاءة والخبرة والمرونة والتنافس وسرعة القرار والتكيف مع اوضاع متغيرة وسريعة..
اما الامر الثاني فهو ان هناك امور كثيرة واضحة وعليها اتفاق عام كبير. وان تعطيل هذه كلها بحجة وجود غموض في تفسير مختلف عليه في امور اخرى هو موقف يعرقل ويشوش وهو ما يجب الالتفات اليه. اذ يبدو ان هناك اتفاق او اسس اتفاق حول الامور الاساسية التالية على الاقل:
أ- توزيع الموارد بشكل عادل يتناسب مع السكان والحاجات ودرجة الحرمان.. ويبدو ان هذا امر يمكن معالجته عبر توزيعات الموازنة العامة. وهذه مسؤولية اتحادية لا اشكال حولها، عليها ان تنظمها بالتعاون مع الاقاليم والمحافظات.
ب- امكانية منح مشاريع "المخارج او الهابط" Downstream projects كالمحطات والمصافي والصناعات البتروكيماوية للقطاع الخاص المحلي او الاجنبي او للحكومات المحلية او الاتحادية على حد سواء، اضافة الى الجهد الاتحادي في هذا الاتجاه.
ت- اما فيما يخص سياسات "المداخل او الصاعد" Upstream projects كالاستكشاف والانتاج فانه لا اشكال في ان "الحقول الحالية" لا تعني "الابار الحالية" او "الابار المنتجة" او الابار التي يستخرج منها النفط حالياً فقط، بل تعني حسب فهمنا الحقول التي جرت وتجري في تركيباتها اعمال حفر وانتاج واستخراج سابقاً وحالياً والتي قد تجري مستقبلاً ايضاً. وان محاضر مناقشات الدستور ستتضمن تأكيداً لهذه النظرة. وان الاتفاق حول هذه الحقول سيعني ان جزءاً اساسياً من الرؤية هي رؤية واضحة. فهذه الحقول تشمل على الاقل الـ 80 حقلاً او تركيباً او معظمها من حقول او تركيبات العراق النفطية والغازية المستكشفة والمنتجة وذلك من مجموع 530 تركيباً معروفاً حفر منها 115 حقلاً او تركيباً. هذه الحقول الـ 80 او معظمها هي دون ادنى شك ما نصت عليه المادة ( 112 اولاً) من الدستور.. والذي اشترط ان تقوم الحكومة بهذه العملية مع الاقاليم والمحافظات المنتجة وهو ما يتطلب حضوراً مناسباً لممثلي الاقاليم والمحافظات المنتجة في الهيئات الاتحادية المقررة والمديرة والمنظمة لهذه العملية.
ث- اما بقية الحقول والتركيبات المعروفة او غير المطورة او التي ستكتشف لاحقاً او لم تجر فيها اعمال حفر وانتاج فيبدو ان المادة (112 ثانياً) قد فتحت باب المبادرة امام حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة للمبادرة بالتعاون مع الحكومة الاتحادية لتطوير الاستثمار في هذه الحقول.. وهو ما يتطلب بدوره حضوراً مناسباً للحكومة الاتحادية في الهيئات المحلية المقررة والمديرة والمنظمة لهذه العملية، عند قيامها. علماً ان اختصاصات السلطة الاتحادية قد غطتها المواد 109-113، بكافة فقراتها. وعليه نعتقد ان سمة الوضوح هي اكثر بكثير من سمة الغموض الذي يتكلم عنه البعض داخل البلاد وخارجها. فالدستور واضح بما يكفي لكي تقوم الحكومة بمبادراتها وتنظم خططها وعقودها.. وواضح ايضاً بما يكفي في دور الاقاليم والمحافظات للمشاركة والقيام بمبادراتها. واذا كان هناك من غموض في المسائل الفرعية فان من واجب قانون النفط ان يوضحه ويضع النقاط على الحروف بشكل نهائي.
ج- اما عملية التسويق فالواضح انه مسؤولية اتحادية سواء قامت به "سومو" او اية جهة اخرى محلية او اجنبية. فشرطه هو سياسة التسويق الموحدة والاستراتيجية والتي تسمح بالتعامل مع الاسواق الخارجية ومنظمة اوبك وغيرها من سياسات نفطية وغازية بشكل يضمن مصالح الشعب العراقي. وان تعاون الحكومة الاتحادية مع الحكومات المحلية للاقاليم والمحافظات لا يشوش من هذه المسؤولية بل يعززها.
وعليه فان انتظار "قانون النفط" الذي يجب ان يضع النقاط على الحروف في هذه القضايا الحساسة، لا يعني التوقف عن العمل وتطوير سلسلة من الاعمال المهمة جداً في قطاع النفظ والغاز والبتروكيماويات سواء في مشاريع "المخارج والمهابط" او مشاريع "المداخل والصاعد " والتي تستوجب كلها البدء بمشاريع عملاقة تحمل مصلحة البلاد والشعب العراقي. ودفعاً للغموض الذي قد يثار حول المواد (111) و (112، اولاً وثانياً) والمتعلقة بالنفط والغاز قد يكون من المفيد تسمية"الحقول الحالية" لتمييزها عن غيرها.. علماً ان المادتين تقعان في اختصاصات السلطات الاتحادية وان المطلوب هو تنظيم علاقة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم والمحافظات تسمح بتوزع المسؤوليات والصلاحيات والتنسيق والتعاون لما فيه المصلحة العامة.
الدولة ومجلس الاعمار: (ورقة خاصة) ان فلسفة هذا الموضوع هو ان الدولة تعتمد على الضرائب والجبايات المباشرة وغير المباشرة.. اما الواردات الريعية كواردات النفط والغاز فيجب التعامل معها على انها ريع وطني لذلك تم الاصرار على اعتبار ملكيتها للشعب العراقي كله.. ومن المعروف ان الاثر الداخلي لعملية انتاج النفط ضعيفة من حيث ضعف العمالة وتحريك عوامل الانتاج المحلية خلال عملية الانتاج.. بخلافه فان الموارد التي يحققها من الاسواق الدولية هي عظيمة للغاية بحيث يجب ان لا تستخدم لمجرد تشغيل جهاز الدولة استهلاكياً بل يجب ان تستغل لمصلحة عموم الشعب واجياله القادمة. لذلك دأبت الدول المصدرة للنفط على تأسيس صناديق الاجيال القادمة او صناديق الاستثمار التي تعتمد اساساً او جزئياً على موارد النفط والغاز. وقد شهد العراق تجربة ناجحة هي تجربة مجلس الاعمار والذي استطاع خلال فترة قصيرة وباموال هي اقل بكثير من الموارد الحالية من توفير بنية تحتية ومشاريع ما زالت تقدم فوائدها وخدماتها لاجيال العراقيين. ان احياء هذه الفكرة ولو بتطويرها هو امر ممكن للغاية. يمكن البدء فوراً بتطبيق سياسة تقوم عند تقدير نفقات و واردات الموازنة العامة بتحديد "سعر ثابت" يضمن تشغيل الموازنة التشغيلية والرأسمالية لمؤسسات الدولة، و"سعر متحرك" هو الفارق بين "سعر البيع" (ناقصاً التكاليف) و"السعر الثابت" يمول به صندوق مجلس الاعمار المخصص كلياً للاستثمار والاعمار. مجلس له موازنته المتأتية من "السعر المتحرك" او من المنح والمساعدات وغيرها من موارد لا تؤثر على استقلالية عمله.. مجلس له ادارته المستقلة وقواعد عمل تخرجه من البيروقراطية. مجلس تمثل فيه الحكومة ويمثل فيه اصحاب الاختصاص والخبرة والرؤى الاستراتيجية المتوسطة والبعيدة المدى. مجلس قد يساعد في اصلاح جهاز الدولة وتضخم مهامها وواجباتها خصوصاً تلك غير المؤهلة لها وبالذات في المجالين الاستثماري والاعماري والانتاجي. ونحن نرى ان "مجلس الاعمار" اضافة الى الموازنة العامة هي افضل قناة ممكنة الان، لاعادة توزيع واردات الثروة النفطية والغازية لعموم الشعب العراقي في عموم محافظاته واقاليمه.. فقد لا يكون من الميسور الان القيام بما تقوم به "الاسكا" من توزيع نصف وارداتها النفطية على الشعب مباشرة والنصف الاخر على الاستثمار، بحيث حصل كل مواطن على (845،76) دولار في العام الماضي . قد لا يكون من الممكن القيام بذلك الان، رغم ان ذلك خياراً ممكناً في الظرف المناسب لاصلاح الدولة وتضخمها والتشوهات التي تعاني منها موازنتها التشغيلية وسياسات الدعم. فلو خفضت هذه (الموازنة التشغيلية وسياسات الدعم) الى النصف فان ذلك قد يوفر 10 مليار دولار (ثلث الموازنة الكلية الحالية) والتي ان وزعت على المواطنين فان الفرد الواحد سيحصل على حوالي 333 دولار سنوياً.. وستحصل العائلة كمتوسط ( 6 افراد) على ما يقارب الـ (2000 ) دولار سنوياً، اي حوالي ( 250) الف دينار شهرياً. حينذاك سيتحول الشعب كله وعينه على هذه الثروة التي حباه الله سبحانه وتعالى بها، والتي ستتزايد اهميتها على اغلب تقدير بمرور الايام لما للعراق من احتياطيات هائلة.. وهذا كله سيشكل عامل توعية وشعور بالمسؤولية والمواطنة وضغط شعبي لتطوير موارد هذه الثروة، كما سيلعب دوراً اساسياً في حماية مداخيل العوائل، وتوفير الحد الادنى اللازم خصوصاً الفئات الضعيفة الحال، وفي تعزيز الامن و حفظ الوحدة الوطنية وتوازن المصالح للاندفاع في تحقيق الحياة الكريمة التي يصبو اليها الشعب العراقي.
5- قوانين المصارف وشركات التأمين: (ورقة خاصة) قطاعان خطيران ومهمان يحتاجان الى وقفة دارسة ومراجعة خاصة لقانونيهما و اصلاح سريع ومتدرج، يسمح بتطويرهما و الذي بدونهما لا يمكن تصور احداث اي تطور في الاقتصاد العراقي.
6- قانون التقاعد الوظيفي والخاص: (ورقة خاصة) ان يعتمد هذا القانون على فلسفة جديدة.. فنظام التقاعد يختلف عن نظام الضمان الاجتماعي.. الثاني هو مسؤولية المجتمع وصندوقه هو من مسؤولية المجتمع ككل.. اما نظام التقاعد فيرتبط اساساً بمدة العمل او الخدمة.. فهو نظام يعتمد على نقاط تتعلق بالراتب والمدة والسن وغيرها من امور مرتبكة تماماً او غير موجودة اصلاً في نظام التقاعد الحالي. ان نظام التقاعد الحالي يستنزف اموالاً طائلة دون ان ينصف المتقاعدين حقيقة. فمفهوم "العقب" او "الخلف" لابد ان يعاد بحثه ليربط بنظام الضمان الاجتماعي او شبكة الحماية الاجتماعية. فاذا تعذر ذلك بالنسبة للحالات السابقة فعلى الاقل بالنسبة للمتقاعدين من الان فصاعداً. كما ان منح التقاعد لمن هم في سن العمل هو خطأ كبير، الا لمن عبر حاجز الحقوق التقاعدية او النقاط الاستحقاقية.. فالتقاعد –كما هو معمول به في معظم الدول- لا يعطى اساساً الا لمن يبلغ سن معين، قد يختلف حسب المهن، لكن ليس من المعقول ان يمنح التقاعد لغير المريض او المصاب او من بلغ السن القانونية وعبر حاجز الفترة او النقاط التي تؤهله للحصول على حقوق تقاعدية. . اما بقية المواطنين الذين لا عمل لهم اساساً او الذين تركوا العمل لسبب او لخر، هؤلاء من الافضل ان يحسبوا على نظام البطالة او الضمان الاجتماعي وليس على صندوق التقاعد.
كما من المهم تماماً عدم حصر نظام التقاعد على الخدمة العامة فقط، بل يجب سريانه بنفس الحرص على كل الاعمال والمهن الحرة، تجارية كانت ام خدمية ام صناعية ام زراعية. يجب ان يحصل كل من يعلم على نظام تقاعد يعتمد على اسس واضحة من حيث تحقق الاستحقاق والاستقطاع والمدة والعمر... هذا شرط اساسي لتخفيف الضغط عن الدولة التي تنأى اليوم بتكاليف تشغيل لا تستطيع تحملها ولم تعد بقادرة على توليد المزيد من الملاكات التي لن تقود سوى الى تضخيم جهاز الدولة وتقليل فاعليته وزيادة نفقاته. فالتقاعد والاجور في القطاع الخاص هما من البدائل الحقيقية لمحاربة تضخم الدولة ولاعادتها الى حالتها الطبيعية ولفتح الابواب واسعة امام اجيال الشباب للحصول على اعمال ووظائف تليق بكفاءاتهم وتضمن مستقبلهم.
ثالثاً: ادوات واطارات التنفيذ
قد تكون الامكانات متوفرة.. والاجراءات صحيحة.. والقوانين مناسبة رغم ذلك قد لا تتوفر الجهات المنفذة او قد لا تكون الاطارات سواء الحكومية او الخاصة مهيئة للتنفيذ.. وان العملية الاقتصادية لن تتوفر ما لم تقم جهة ما بتنفيذ المشروع بشكل يطابق المواصفات ويصل الى النتائج النهائية، وهذا ما يجب الحرص عليه.
1- في اطار الدولة: "اللجنة الاقتصادية والخدمية الاستراتيجية": (راجع الملحق وهو الورقة الخاصة المرفقة برقم 1) الغرض منها تسهيل عمل اجهزة الدولة ومجلس النواب في المفاوضات والتوقيع وتنفيذ المشاريع، دون فقدان عامل الرقابة والنزاهة والضوابط المالية والمحاسباتية. ووضع موضع التطبيق عبر التشريعات والاوامر التنفيذية ما نص عليه الدستور من صلاحيات واختصاصات للحكومة الاتحادية وللاقاليم والمحافظات بشكل واضح يبين حدود المبادرة وتحمل المسؤولية والاختصاص من جهة وحدود الصلاحيات في اطار بناء علاقات متوازنة غير متصادمة لا تسعى للسيطرة من جهة ولا للعرقلة والاعاقة من جهة اخرى.
2- في الاطار الخاص: يعاني العراق من تدهور وتراجع الشركات والاطارات المنفذة والتي يمكن ان توكل اليها مهمة تنفيذ الاعمال والمشاريع سواء الخاصة او العامة، الصغيرة والكبيرة على حد سواء. فانظمة المقاولات والتعهد انظمة معقدة تحتاج الى وقفة جدية. وهي تاريخياً احدى مشاكل ضعف القدرات الهندسية والخدمية في تنفيذ المشاريع في العراق وقابلية تطورها لتكون في مصاف الشركات الكفوءة المنافسة للشركات العالمية. هذا الواقع يتركنا امام خيارات محدودة. فاما اللجوء الى شركات القطاع العام وهذه بدورها لها مشاكل وتعقيدات كما انها تزيد من بيروقراطية الدولة وهيمنتها.. او منح المناقصات والمقاولات الى شركات القطاع الخاص البسيطة الامكانيات والكفاءات.. او احالتها الى شركات اجنبية وفي ذلك تعقيدات معروفة اضافة للغبن العظيم حيث نشهد رجال الاعمال ورؤوس الاموال العراقية في الخارج وهي تؤسس بمفردها او متشاركة مع غيرها شركات بمستويات عالمية جيدة، او نشاهد المهندسين والفنيين العراقيين يعملون في كبريات الشركات الكفوءة في المنطقة والعالم مما يبين ان المشكلة هي ليست كفاءات وقابليات تزخر بها البلاد، بل هي مشكلة اطارات عمل وكيانات تؤسس وتعطى الاجازات اعتباطاً وحسب المحسوبيات والوساطات، دون ان تشعر بحاجة لتطوير الامكانيات وتلبية الشروط، ودون ان تواجه بالمنافسات الحقيقية والحاجة الى تحقيق نوعيات العمل القياسية والمعيارية، فاحتكرت الاسواق وجعلت تنفيذ عمل ناجح مغامرة كبيرة يصعب تحقيقها.
لا مجال سوى لحشد الطاقات وسعي الدولة والجامعات وغرف التجارة والصناعة والهيئات الزراعية للعب دور الوسيط اما بالمساعدة بطرق مختلفة على جمع عدة شركات خاصة او تحويل شركات عامة الى شركات خاصة او مزيج من هذه التشكيلات للمساعدة في تشكيل شركات قوية كفوءة تستطيع اداء الاعمال وتولي المسؤوليات حسب مقاييس مهنية وطنية ودولية معروفة.. هذا الجهد الداخلي سيضاف الى الجهد الخارجي المتمثل بتسهيل وحماية عمل الشركات الاجنبية، خصوصاً في قطاع المقاولات والاعمار والهندسة المدنية والعمرانية والصناعية والزراعية، بما يساعد على اشاعة تربية مهنية عالية الكفاءة، تصبح هي هدف المعاهد والكليات لاعداد الكفاءات والشروط التي يمكن الاعتماد عليها في تطور البلاد.. ووضع معيارية وقياسات صحيحة تسمح باداء كل هذه الشركات او المؤسسات اعمالها بما يحقق النتائج النهائية المضمونة، وليس كما يجري اليوم بحيث تعتبر الاحالة هي انجاز للمشروع دون النظر الى كفاءة التنفيذ او مستقبل اداء المشروع.
3- المشاريع الرائدة والاستراتيجية
1. لابد من البدء بتشجيع المشاريع الرائدة Pilot projects Pioneer or ولو المحدودة الانتشار، لكن الكفؤة والتي قد تقوم مقام المشاريع الكبيرة، وذلك كقدوة ومثال وعامل سحب الى الامام. هذه المشاريع قد تبدأ عالية الكلف لكنها في النهاية اقتصاد حقيقي خصوصاً اذا ما استغرقت اعمال الاصلاح الحالية للبنى القائمة فترة طويلة من الوقت.. بل هي في بعض الاحيان اقل كلفة واكثر فاعلية من البنى القديمة.. وفي كل الاحوال، لابد من بناء بدائل جديدة تتجاوز البنى الحالية او تفلت الى حد ما من الدوائر الحالية لتقدم نفسها كمثال منتج وجديد، يتجاوز البنى المتآكلة والتي لا تمتلك بعد مقومات فاعليتها..
2. استخدام التكنولوجيات الحديثة واساليب الحكومة الالكترونية في تجاوز الحواجز الصعبة. فالجهاز النقال قد ساعد المواطن على تجاوز ازمة الاتصالات.. وبطاقة الائتمان قد تساعد على سهولة الدفع وضمانه. والبطاقة الشخصية الالكترونية احصاء حقيقي وتسهيل في المعاملات المدنية والتجارية وغيرها. وهكذا الكثير من التكنولوجيات ووسائل الادارة الناجحة فانها تستطيع تجاوز الكثير من العقبات والتي لا تمنع الظروف الحالية من الاخذ بها، بل على العكس فان الظروف الحالية خصوصاً حالة الامن تدفع دفعاً للاخذ بهذه الانظمة بما يحقق الكثير من المصالح العامة والخاصة المعطلة حالياً.
3. المشاريع الاستراتيجية التي تعطي الثقة للمواطنين بان الاقتصاد قد انطلق.. فهذه المشاريع قد لا تعطي ثمارها الان لكن البدء بالتفكير بها والتفاوض اوالتعاقد حولها خصوصاً تلك التي يقوم فيها المستثمرون بتحمل رساميلها لا تتطلب سوى تسهيلات وتدابير قانونية وادارية وامنية يجب ان تكون اسهل ما على العراق ان يقدمه خصوصاً في ظروفه الحالية والتي نأمل ان يعالجها "قانون الاستثمار" المرتقب.. فمشاريع المصافي ومحطات الكهرباء او المطارات او ميناء العراق الكبير او غيرها من مشاريع كبرى، يمكن ان تنجز باموال عراقية او غير عراقية تنتظر فرص الاعمال العملاقة، ان وجدت اذناً صاغية من قبل المسؤولين العراقيين. فصيغ الاستثمار العالمية قد حصلت فيها تطورات عظيمة.. وان العراق، ورغم كل ظروفه الصعبة والامنية، ما زال حالة استثنائية تغري جميع المستثمرين الذين يبحثون عن فرص للاستثمار المستقبلي. وان الكثير من المستثمرين العراقيين والاجانب على استعداد لتمويل مشاريع عملاقة تحمل المصلحة كل المصلحة للعراق، تسدد كلفها وارباحها من مردودات محسوبة او صيغ يمكن التفاوض عليها تستطيع ان تساهم، مع رؤوس الاموال التي توفرها موارد النفط، لانطلاق نهضة حقيقية في البلاد. ذلك كله، شريطة التخلص من عقلية "المؤامرة" واقتصاد الدولة الاحتكارية والافكار الضيقة التي تجدها حاسدة، مبهورة ومندهشة عندما ترى منجزات البلدان الاخرى بما في ذلك البلدان المجاورة للعراق، لكنها سرعان ما تنغلق على نفسها وتسقط في نظرات الانكفاء والخوف عندما يتعلق الامر ببلدها. مؤكدين خطلان هذا الخوف والتردد غير المبرر –لا وطنياً ولا اقتصادياً- والذي يضيع على البلاد فرصاً ذهبية، واللذان لا يعكسان من شيء سوى تأثيرات التربية الخاطئة، خصوصاً تلك التي زرعتها عصور الاستبداد الحاكم او احتكار الدولة الذي قضى على الاقتصاد الوطني وقاد الى تراجع خطير في كل مناحي الحياة، دفعت العراق الى اخر قائمة الدول بينما كان بالامكان ان يكون في مقدمتها.
رابعاً: السياسات المحفزة
1. في القطاع الزراعي والحيواني والمشاريع الصغيرة الخاصة: محور النظرة هو اعتماد سياسة شراء المنتجات باسعار عالمية بل فوق عالمية، والتخلص من سياسات الدعم الاستهلاكية. فالدعم عن طريق الشراء باسعار تمييزية مربوط بـ "الخارج" او الناتج، وليس بـ "الداخل" او المستهلك. وان انطلاق الزراعة والتربية الحيوانية عبر تشجيع شراء المنتجات والمحاصيل باسعار مغرية حتى ولو لعدة سنوات هو ضمان اكيد لاستصلاح الاراضي والثروة الحيوانية وقيام الشركات الزراعية والحيوانية وامتصاص البطالة وتوفير اموال عظيمة في سياسات الدعم.
أ- استخدام مخصصات البطاقة التموينية لشراء المحاصيل الزراعية.. فيتم استخدام مخصصات اخر السنة لشراء محاصيل اول العام التي ستتحول الى منتجات زراعية تعوض عن اعمال الاستيراد التي تكلف الخزينة مبالغ طائلة، اضافة للفوائد الاقتصادية الاخرى من امتصاص البطالة واطلاق النشاط الاقتصادي وتأثير ذلك في تحريك بقية القطاعات الاقتصادية.
ب- مشكلة الزراعة اليوم هي (اضافة لمسألة الاسعار) توفير مستلزمات البنية التحتية وتوفير عوامل الخدمة الحقيقية واستصلاح الاراضي. من هنا لن يتسنى اعادة بناء الحياة الزراعية والريفية بدون نظام علاقات جديد. فبعد انهيار نظام العلاقات الذي كان قائماً في المرحلة الملكية والذي كان رغم الكثير من الحيف والتخلف فيه لكنه كان يوفر رغم كل شيء حاجيات البلاد الغذائية ومن المنتجات الحيوانية، بل كان يقوم باعمال تصدير لتشكل جزءاً مهماً من الموازنة العامة حينذاك. وان الخراب الذي اصاب الارض والذي شجع على الهجرة وظاهرة التصحر وتخلف انظمة الزراعة يعود في جزئه الاعظم الى عدم اقامة نظام بديل.. فحلت الدولة والجمعيات الفلاحية التي يسيطر عليها الحزب مكان المالكين والمستثمرين السابقين مما شكل خطوة الى الوراء بدل ان يكون خطوة الى الامام. لذلك فان الخطوات الاساسية لاصلاح هذا الامر والذي فيه اصلاح البلاد كلها هو امر في غاية الخطورة والاهمية لمستقبل البلاد كلها وتوازن نسيجها الاجتماعي وحسن استثمار مواردها البشرية والطبيعية على حد سواء. وان ذكر الامور ادناه لا يعني البقاء بحدودها لا غير.
ـ اعادة تعريف علاقات الملكية بالارض وعلاقات الاستثمار كما ورد بشكل مختصر في ملاحظة سابقة في هذه الورقة. والتعامل مع البنية العشائرية حسب الاسس التي اشارت اليها المادة (45 ثانياً) من الدستور والتخلي عن التعامل معها وكأنها بنية متخلفة. فالعشيرة ان اصلحت ودعمت وازيلت عنها موروثات لا يقرها الشرع او العقل او الحياة المدنية يمكن ان تلعب دوراً اقتصادياً واجتماعياً وامنياً غاية في الفائدة والايجابية.. وعلى مفكرينا ومثقفينا ان ينزعوا عن عقولهم النظرات الاسقاطية التي لا تسبر عمق الاشياء ويفكرون جيداً بان الحياة تفرز شئنا ام ابينا انظمتها وعلاقاتها. وان دور الانسان والعقل هو تقنين وتشذيب وتطوير هذه الانظمة والعلاقات لا الغائها وعدم رؤية الصالح والمفيد فيها. فالعشيرة مكون طبيعي كالعائلة يمكنها ان تلعب دوراً سلبياً ان اسيء استخدامها ويمكنها ان تلعب دوراً ايجابياً ان حركت اسسها وقواعدها الطبيعية والصحيحة. فكما افرزت البادية البدو الذين لولاهم لضاعت كل هذه الاراضي ولاصبحت صحارى لا يمكن العيش فيها فانه يجب الحفاظ على العشيرة وتطويرها وتقديم يد الدعم والعون لها كمكون اجتماعي وطبيعي في الحياة العراقية. فكما افرزت الحياة العائلة باعتبارها جزء رئيسي من المجتمع لا يمكن ان يقوم بدونها. وكما افرزت البادية البداوة التي لا يمكن اعمار واستيطان البادية بدون شروطها فان الحياة الريفية والعلاقات الزراعية في العراق قد افرزت العشيرة والتي لعبت دوراً ايجابياً خطيراً.. وان تسقيطها بسبب بعض المتخلفات او السلبيات هي حجج لا ترى الايجابيات. فالمتخلفات والسلبيات هي امر موجود في كل مكون وان الموقف هو التطوير والدعم للتخلص من هذه الامور وليس التسقيط والاستهانة والالغاء.. وان الاهم النظر الى طبيعية المكونات والى الحاجة والمنفعة والشروط التاريخية والطبيعية والاجتماعية التي تولدها وتبقيها وتمكنها وتمكثها في الارض.. او بلاءها وتحولها الى زبد لا ينفع الناس فيذهب جفاءً غير مأسوف عليه.
ـ كري الانهر اذ ليس من المعقول ان تعمل في العراق قبل اكثر من 80 عاماً شركة لكري الانهر بينما تغيب اليوم بعد كل هذه التطورات العلمية والتنظيمة وتوفر كل هذه المصادر المالية. فتراكم الطمى وارتفاع مناسيب المياه يؤثر على المياه الجوفية ويمنع من عودة مياه السقي والامطار الى الانهار والتي كانت تشكل تاريخياً المبزل الطبيعي للعراق. لذلك بقيت اراض وادي الرافدين او ارض السواد من اخصب بقاع المعمورة ولم تصب بالافات والاضرار التي تشهدها اليوم الى بعد تدخل الانسان والدولة هذا التدخل المتعسف والفاسد.
ـ انجاز مشروع البزل الكبير وشموله لكل الاراضي الصالحة للزراعة باستكمال الشبكات الفرعية. والسعي الجاد لتخفيص نسب الملوحة في مياه دجلة والفرات والتي بلغت معدلات عالية للغاية.. ومنع الهدر المائي سواء بتقديم تقنيات جديدة للارواء علماً ان الزراعة تستخدم 97% من المياه العراقية المستخدمة وان طرق الارواء بحاجة الى تجديد وثقافة جديدتين والتقدم نحو بناء الخزانات والسدود بشكل علمي ومدروس يأخذ بالاعتبار جميع العوامل الاقتصادية والبيئية والسكانية والمستقبلية.. والسعي للوصول الى اتفاقات مع دول الجوار بخصوص حقوق العراق المائية.
ـ توفير الكهرباء ومصادر الطاقة.
ـ العمل الدؤوب لتعبيد الشوارع الفرعية بل احياناً حتى الاساسية.
ـ توفير الشركات والمصالح العامة والحرة والتي تستطيع ان تقدم الخدمات والمكائن والعدة في مراحل الارواء والاستصلاح والحرث والحصاد والخزن .. الخ
ـ مكافحة الامراض والافات والجراد سواء تلك التي تصيب الزرع او الارض وتوفير مراكز الارشاد الزراعي والصحي والبيطري والتعاون مع الجامعات العراقية والاجنبية لتوفير الابحاث والدراسات حول الانظمة الهندسية الجينية سواء للحبوب او للمزروعات والدراسات التخصصية لتحسين انتاجية الارض والبذرة والحيوان ومنتوجاتها وللوصول الى افضل الخيارات الزراعية والحيوانية والبيئية المناسبة لظروف البلاد
ـ توفير كافة مستلزمات العيش الكريم من مدارس ومعاهد وجامعات مساكن ونظافة وتطبيب ومدارس ومنتزهات ونواد وملاعب وحياة اجتماعية تسمح باحياء الريف بعد هجرته وخرابه. وان البذل والصرف في الريف هو الاقتصاد الحقيقي الذي تعمر به البلدان.. اما اهمال الريف خصوصاً لبلد زراعي كالعراق فانه الهدر الاعظم.. وان على بعض المسؤولين التخلص من النظرات المباشرة والحسابات القصيرة النظر والناقصة التي تقارن بين المنتوج المحلي واسعار الاستيراد ولا تضع في حسبانها الكلف والارباح الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية والديموغرافية والبيئية والاستراتيجية الاخرى التي توفرها وتحققها الاولى وتهدرها وتدمرها الثانية.
ـ الامر نفسه بالصناعات التحويلية كالنسيج والصوف والحليب وكل ما له علاقة بتطوير الثروة الزراعية والحيوانية وتوفير المواد الاستهلاكية في الاسواق اذ يكون دور الدولة التدخل لضمان السعر المناسب بما يضمن الربحية –اضافة للامتيازات الاخرى- والتي تشجع اصحاب المشاريع على القيام بهذه المشاريع بعيداً عن سياسات الحماية والدعم السابقة التي بحمايتها من الاستيراد والمنافسة تشجع على رداءة النوع وتنشيط التهريب وعدم تقدم الانتاج معتمداً على انظمة الاحتكار ليس الا.
1. تشجيع المشاريع الفردية والصغيرة في القرى والارياف والاحياء المتواضعة عن طريق القروض الميسرة وتوفير التسهيلات والاعفاءات اللازمة لامتصاص البطالة ولتحريك الاقتصاد.. ففي دول عديدة اسست مصارف متنقلة (كما في لبنان) ومصارف فقراء (كما في بنغلاديش) او مصارف رهون (كما في العراق) او غيرها من تسهيلات تذهب هي الى المواطنين ولا تنتظر من مواطنين فقراء عاجزين ان يطرقوا ابواب المصارف او الادارات الرسمية طلباً للاموال او للتسهيلات.
2. في القطاع الصناعي والتجاري والخدمي: محور النظرة سعي المشروع الخاص الى تحقيق المصلحة العامة وتحريك الاقتصاد عبر ضمان دوافع تحقيق الربح والمصلحة المباشرة. ورعاية الدولة للمشروع يجب ان لا تكون عبر سياسات الدعم السلبية بل عبر سياسات دعم ايجابية بتوفير البيئة الصحيحة ومنح التسهيلات اللازمة وتشجيع الحلول التي بدل ان تزيد من نفقات الدولة و من الضغط عليها تساعد بتحرير نفسها وميزانياتها من النفقات الاستهلاكية والتشغيلية. وكمثال على ذلك.. يمكن لوزارة المالية ان تصدر تعليمات تتعهد فيه بان الدولة ستتحمل خلال فترة ما جزءاً مهماً من راتب العامل اوالموظف الذي توافق دائرته على انتقاله حقيقة الى القطاع الخاص. ويمكن في ظرف خاص ان تعمل الدولة على تحمل بعض رواتب الشباب او العاطلين ولفترة من الوقت (ورقة خاصة).. اضافة لذلك يجب العمل على توفير الامور التالية التي يعمل قانون الاستثمار ان يحققها.
أ- اجازات غير معقدة دون ان يعني ذلك اجازات مبتذلة.
ب- تسهيل تأجير اراض او تسهيل تملكها.
ت- مناطق صناعية، وتجارية وخدمية.. ومناطق حرة
ث- قروض ميسرة
ج- اعفاءات ضريبية لفترة من الوقت وغيرها من محفزات تربي على المسؤولية والانتاجية والربحية وليس على الكسل والتذرع والتعيش على الموارد العامة ليس الا.
ح- حماية وضمان المشروع ومستقبله وعدم تعريضه لهزات او قرارات ادارية او اجرائية لم يتم مناقشتها مع مسؤولي الاقتصاد بمختلف مواقعهم.
خ- التفكير جدياً بمآلات الشركات والمصانع المملوكة من الدولة. وان دراسات عديدة قد اعدت في هذه المجالات مما يقتضي الاسراع بحسم هذه المسألة بشكل مرشد وصحيح يستهدف اساساً بث الحيوية الاقتصادية والكفاءة والانتاجية في هذه المؤسسات.
3- في القطاع الاسكاني: اهمية التخطيط لقطع سكنية خارج حدود البلديات توفر مستلزات بناها الاساسية ليتم توزيعها لاحقاً على المواطنين مجاناً او باسعار رمزية وتوفير قروض ميسرة تساعد على البدء باعمال الانشاء.. وان تملك هذه الدور التي تعد لها تصاميم اساسية كحد ادنى يشترطه القانون بما يضمن توفير الشروط اللازمة والمقاومة الجيدة وان لا يصبح ملكاً للمواطن الا بعد استكمال البناء او انجاز مراحل معينة منه.
4- في السياسة المالية والمصرفية:
أ- اصدار تشريع من مجلس النواب يتضمن تدوير الميزانية الاستثمارية للوزارات في ميزانية 2006 على الاقل، عبر فتح حساب خاص يتضمن هذه الاستثمارات المرصودة والتي لم يتسن صرفها، مع الحرص على صرفها في اوجهها.
ب- اطلاق المبالغ المخصصة لتنمية الاقاليم والمحافظات وكذلك مبالغ تطوير الاهوار وغيرها من مشاريع تضمنتها موازنة 2006 او تم اقرارها لاحقاً في اطار هذه الموازنة وشمولها بـ (أ).
ج- تسوية الحسابات مع اقليم كردستان سواء ما له او ما عليه، وتنظيم العلاقة بالاتجاهين بصورة واضحة ودستورية.
د- تنفيذ السياسة المتعلقة بـ البطاقة التموينية بشكل صحيح وتدريجي. فلقد ساعدت البطاقة التموينية ولاشك –رغم الكثير من ثغراتها- العراقيين على تجاوز تلك الظروف الصعبة التي نجمت عن مرحلة الحصار. لكن التطورات الاقتصادية التي حصلت واوضاع موازنة الدولة وضرورة اعادة المياه الى مجاريها مع مراعاة اوضاع الناس الاقتصادية يتطلب تطبيق السياسة المتعلقة بهذا الموضوع والذي اعدت له اوراق ومقترحات عديدة. و قد تم الاشارة لخطوات يمكن اتخاذها في هذا المجال في مواقع عدة من هذه الورقة سواء فيما يخص النفط والمشتقات النفطية او المنتجات الزراعية او غيرهما.. فالبطاقة التموينية –رغم بعض فوائدها- هي اليوم عبء وتشوه كبيرين في عمل مجمل النظام الاقتصادي واهمية اصلاحه. وان الوصول الى علاج مدروس ومبرمج لما يحقق مصلحة العائلة العراقية من جهة خصوصاً المحدودة الدخل منها، ويخلص الاقتصاد و الدولة وموازنتها من خلل وهدر لا يمكن تصور التقدم وبناء اقتصاد حقيقي لمصلحة الشعب بدون تحقيقه. وستطرح(الورقة الخاصة) الانتقال من نظام عيني يشمل الجميع بدون تمايزات ويعتمد اساساً على البيروقراطية والعقود والاستيراد والتوزيع المعقد وغير المنتظم في مواعيده وكمياته والنوعيات غير الملائمة في الكثير من الاحيان الى نظام مباشر شفاف نقدي (كنظام مخصصات غلاء المعيشة الذي استحدث بعد الحرب الثانية)، او في بعض الحالات والمناطق نظام عيني او مختلط او تخفيفاً من اعباء او منحاً لامتيازات وتسهيلات. نظام يعرف اصحاب الحاجة الحقيقية ويذهب مباشرة بدون الكثير من الوسطاء والعقود الى ضمان مستويات معيشة العائلة العراقية والى توفير الاموال لصرفها نقداً او عيناً في مجالات الاعانة الحقيقية وتوفير فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة والاعمار والاستثمار ولتطوير الحركة الاقتصادية والتجارة الداخلية والانتاج الوطني وسد الابواب امام مصادر الفساد والرشوة والمافيات والعقود الفاسدة والعبث بارزاق وقوت ومصالح الناس والبلاد.
ه- امتصاص اكبر كمية ممكنة من السيولة النقدية في مسعى دؤوب للسيطرة على التضخم وباستخدام كل الوسائل الممكنة التي تقف على رأسها حل الاختناقات في جانب عرض السلع خصوصاً الاستراتيجية منها كالنفط والغاز والبنزين وضغطها (الاختناقات) على اسعار المستهلك. وكذلك الضغط لامتصاص السيولات النقدية التي تبقى خارج الدورة المصرفية والاستثمارية والتي تقدر بربع او ثلث المعروض النقدي (2-3 تريليون دينار من مجموع قد يصل الى 9-10 تريليون دينار) و التي يسببها ضعف النظام المصرفي، نقول السعي الى امتصاصها بشتى الضمانات والمحفزات والتسهيلات، وهي من الاسباب الاساسية اضافة لاختناقات جانب العرض السلعي ودمار النشاطات الاقتصادية من المرحلة الماضية وعدم انطلاقها في المرحلة الجديدة وارتفاع معدلات التضخم خصوصاً منذ الحرب العراقية الايرانية، ثم بسبب سياسات الاصدار التضخمي والانفاق بالعجز خصوصاً في فترة الحصار، اضافة للعوامل الاخرى المعروفة، نقول تحويل هذه السيولة الهائلة الى ادخارات وايداعات مصرفية ومشاريع عمل حقيقية تساعد في توليد الائتمانات والاستثمارات، لتعطي لسياسات رفع الفائدة وحوالات الخزينة وبقية الادوات النقدية والمالية فاعلية التدخل الناجح للسيطرة على التشوهات الاقتصادية، كما هو حالنا مع التضخم اليوم. ان السيطرة على التضخم هو من المهام العاجلة والاساسية. فهو يشكل خطراً اساسياً في انطلاق الاقتصاد، بل في التأثير على الوضع الامني والسياسي . فعندما يفلت التضخم، ولا يسيطر على معدلاته الحالية، فانه يزيد من نقمة الناس ويدفع الى حلول غير منطقية تكلف باهضاً وتزيد من الفوضى والفلتان المدمر للنظام، اي نظام.. فالمعروف ان التضخم الذي شهدته المانيا بعد الحرب الاولى كان من اهم عوامل صعود هتلر وغيرها من تجارب عرفتها بلدان اوروبا وامريكا اللاتينية والتي كانت احد اسباب عدم استقرار تركيا لفترة طويلة، وقس على ذلك.
ز- تشجيع النظام النقدي ومؤسساته كالبنك المركزي والمصارف على تطوير انظمته خصوصاً وسائل الدفع وانظمة التسويات والقطع وفتح الاعتمادات ومنح الائتمانات، خصوصاً للاغراض الاستثمارية والاسكانية. فالمصارف باشكالها التاريخية والحديثة هي من اهم مؤسسات المجتمع لمراكمة الثروات وتوليد القيم المضافة ومحاربة الاكتناز وتحويله الى ادخارات واستثمارات. لا يمكن في الاقتصاديات الحديثة انطلاق الاقتصاد حقيقة دون ان تأخذ المصارف دورها الناشط والفاعل.
ح- الاهتمام بالسياسة المالية وادواتها الرئيسية كالضرائب المباشرة وغير المباشرة واسواق الاوراق المالية وغيرها من مؤسسات وادوات.. فتحقق الاصلاح الاقتصادي سيعني في النهاية الانتقال من الدولة الريعية واقتصاد الدولة، الى المجتمع الضريبي والدولة الضريبية. فالمواطن والشعب هو الذي يعيل الدولة وليس العكس، وعندما تعود الامور الى نصابها الحقيقي، فان اسس العدالة والديمقراطية يمكن ان تجد لها مستقرات تربوية ومؤسساتية. وسيصبح مفهوم المواطنة مغروساً في العقل الجمعي والفردي للمجتمع وفي سلوكه وتراتبيات بناه، وليس منة او فضلاً من احد. ومن الخطأ التصور بان الاوضاع السياسية او الامنية تمنع كلياً من استحصال الضرائب او اشكال معينة منها.. على العكس يمكن البدء بتحقيق ذلك شريطة تغيير التربيات والخلفيات، فاذا حصل ذلك فان الوسائل والتكيف مع الظروف ستكون مسألة فنية يمكن ايجاد العلاجات اللازمة لها، ليس الا.
5- في السياسات الخارجية: اضافة للقوانين والسياسات الاخرى.
أ- العهد الدولي
ب- الدول المانحة
ج- متابعة وتعزيز سياسة التخلص من الديون ومتابعة ملف الديون الخليجية وحسمها باعتبارها اخر الملفات المتعلقة بهذا الموضوع. وانهاء مسألة التعويضات وتسوية كافة هذه المشاكل والاستفادة من الظروف الجيدة والعلاقات المتطورة مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبقية المؤسسات المالية لحسم هذه الموضوعات العالقة.
د- استخدام الساحة الدولية لحل مشكلات اقتصادية داخلية.. كشراء او استئجار مصافي متوقفة عن العمل وتزويدها بالخام العراقي لتوفير المشتقات النفطية. او غيرها من استثمارات تنفع الان في حل مشكلة العراق من جهة وقد تولد له بعض الاستثمارات الخارجية التي لن تكون مضرة في كل الاحوال.ٍ
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
المصدر : موقع المجلس الاعلى الاسلامي العراقي
https://telegram.me/buratha