( بقلم : طالب الوحيلي )
ما كدنا ننسى وقع الكارثة اليومية حين تبصر أعيننا صور فاجعة هدم القبة الذهبية للروضة العسكرية المقدسة ،بما كان يعنيه ذلك من عدوان فاحش وصارخ على القيم الإنسانية والروحية ، حتى اكملت بفاجعة اكثر ايلاما واثرا ،فالجريمة الاولى اذ وقعت قبل اكثر من عام استمر وقعها المؤلم مع بقاء هذه الروضة الشريفة أسيرة بيد قوى الإرهاب، وهي تعكس صورة الخراب على بقايا مشهد طالما اخذ النفوس بجماله وقدسيته ،حتى كان الجميع يعتبر تلك الجريمة استهداف للحضارة الانسانية ،ولكن الواقع ان الجرح لا يؤلم الا صاحبه ،واذا تباكى الطائفيون ممن أحاط بهذه الروضة المغتصبة من قبلهم ظلما وعدوانا وكأتهم يتبنون عاطفة التماسيح حين تذرف دموعا وقحة وهي تلوك ضحيتها ،فان تباكيهم لا يعني شيئا لإتباع مذهب اهل البيت الذين يعرفون قيمة الإمامين العسكريين (ع) حقيقة وحكما وعمقا وبعدا ،ومع ذلك تسامت المرجعية الدينية العليا على الجرح واحتسبت ذلك كما يحتسب سيد الشهداء ضحايا واقعة الطف الخالدة ،وموقف المرجعية منطلق من التصدي للمغزى الخبيث الذي يعنيه جرم كهذا حيث القصد الجلي في تعميق الجراح وإشعال الفتنة الطائفية العمياء ،لكن الموقف المقابل قد تأرجح بين انصياع قبيح للتصعيد الإرهابي ليطال الأسر الآمنة من أتباع مذهب أهل البيت في مناطق الكرخ ومحيط بغداد وديالى وصلاح الدين والانبار ،وبين مواقف سياسية مغرقة في أساليب تمييع الحقائق وعكسها ليكون موارب للحق ومنافق حد التحول الى الناطق باسم الزمر التكفيرية وان يقنع قوات المتعددة الجنسيات بانه وجماعاته هم المظلومون وقد اعتقد بعض إعلاميو الولايات المتحدة بان غرب بغداد واقعة تحت حملة تطهير طائفي !!وقد مرت ذكريات هذه الفاجعة قبل أشهر ،ودعوات كبيرة من قبل المرجعيات الدينية والسياسية بان يؤمن الطريق لغرض وصول زوار هذه الروضة من كافة أنحاء العراق، أملا في مد جسور التواصل مع البعض وتعاضد الجميع من اجل إعادة بناء هذا الصرح، ما دام الجميع يدعي بانه ملك للجميع وليس لطائفة او مذهب معين،وكانت الأعين والأسماع تتجه بلا شك للحكومة وللقوى الدولية علها تبكر في القيام بحملة البناء ،بعد ان يأس المواطن العراقي من معرفة نتائج التحقيق وتقديم الجناة ومن كان يدعمهم الى القضاء العادل ،فيما خرجت منها الجهات المشرفة على ادارة هذه العتبة المقدسة مثل الذئب من دم يوسف ،حيث لم يساءل احد منهم عن التقصير في توفير حماية حقيقية لمكان مهدد اصلا من قبل قوى التكفير المحلي والدولي حيث مازالت الى الآن فتاوى مشايخ السعودية وبعض دول الجوار تدعو زمرها العائثة في العراق الفساد بتصعيد حملتها التهديمية ضد الروضة العسكرية وبقية العتبات المقدسة في بغداد وكربلاء والنجف المقدستين..قد لا يغيب عن بال مراقب ان تمتد أيادي الطغيان الإرهابي الصدامي والتكفيري الى منارتي هذه الروضة وبقية هذا الصرح ،فلا مانع أمامها أصلا من ارتكاب أي فاحشة ما ظهر منها وما بطن ،مادامت لها مصادر دعم عربي اكبر من الدعم الذي تتلقاه حكومتنا المنتخبة من قبل حلفائها ،ناهيك عن العراقيل التي تعاني منها بسبب انعدام الولاء لها من قبل بعض الكتل المشاركة فيها وتآمرها المعلن لإحباطها او الانقلاب عليها ،وقد وقعت كارثة هدم المنارتين الفريدتين في جمالهما وروعتهما على أعتاب ذلك التآمر لكي تحرق ما تبقى من جذور التواصل او تحرق المراحل ..وكان طبيعيا ان يمر حدث جلل كهذا دون ان ترف للحكام العرب وشعوبهم طرفة عين من حزن او شجن او مواساة وهم راضون فعلا لما جرى كونهم طرف كبير في اضطراب الامن في العراق..نحن مازلنا لم نغادر عادة الرثاء والبكاء على ضحايانا ،وهذه كارثة سامراء تطبق علينا من جديد فتضيف لأحزاننا حزنا سرمديا ،فهل من مزيد؟!!
https://telegram.me/buratha