( بقلم : بشرى أمير الخزرجي )
الغربة... هذه الكلمة الثقيلة على مسمعي لا أطيقها، قالتها صديقتي في بداية التسعينات عندما اخترنا ان نهاجر في ارض الله عملا بالآية الكريمة: "ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها". النساء: 97قلت نعم الغربة مجهول، أرض جديدة وأناس غرباء لا افقه لغتهم؟ قالت لا بأس عليكِ..تهون.قلت لكن وطني أمي وأبي.قالت لنا الله ولكل مغترب عن وطنه، كان أمثالنا قله يبحثون عن أي شخص يدلهم على مسلم أو عربي يواسيهم.. كأنه يوم الوحشة حيث القلوب لدى الحناجر.دارت الأيام ثم الأشهر والسنين عشناها بحلوها ومرها، كنت خلالها قد تعرفت على الكثير ومن كل سقاء الأرض من ضمنهم صديقتي وجارتي العراقية من مدينة السلام بغداد هي تكبرني بسنوات عدة، لكن قلبها الفياض حبا وحنانا جعلها صبية بعمر الزهور، كنا نتجالس ونتحادث من وقت لأخر على مائدة تعدها لنا من أشهى وألذ الأطباق العراقية الشهيرة الدولمه، الكبة وغيرها.. بروح ملئها الكرم البغدادي الأصيل، هذه المرأة التي قضت معظم حياتها في الغربة حتى أصبح أبناؤها شبانا كانت تتغنى بحب العراق وتشارك بكل شيء يمس العراق من ندوات الى مظاهرات وو.. متمنية اليوم الذي تشهد فيه خلاص العراق العظيم من بطش الزمرة البعثية الصدامية القميئة.ثم جاء يوم سقوط صنم العراق فرحت والدموع تملأ مقلتيها، كما فرحنا وفرح جميع العراقيين في المهجر واستبشروا خيرا.. الحمد لله: قالتها من كل قلبها، تخلص اهلنا ووطننا من الطاغية الذي جلب العار والدمار وبسببه هجرنا وهاجرنا من بلد الى بلد.. يا إلهي إنك تمهل ولا تهمل .. صديقتي هذه انتظرت اليوم الذي تلتقي فيه عائلتها.. أمها المريضة وأخوتها الذين لم ترهم منذ عقود! لكن .. هل الأيام ستمهلها؟
لقد أصيبت بذلك المرض الخبيث الذي لا يرحم.. كانت تخشى ان لا يسعفها الوقت كي ترى والدتها وترتمي بأحضانها لتشتكي لها ظلم الغربة وقساوتها، لم تكن تعلم ان الموت اقرب لها منها، جاء سريعا كلمح البصر خطفها وغاب وظل جسدها العليل حبيس الغربة حيث مدفن الغرباء هنا في لندن الذي يضم في جنبات مقابره عراقا صغيراً من كل الأعراق والأديان والمذاهب.. والروح في عليائها تندب جراح الوطن راجية من الله ان يحميه من جور الجائرين وكيد الحاقدين.
https://telegram.me/buratha