( بقلم : طالب الوحيلي )
رافق نشوء الحركة السياسية في العراق العديد من التكتلات العفوية او الموضوعية ،وقد اتصفت جميعها بقصر عمرها نظرا لطبيعة تكوينها والأهداف التي أسست من اجل تحقيقها ،في تحالفات تكتيكية سرعان ما انتهت بنتائج غير منطقية كانت الغلبة فيها للقوى المضادة لحركة الشعب العراقي ،لتتناوب على حكم الأغلبية فئات طائفية او قومية اصطبغت أنظمة حكمها بالتهميش للآخر و الدكتاتورية والتصفيات الجسدية والفكرية ،ولعل اشهر اللاعبين بهذا الميدان هو حزب البعث ،فقد اختبأ منذ نشوئه في العراق بدهاليز جبهة الاتحاد الوطني ليكون الوحش الكاسر لحلفائه بعد ان تمكن من استثمار مفردات الساحة العراقية التي تراوحت بين السعي الديمقراطي لبناء النظام الجمهوري وبين التراخي أمام خصوم أعلنوا مشروعهم الدموي للإطاحة بحكومة عبد الكريم قاسم الذي ركن الى العفو والمسامحة ،فيما كان الدور الإقليمي العربي قد مد مخالبه في الجسد العراقي من شماله الى جنوبه ،حيث لن ينسى التأريخ مواقف جمال عبد الناصر المعلنة في التآمر مع القوميين والبعثيين للإطاحة بحكومة قاسم ،فكانت بنادق البور سعيد التي صنعت خصيصا لمحاربة (الكيان الصهيوني) تمطر رصاصها على رؤوس وصدور الأبرياء في بغداد ،ولتستعر نار حرب بين شعب مسالم كان يتطلع الى عصر حكم ديمقراطي ،وبين قوى لا تعرف الا لغة القتل والتنكيل ..
التاريخ يعيد نفسه اذ يلتقي بعض أطراف الجبهة سالفة الذكر في جبهة جديدة وفي ظروف مستجدة ،حيث تمكن حزب البعث من الانقلاب على حكومة عبد الرحمن عارف ،ويفرض نفوذه على العراق بانتظار تكتيك جديد يمكنه من إزاحة خصمه الايديلوجي عبر التلويح له بنعومة جلد الأفعى وهمسها الدافئ وكأنه حزب تقدمي قبر ماضيه الدموي واستغفر الشعب عن ما ارتكبه من مجازر في أحداث الثامن من شباط 1963 ،وليلبس ثوب القدسية وان يكون مركز استقطاب للقوى الوطنية في ذلك الحين ،او كما خيل لتلك القوى وقد استغفلت تماما بتلك الطروحات لتكشف قواعدها وتبوح بإسرارها ،فتقدم كل ما أمكنها من خدمات جليلة للنظام البعثي من خلال الجبهة الوطنية التي أعلنت عام 1973 ،وقد مكّنه ذلك من تحقيق انتصارات له على حساب مصالح الشعب وكرامته وثرواته ،حتى اذا استتب له الامر ووجد في تلك الأحزاب ما يعيق رغباته الديكتاتورية على المستوى الحزبي او الفردي ،انقض على الحزب الشيوعي انقضاضا أنهى به وجود اكبر خصم له بما كان يتمتع به من قواعد شعبية مختلفة وما كان يعلنه من صدق النوايا في بناء مجتمع ديمقراطي او اشتراكي ،وهكذا لدغ هذا الحزب من جحر مرتين!!
قد يتجاهل البرغماتيون حجم ومستوى حزب البعث سواء كان في ماضيه الدموي او في حاضره وهو يبحث جادا في المسير صوب مراكزه التي انتزعت منه اثر تحرير العراق من حكمه الذي استمر أكثر من خمسة وثلاثين عاما كانت تكفي لجعله محصنا من الاختراق العقائدي ،او تمييع هويته الايديلوجية برغم ما أصابته من ضربات شديدة أدت به ليكون أكثر من حزب واحد وقيادة موحدة ،فقد تجّذر ليخترق الآخرين ،وليحرق المراحل مقابل ذهول جميع خصومه التاريخيين ..لعل ذلك مدح لا يستحقه حزب كهذا وقد تمرس في قتل الملايين خدمة لأصنامه ،فيملا ارض وادي الرافدين بالمقابر الجماعية ويذيب أجساد الآلاف بالأسلحة الكيمياوية او بغيرها ،تاركا ملايين الأبرياء بين يتيم او مرملة او معاق او ميت كمدا على ولده ،واذا كانت ثمة جرائم لا يتخيلها عقل فان أبشعها الحروب التي انهزم بها عبر سني حكمه أورثت المجتمع العراقي الكثير من المحن والمآزق كان أتعسها تسليم العراق دون جهد لقوات التحالف الدولي عام 2003(فمن ملك البلاد بغير حرب ....هان عليه تسليم البلاد) ،وذلك ما ينبغي على كل حر شريف في الأرض ان يحاكمه كحزب وليس كنظام ،لان النظام قد انتهى بسقوط حاكمه ،ومن ثم إعدامه ،لكن الجرائم الأشد بشاعة هي ما يقوم به هذا الحزب من خراب بقيادته الزمر الإرهابية واستقطاب التكفير العالمي ،وكل ذلك عبر أجندة كانت قد أعدت سلفا وهي في طور التنفيذ والتطوير لكي يجمع خيوط اللعبة بيديه بدعم ذات القوى التي أوصلته للحكم في التجربتين السابقتين،أي الأنظمة العربية والولايات المتحدة والظروف الموضوعية في الداخل التي تتحكم بها عناصر عديدة أهمها قوات الاحتلال ورغباتها الشاذة في تحقيق مصالحة بين الذئب و..ضحاياه !!ولعبها على وتيرة قانون وضعه بريمر ليتحول من قانون اجتثاث الى قانون رعاية البعث ،حيث إن أول المعارضين لهذا الاجتثاث هي الكتل البرلمانية التي ادعت تمثيلها لطائفة العرب السنة ،معتبرة هذا القانون هو اجتثاث لهذه الطائفة العراقية المهمة ،وبذلك فهم يحملون وزر جرائم حزب البعث على عاتق أبناء شعبنا من تلك الطائفة وهي بريئة قطعا من صدام وجرائمه ،بل مازالت روح محمد عايش وعبد الخالق السامرائي ومحمد محجوب وعدنان الحمداني وشفيق الكمالي وطاهر عبد الرشيد ومحمد مظلوم الدليمي والمئات من ابناء شعبنا من هذا المذهب او ذاك تطالب بالقصاص العادل من الحزب الذي قتلها ،تلك الكتل نسيت او تناست ان هذا الحزب قد ضم الملايين من الطوائف الأخرى او من القومية الكردية او غيرها وهم الأولى بالاجتثاث وقد طبق بحقهم هذا القانون دون سواهم ،فيما يعمل بقايا ذلك النظام ممن لم يشملهم الاجتثاث على إشاعة الفساد وتقديم الخدمات الى قوى الإرهاب من اجل تقويض العملية السياسية وإجهاض الحكومة المنتخبة من قبل الشعب العراقي الذي تمنى ان يختار حكومته بنفسه وهي اقل أمنية ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها من تحقيقها لا عرقلتها وغض النظر عن المتآمرين والمراهنين على إفشالها ،ليخلو لهم الجو فيما بعد للتأسيس للحكم الديكتاتوري ،على فرض ما يعيشه المواطن العراقي من قنوط بسبب الإخفاقات الكثيرة التي رافقت كافة الملفات ،ومنها حكومة المحاصصة وغيرها مما ساهم به قادة وأعضاء بعض الكتل البرلمانية التي ترفل في أحضان الأنظمة العربية وهي تأمل كثيرا في تحقيق مشاريعها التآمرية لإقامة حكومة دكتاتورية تحت مسميات الإنقاذ او الاصطفافات الغير طائفية ،او تصحيح الوضع الطائفي للحكومة على حد وصف رئيس إحدى الكتل،او ما أدلت به صحيفة لوس أنجلوس تايمز مؤخرا أن سياسيين منافسين للمالكي ، يبذلون كل ما في وسعهم لانتهاز فرصة وتمني فشل خطة فرض القانون للوصول للسلطة، وتشهد على ذلك الاجتماعات المتواصلة بين بعض الكتل السياسية لتحقيق هذا الهدف.وتؤكد الصحيفة أن كتلة (علاوي) تواصل حشد المؤيدين لإنشاء جبهة عريضة تضم المناوئين لحكومة المالكي، وكان الرئيس الطالباني ورئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني قد اجتمعا الاحد الماضي للتباحث حول القضايا المهمة على الساحة العراقية وفي ختام الاجتماع أصدر الزعيمان الكرديان بيانا شجبا فيه موقف تلك الجهات وشخصيات عربية وكردية وصفها البيان بخونة تاريخيين للشعب الكردي من أيتام صدام. وقال البيان الذي اصدره المكتبين السياسيين للإتحاد الوطني الكردستاني والحزب الوطني الكردستاني إذ يشجبان هذا العمل الإنشقاقي يناشدان الخيريين في الحزب الإسلامي والقائمة العراقية والإتحاد الكردي الإسلامي العودة إلى صف التحالف العريض والانسحاب من هذه الجبهة السياسية المشبوهة، وأضاف البيان أن اجتماع القاهرة الذي دبرته مخابرات دول أجنبية تمخض عنه جبهة سياسية تعادي المسيرة الديموقراطية للشعب العراقي وتسعى إلى نسف منجزاته الدستورية. واعتبر البيان تشكيل هذه الجبهة تكريسا لطائفية بغيضة وعنصرية شوفينية عندما تتجاهل الأكثرية الشيعية وقوى الشعب الكردي الوطنية. وكان موقع صوت كردستان قد نشر مقالا افتتاحيا تحت عنوان ( صراع الهويات و اصطفافات جديدة في العراق ) حيث قال في ضوء الأخبار الواردة من القاهرة التي لا تريد أن تتخلى عن دورها السلبي بتدخلها في الشأن العراقي منذ الإعلان عن الجمهورية الأولى في العراق بعد ثورة 14 تموز عام 1958 وما تبعها من مؤامرات كانت تستهدف الشعب العراقي من خلال الثورة و زعيمها عبد الكريم قاسم ، فقد تم الإعلان عن جبهة جديدة هدفها إسقاط حكومة المالكي المنتخبة بشكل ديمقراطي ودستوري و إفراغ المحتوى الديمقراطي للدستور العراقي الدائم والذي صوت عليه غالبية مكونات الشعب العراقي الأثنية والدينية والمذهبية.....ومادام صار اللعب على المكشوف فهل يلدغ المؤمن من جحر مرتين؟!! سؤال على أولي الأمر الإجابة عليه والا فلات وقت جواب!!!!!!!!!
https://telegram.me/buratha