( بقلم : د. حامد العطية )
ألصق النظام البعثي البائد بنا نحن الشيعة تهماً ونعوت باطلة، القصد منها إقصاءنا من المجتمع العراقي واعتبارنا دخلاء على العروبة والإسلام، فكان يحلو له ولأتباعه تسمية الشيعة بالمجوس عبدة النار وارجاع أصلهم إلى الزط من الهنود، ويلجأ ورثة صدام من السنة الإرهابيين وبقايا البعث إلى الأساليب ذاتها في تبرير جرائم القتل الجماعي والتهجير التي يمارسونها بحق الشيعة، وعندما يكون عدوك عديم الضمير والأخلاق وذي أهداف خسيسة فلا تعجب من انحطاط وسائله، لذا فلا يموه على هذه الحقائق الواضحة عن أعداء الشيعة أحد إلا المتواطؤ معهم أو السذج منا، أما أن يعمد زمرة من الشيعة إلى إقصاء أخوانهم في الملة بقصد النفع الشخصي فهي جريمة لا تغتفر، وأنا اتهم بذلك موظفي الحكومة المرتشين الذين يقطعون أرزاقنا ويحرموننا من حقوقنا.لا فرق في نظري بين سني طائفي يصفني بالصفوية وبين موظف حكومي يحرمني من حق دستوري أوقانوني إن لم أدفع له رشوة، فالإثنان يهدفان لاستلاب حقوق المواطنة مني، بل أن فعل الموظف الحكومي أشد ضرراً وإيلاماً، لأن ما يكتفي الطائفي بالتفوه به أحياناً من وصفي بالصفوية يطبقه الموظف الحكومي بالفعل، لذا فالإثنان عندي بمنزلة واحدة، وهما عدوان لدودان لي ولأمثالي من المواطنين فاقدي القوة والتأثير.
أنتمائي للعدالة والحق فقط، ومنذ 1982م هجرت عراق البعث، ولم أتلوث والحمد لله بالانضمام لحزب الرذيلة والعهر، حزب البعث البائد، على عكس سبعة ملا يين من العراقيين القتلة والمتواطئين معهم والمنافقين المتملقين والجبناء، وتحملت الغربة ربع قرن من الزمن، فلا ناصر ولا معين إلا الله نعم المولى ونعم النصير، اصطبرت فيها على ضيق العيش ومرارة الحرمان، فلم أهن نفسي بمد كفي لحكومة عربية أو غير عربية، ولم أخن مبادئي بالعمل لحساب مخابرات أجنبية، ولم اقبض من حزب ثمن الانتماء إليه.
احتفظت وساحتفظ بجنسيتي العراقية ولو اضطهدني جميع العراقيين قاطبة، وبالأمس فقط رفضت عرضاً من أمير سعودي بمساعدتي في الحصول على جنسية بلاده، لأني لن أفرط بجنسيتي العراقية أبداً، كما لست من الذين يتاجرون بقيمهم ومبادئهم ولو كان الثمن كل ريالات آل سعود، وقد سبق وأن بينت موقفي من هذه الحثالة المعادية للحق والعدالة والعميلة للاستكبار العالمي.
منذ حوالي ربع قرن وأنا بدون جواز سفر عراقي، وبالتحديد منذ أن أقدم موظفو السفارة العراقية في لندن على إلغاءه وقص أطراف صفحاته، وبالأمس عندما أردت تجديد جوازات سفر أولادي المنقضية صلاحيتها منذ أمد بعيد طلبوا مني استخراج شهادات جنسية لهم، وكيف يتسنى لي ذلك ونحن نعيش غربة قاتلة كل هذه السنين والعراق لا أمن فيه؟ وكيف اقنعهم بأن بلدهم الحبيب بانتظار عودتنا من الغربة، وبأنهم سيتمتعون في ربوعه بالحقوق ورفاهة العيش وموظفو الحكومة المنتخبة يرفضون منحهم جوازات سفر بدلاً من المنقضية صلاحيتها؟ ارتضى الكثير من العراقيين المقيمين في الخارج التجاوز على إجراءات الحكومة اللاموضوعية واللامنصفة بدفع رشوات لموظفي الأحوال المدنية مقابل استخراج شهادات جنسية لأولادهم، وإذا كان هؤلاء يدفعون بمبدأ الضرورات تبيح المحرمات فهل هذا مباح في نظر المراجع الدينية والقيادات السياسية أيضاً؟ وهل المطلوب أن نشترك جميعاً من خلال دفع أو قبض الرشى في تخريب مؤسساتنا وتأخير مسيرة التطور في بلدنا؟ القاعدة الشرعية في دين الإسلام أن لعنة الله على الراشي والمرتشي، فهل تغير هذا الحكم؟ ولم السكوت على المرتشين يا أيها الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وقد ضجت الناس بالشكوى منهم؟
ومن قبل هجرتي الطوعية من العراق دأب أقاربي على استلاب حقوقي في أرض زراعية في منطقة الشامية، ثم سقطت حكومة البعث واستلمت الحكم الجماعات الدينية التي أشترك معها في الملة، والبعض من قادتها يعرفني ولو من بعيد أيام الغربة القسرية في سوريا، ويعلم جيداً بأني لم أتذلل يوماً لضابط مخابرات ولم أنضم لجماعة مدسوسة على المعارضة مثل حركة الوفاق مقابل ريالات معدودة يمدها بهم آل سعود الأبالسة، والشيخ خالد العطية النائب الأول لرئيس البرلمان شاهد على ذلك، واستبشرت خيراً باسترجاع حقوقي من الذين كانوا يتعبدون في محراب صدام من أقاربي القبليين، فكانت المفاجأة المؤلمة أن يصبح أتباع صدام بالأمس مقربين لدى حكومة الائتلاف ويمضون غير آبهين بحق أو عدل في اغتصاب حقوقي المشروعة، فما قيمة أن يأتي شيعي إلى الحكم إن لم يحكم بالعدل والإنصاف؟
لست متظلماً من الإرهابيين والطائفيين وأعوانهم، فهؤلاء أمرهم مفضوح، ولا أتوقع منهم تغيير خطابهم العنصري الطائفي، حتى يأتيهم العقاب الرباني على أيدي غيارى الشيعة قريباً، ولكن أن يعاملني موظفو السفارات العراقية التي لا تزال موبوءة بالبعثيين وبالمحسوبين والمنسوبين على رجال الحكومة وبيروقراطيو دائرة الأحوال المدنية التابعة لحكومة السيد المالكي المدعومة بالائتلاف الوطني المنتخب بمباركة المرجعية وأن يستلب حقوقي أيتام صدام من أقاربي وكأني صفوي أو غريب على هذه البلاد جريمة لا يمكن السكوت عليها ولا على الساكتين عليها.
يقر المسؤولون الحكوميون بعجزهم عن استئصال الإرهاب بسبب سيطرة الأمريكان على الملف الأمني فهل الأمريكان يحظرون على الحكومة معالجة الفساد الإداري أيضاً؟ والفساد الإداري في نظري لا يقل خطراً على الكيان العراقي ومستقبله من الإرهاب، فالإرهاب مثل وباء الملاريا، وعلاجه الأمثل في الوقاية منه بتجفيف مستنقعات تفريخه وحضانته، وهي ليست بخافية على أحد، ولو تخلصنا من الوصاية الأمريكية لأمكن لحكومة فاعلة التعامل بحزم مع الإرهابيين وأعوانهم، وتكفي ستة أشهر لاستئصال هذه العلة، أما الفساد الإداري فهو أشبه بالسرطان، إذا استشرى فلن يفيده كي أو بتر، وستكون نتائجه وبالاً على كل العراقيين.
لن يحل القضاء على الفساد الإداري مشكلة الإرهاب، ولكن الحزم في التعامل مع الاثنين مطلوب، وعلى حد سواء، وبدون حزم تضيع هيبة الحكومة ويستهين الفرد غير المنضبط ذاتياً بسلطتها، وعندما تلمس العصابات الإرهابية والإجرامية حزم الحكومة في تصديها للفساد الإداري فستتردد طويلاً قبل استمرارها في غيها، ويحضرني في هذا الموقف بيت شعر لعنترة بن شداد العبسي، لا أتذكر نصه، يصف فيه فتكه بالضعفاء من أعداءه حتى يخافه ويهابه الأقوياء منهم.
أقول للحكومة العراقية والأحزاب المنضوية فيها وأعضاء برلمانها إذا لم تضربوا على يد هؤلاء المرتشين واللصوص المفسدين الذين يبتزون منا نحن العراقيين الرشاوى ثمناً للحصول على حقوق ضمنها لنا الدستور والقانون وإن لم تعيدوا للمظلومين من المهاجرين والمهجرين حقوقهم المغصوبة فأنتم في حكم الساكتين عن الحق، وصمتكم على هذا الظلم الفادح هو رسالة منكم لي بأني صفوي، وليكن فلن ينتقص ذلك من انتمائي للعراق، ولكن سيحق لنا نحن"الصفويين" العمل على تأسيس دولتنا الصفوية على كل أرض العراق، على الرغم من أنوف الإرهابيين والساكتين عن الحق.
https://telegram.me/buratha