المقالات

العراق...حكم الاغلبية وطمأنة الاقلية

1592 01:12:00 2007-06-10

( بقلم : حسين الخزعلي )

يشير الكاتب الاجتماعي الكبير الدكتور علي الوردي رحمه الله في اكثر من كتاب الى ان العراق يتعرض وبشكل دائم الى غزوات وموجات بدوية تأتيه من الغرب وهذه ظاهرة مطردة ومتكررة ويعزو هذا الرجل السبب الى كون العراق ارضا منخفضة وسهل زراعي كبير وذو خيرات طبيعية عظيمة تجعل منه مطمعا وهدفا للغزاة والمحتلين اللذين يستوطنون فيه بين فترة واخرى.

ونقول ان العراق لم يكن مطمعا للغزوات البدوية الغربية فقط فالتاريخ والكل يعرف بان العراق يتلقى الغزوات من كل الاتجاهات وفي كل الازمان ولم تبقى حضارة او قوة عسكرية في تاريخ العالم الا وغزت ذلك البلد. كما اننا لم نشهد في تاريخ الغزوات والجيوش التي زحفت الى العراق وبغداد اي فشل في الغزو و الاقتحام والاستيطان فكل الغزوات قد كتب لها النجاح والاستقرار وحققت ماربها ومطامعها في العراق, وكذلك لم نسمع ان الشعب العراقي قد وحد صفه في كتله واحدة لمقاومة محتل او غاز ولكي لانكون جاحدين في هذا التشخيص فلابد لنا ان نذكر ثورة العشرين ابان الاحتلال البرطاني للعراق وعلى الرغم من كونها كانت ثورة ضد محتل الا انها لم تكن ثورة لكل العراقيين بل انها ثورة اقتصرت وبالشواهد التاريخية على طبقة او مذهب معين ومناطق محددة في الجغرافية العراقية حتى ان هذه الثورة لم تمتد على كل الارض الشيعية في العراق فلقد اقتصرت على الفرات الاوسط وجنوبه ولم تمتد الى عشائر دجله الشيعية الى الشرق من العراق وهذا ماتؤكده الوثائق.

اذا سلمنا مع الدكتور المرحوم الوردي في ان السبب في استهداف العراق من قبل الغزاة هو كونه ارضا خصبة وذو خيرات عظيمة وهو سبب وجيه طبعا واضفنا له سببا اخر وهو ان العراقيين غير موحدين تجاه اي غزو يرد بلدهم مما يجعلهم عرضه للتدخل الاجنبي, نكون بذلك قد شخصنا المشكله. وبأعتقادي ان مشكلة عدم توحد الصف العراقي تجاه الغزاة والطامعين وعدم وضوح الرؤى الوطنية لدى مكونات الشعب العراقي هي مشكلة بحاجة الى تشخيص وتحليل للاسباب والعلل وهي جديرة باهتمام الباحثين بالشان العراقي .

ان الشعب العراقي مكون كما هو معروف من نسيج ملون من الطوائف والاثنيات فهناك المسلمين مقسمين الى سنة وشيعة وهناك القوميات من عرب واكراد وتركمان وغيرهم وهناك المسيح والصابئه والايزدين وباقي الاديان والنحل وهكذا. وهذه الاثنيات والطوائف كما هي موجودة في العراق فانها ممتدة الى البلدان المتاخمة له فتاثر وتتاثر بها فهنا يتوزع الميول والولاء لدى الطائفة او المكون فعلى سبيل المثال يتاثر الكردي ويتفاعل لما يحدث للاكراد في تركيا وكذلك التركماني مع الاتراك هناك كما ان العربي يتاثر ويؤثر بما يحدث في البلدان العربية وكذا الشيعي بما يحدث في ايران او لبنان او البحرين وهكذا.

اذن هناك حالة من الشد الى الخارج العراقي من قبل الطوائف والمذاهب المتشابهة وحالة الشد هذه تؤثر وتضعف بالضرورة من حالة الجذب الى الداخل الوطني -اذا صح التعبير-.  لقد تاثر العراق في تاريخه الحديث كثيرا من جراء هذا الشد والتاثر بالخارج العراقي وشهدنا مااسميه بالحماقات لبعض من مدعي القومية العربية ودفع العراق ثمن باهض من مال وشباب وخسران لعلاقات دولية كانت قد تعود بالفائدة على العراق وشعبه ولازال وللاسف هذا التوجه قائم ونشهد الكثير من ذلك في ايامنا هذه منذ سقوط النظام البائد ولحد الان فلقد تحول البعض من السياسين العراقيين وللاسف الشديد الى سفراء بالنيابة لبعض الدول العربية واخذوا يمثلون اجندة خاصة بهذه البلدان غير مهتمين بمصالح شعبهم وقد دخل العراق من جراء هذه الحماقات القومية في صراعات داخلية بين الطوائف نفسها ولازال يخسر الدماء من شعبه المسكين بسبب سفارة هؤلاء اللذين شدهم الخارج العراقي فأضعف عندهم حالة الجذب الى الداخل الوطني. انها المشكلة وهي مشكلة الشد الى الخارج العراقي او مشكلة السفارة بالنيابة سمها ماشئت, هذه الحالة واستفحالها وعلى مر التاريخ اضعفت الحس الوطني لدى الكثير من العراقيين وهي مشكلة اساسية في تمزيق النسيج العراقي على مد تاريخه فما لم تحل تلك المشكلة فان حالة الجذب الى الداخل الوطني ستبقى ضعيفة وهشة مما يبقي حالة الاحساس بالمواطنة ضعيفة وبالنتيجة سيكون الوطن لقمة سائغة وسهلة في فم الغزاة والطامعين والمتربصين.

جدير بالذكر ان مشكلة الشد الى الخارج العراقي تتعزز وتقوى دائما لدى الاقليات وهذا متوقع كون الاقليات لديها احساس بالقلق والخوف دائما من الاغلب المستبد الذي قد يسلبها حقها في المواطنة ورغيد العيش ,فيتكون لديها احساس بالضعف امام عملاق الاغلبية مما يدفعها الى الاستعانة بالخارج الشريك في الدم او المذهب او المعتقد. اما الاغلبية فيتعزز لديها العكس وهو الدافع الوطني اكثر من غيرها والسبب واضح لانها تجد نفسها الاكثر في الانتشار والوجود على ارض الوطن ويتولد لديها حس الملك والغلبة والامان والنفوذ المتحقق من خلال الكثرة العددية فيمنحها القوة ومن هذه القوة تتولد قوة الانجذاب الى الداخل الوطني فيضعف لديها الشد الى الخارج او ينتفي احيانا.

ان مايحدث في العراق من مشاكل سياسية كبيرة الان هو مرده الى حالة من الصراع بين انشداد الى الخارج العراقي المتولدة لدى السنه العرب الاقلية في العراق وحالة الجذب الى الداخل الوطني ونتج كل ذلك من حالة عدم الاطمئنان والتي تولدت لدى السنه العرب الاقلية من جراء سيطرة الاغلبية الشيعية العربية في العراق بشكل مفاجئ, وهي حالة لم تألفها السنة العرب في العراق قط وباتت متخوفه منها جدا. ان وضع العراق السابق ابان تسلط دكتاتورية البعث لم يكن بالوضع الطبيعي والمنصف لطبيعة الاشياء والحقيقة ان هذا الوضع لم يوجده البعثيون وانما هو موجود منذ القدم وبالتحديد من تاريخ الامويين الا ان البعثيين عززوه واعادوا مجده فلقد سلط البعثيون الاقلية السنية العربية على الاغلبية الشيعية ولسنا بصدد الشرح التاريخي لهذه المشكلة ولكن نوردها على سبيل التذكير فقط .

ان من الانصاف والديمقراطية ان تحكم الاغلبية البلد شريطة ان لاتبخس حق الاقلية باي حال من الاحوال وهذا ماجرت عليه الامم الديمقراطية الا ان الدول العربية لم تجد سبيلا الى الديمقراطية بسبب ظاهرة حكم الحزب الواحد او التسلط العائلي للحكم وظاهرة التوريث . ان من واجب الاغلبية التي تحكم العراق حاليا ان تزيل هذا التخوف الحاصل لدى الاقلية المحكومة والازالة يجب ان تتم على كل الاصعدة فمثلا يجب على الاكثرية ان تشرك الاقلية في الحكم بحسب النسبة التي تشكلها الاقلية في المكون الاجتماعي للبلد وكذلك يجب ان توضع ضمانات دستورية لحقوق الاقلية بما يحفظ لها الحق في ممارسات شعائرها وطقوسها والى غير ذلك من معتقدات وعلى ان لا تسلب حقوقها في المواطنة وحق العمل في اجهزة الدولة وان لاتشيع حالة التماييز بين الاغلبية والاقلية فالكل عراقي ويحمل الجنسية العراقية ويحق للكل ان يجد فرصته في تحقيق مستقبله ووجوده ....الخ. ان توفير هكذا مطمئنات للاقلية سيعزز لديها حالة الانجذاب للداخل الوطني ويضعف لديها الحس بالحاجه الى خارج شريك تستعين به وتشكو ماتعتقده نوع من الظلم لديه. ولابد من الاشارة هنا الى ان خطوات الحكومة الحالية كانت ايجابية تجاه طمئنة الاقليات وهي سائرة بالاتجاه الصحيح وفي كل الاتجاهات تقريبا واهمها هو الدستور الدائم الذي يضمن حق الاقليات في الوطن الواحد ,ونشير الى ان الاكراد وهم اقلية ايضا قد فهموا دوافع الاغلبية الشيعية ونواياها الحسنه تجاه الوطن واقلياته وهذا الاطمئنان لم يأت اعتباطا فالاكراد عاشوا نضالا مريرا مشتركا مع الشيعة ضد نظام صدام المقبور وخبروهم جيدا واطمئنوا لجانبهم والاكراد بطبيعة الحال تولدت لهم خبرة سياسية كافية لتجعلهم يؤمنوا بأن الديمقراطية المعززة بدستور دائم وانتخابات حرة ونزيهة هي اكبر ضمان لحقوق الاقليات ولاشئ اضمن من ذلك وهذا مالم تفهمه او تدركه القوى السياسية التي تمثل السنه في الوقت الحاضر وذلك لفقر وقصر خبرتها السياسية من جهة ومن جهة اخرى انها تخضع لضغوطات غير وطنية تضعف من قوة الجذب الى الداخل الوطني لديها.

حسين الخزعلي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك