بقلم : حسن الهاشمي
التضحية بالغالي والنفيس من أجل القيم والمبادئ هي الغاية القصوى من ثورة الإمام الحسين عليه السلام، لأن الإنسان في الدنيا تتجاذبه أحد هذه الأمور الأربعة: مال وجسم وعرض ودين، فالمؤمن يفدي بماله في سبيل جسمه ويرخص جسمه دفاعا عن عرضه ويضحي بالثلاثة(المال والجسم والعرض) في سبيل الدين والعقيدة، فالذي يعيش تحت مظلة القيم والفضيلة لا يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه، أما لو خلي الإنسان عن هذه الأهداف السامية فإنه يعيش كالبهائم أو هو أضل سبيلا، فالحرية لا تتأتى اعتباطا وإنما تتطلب من المرء مزيدا من التضحيات والعمل الدؤوب وصولا إلى الغاية التي خلق الإنسان من أجلها ألا وهي العبادة لله وحده، لأن العبودية لله معناها الإنعتاق من كل أشكال الظلم والجور والاستبداد، والحياة منذ أن خلقها الله سبحانه هي حلبة صراع بين المصلحين الذين يدافعون عن الحرية، والطغاة الذين يدافعون عن مصالحهم الشخصية، وشتان بين الأمرين، فالأول يدعوك بأن تكون حرا عزيزا مكرما، والثاني يحاول بأن يوقعك في شراك الظالم لكي تكون في إساره على طول الخط، دونما إبداء أي اعتراض أو امتعاض عما يبدر منه من سوء حتى لو مسك طائف منه. هذا هو حال الشعب العراقي وبعيد سقوط النظام الصدامي البائد، فقد أعلن الثورة البنفسجية وركز دعائمها حينما خاض ثلاث ممارسات هي فريدة من نوعها في منطقة الشرق الأوسط، لكي يركز دعائم دولة المؤسسات التي تحترم الإنسان بغض النظر عن انتماءه، وفي المقابل تسعى الكثير من الدول الإقليمية أن تجهض التجربة الجديدة التي تشهدها الساحة العراقية، للحفاظ على عروشهم التي هي بعيدة كل البعد عن خيار الشعب في أن يعيش حرا كريما دون وصاية من حزب أو سلطان أو عائلة مالكة.كان باستطاعة الشعب العراقي وقيادته المتمثلة بالمرجعية الرشيدة والقيادات الوطنية المخلصة أن تجعل الحبل على الغارب، وتنبطح أمام رغبات القوات المحتلة للحصول على فتات الأمن والخدمات مثلما هو قد حصل فعلا لبعض الشعوب التي تعرضت لنفس الظروف التي يمر بها العراق اليوم، وفي المقابل فأن تلك القوات تقدم له حلول جاهزة في الدستور والحكم وطبيعته، التي ربما تكون متعارضة في عديد من بنودها لمبادئ وثوابت ومتبنيات عامة الشعب، بيد أنه أصر على أن يقرر مصيره بيده وأن يحافظ على عاداته وتقاليده، وهو بطبيعة الحال طريق ذات الشوكة، مما حدى بالقوى المعادية أن تضع العصي في عجلة التقدم الذي كان يطمح إليها الشعب استنادا إلى مكنوناته الذاتية وقدراته المعنوية، ومن هنا اتضح الأمر أن الجنة حفت بالمكاره والنار حفت بالشهوات، لا أقول أن الحكومة الحالية تمثل أصحاب الجنة ومخالفيهم أصحاب النار، وإنما الطريق الذي انتهجه الشعب هو أقرب لملاكات التقوى، خلافا فيما إذا قرر الارتماء في أحضان المحتل جملة وتفصيلا. وهناك ثمة قاعدة فلسفية تقول (من له الغنم فعليه الغرم) ولكنها سرعان ما انعكست سلبيا على تجربة الشعب العراقي حاليا، إذ أن المواطن المسكين يدفع الضريبة غاليا بسبب تردي الوضع الأمني وانعدام الخدمات، من دون أن يحصل على الغنيمة، التي تلاقفها الساسة العراقيون من خلال الامتيازات الممنوحة لهم من قبل الحكومة وتلقي البعض منهم الدعم اللامحدود من قبل الدول المجاورة للعراق، التي تعادي خيارات الشعب في انتخاب النظام الديمقراطي، ربما الجميع قد استفاد من الوضع في العراق بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الإقليمية وتقاسموا الكعكة العراقية الدسمة ولكن بأجندات متنوعة وأهداف مختلفة، في حين أن المتضرر الأول والأخير هو الشعب العراقي الذي بات حقلا لتجارب الآخرين وساحة للصراع وتسويقا لأجندات غريبة عن تطلعاته ورغباته وأهدافه، فأضحت القاعدة بين عشية وضحاها وبفضل الأشقاء العرب وبقية الدول الطامعة أن لهم الغنم وعلى الشعب العراقي المسكين الغرم! وهكذا يبقى المواطن العراقي على أمل أن يتحلحل الوضع الأمني والاجتماعي والخدمي، لكي يحصل على الغنيمة ولو بالجزء اليسير حتى يكون مشمولا بالقاعدة ولو بالضميمة.اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha