بقلم : ناهدة التميمي
كان لدينا فراش مصري جنى من الاموال والذهب مالم يجنه عراقي في احسن المناصب .. وكان لايتعامل الا بالدولار في زمن كان العراقيون فيه لايعرفون هذه العملة الخضراء لانها كانت محرمة عليهم ومحللة على كل من هب ودب. هذا الفراش كان يحول كل راتبه دولارات حسب القانون ويمنح مخصصات اقامة وايجار,علاوة على انه كان يقدم خدمات للموظفين بفلوس مثل التسوق لهم او نقل اثاثهم وتنظيف حدائقهم وغيرها من الخدمات التي كانت تعفيه من الدوام الرسمي .. وبعد الدوام كان يعمل في المطاعم وخدمة الفنادق .. ومالبث ان اشترى ارضا زراعية لاهله في مصر وابتنى عليها دارا .. ثم خطب احدى قريباته وارسل لها كامل جهاز العروس من العراق مع اقربائه المسافرين كما ارسل لها من الذهب مالم تحلم به امه في حياتها حتى اصبح اغنى من المدير العام الذي اخذ يستلف منه.وقبل حرب الخليج الثانية بايام بدأت تتدفق على العراق اعداد غفيرة من المصريين في وقت كان العراقيون فيه يهربون من بلدهم باتجاه الحدود خوفا من القصف الامريكي مما اثار استغرابنا .. ومن هؤلاء كان فراش ثاني نسب الى دائرتنا قبل يومين فقط من اندلاع الحرب والتي ما ان اندلعت حتى غادروا جميع قافلين الى مصر ( ام الدنيا ) والعجائب والغرائب.. ومعظم هؤلاء بالتاكيد كانوا من ارباب السوابق ونزلاء السجون والذين يشكلون عبئا على مصر واقتصادها , فضربت بهم الحكومة المصرية الف عصفور بحجر واحد منها تفرغ سجونها منهم فلا تضطر الى اطعامهم والباسهم وتاهيلهم, ومنها تحويلهم من عبء اقتصادي الى عملة صعبة تصب على مصر بدلا من اعالتهم, ومنها ليكونوا جواسيس لها في العراق تبيع ماحصلوا عليه من معلومات حسب الطلب لاية جهة تحتاجها .. وايضا لاحداث توازن طائفي وتغيير ديمغرافي في العراق واخيرا وليس اخرا ليكونوا عيون لصدام على شيعة العراق الذين كان يجري ابادتهم بشكل ممنهج ومدروس بزجهم بحروب عبثية واعدامات ليس لها مبررات مسوغة مثل غياب يومين او الرجوع من الخط الامامي عشرة امتار وما الى ذلك من حجج واهية ومكشوفة القصد منها ابادة اكبر عدد من شبان الشيعة والذين كانوا دائما مراتب دنيا تتقدم جبهات المواجهة بينما غيرهم قادة محميين بخيمهم الفارهة وجندهم من اهلهم وعشيرتهم الاقربين. كل ذلك كان يجري جنبا الى جنب مع عمليات الابادة الشيعية التي اتخذت اشكال اخرى منها التهميش والتجويع والتهجير والاعتقالات العشوائية والمطاردة او قتل اطفالهم عمدا في المستشفيات وتقديمهم ارقاما للامم المتحدة كاعداد متزايدة للموت بسبب ( الحصار ) اي انه كان يضحي بالشيعة واطفالهم ليرفعوا الحصار عنه, هذا ان لم يكن متواطئا معهم على ذلك, ومنها ايضا امراضهم المتعمد, فقد ذكر المبعوث الاممي انذاك صدر الدين اغا خان في تقريره الذي رفعه للامم المتحدة في حينها من ان فريقه قد وجد براز انساني في ماء الشرب الواصل للعمارة عبر الحنفيات. والقصد طبعا هو امراض ماتبقى منهم في مدن الشيعة بمختلف الامراض السارية والمعدية لينقرضوا.وعندما اندلعت الحرب .. غادر هؤلاء المصريون على عجل ورفضت الحكومة المصرية وقتها ان يتم نقلهم بطائرات شحن لغزارة اعدادهم وطلبت ان ينقلوا بطائرات نقل معتبرة تليق بهم طبعا .. في حين كان شبان العراق وزهوره اليانعة تذبح قرابين لعبث الطاغية ومآرب العرب في جبهات القتال .. بعدها عرفت منهما انهما حصلا على تعويضات مجزية وكل ادعى ان له عقد لمدة خمس سنوات مقبلة واجبة الدفع, ورواتب سابقة مع تعويضات عن اغراض وملابس وحاجيات ادعوا انهم تركوها في العراق هربا من الموت وفي الحقيقة هم لم يتركوا قشة واحدة وراءهم .. وهذه التعويضات لم تشمل من كان في العراق وحسب بل كل المصريين في الخليج والدول المحيطة .. وتشكلت لجنة عبر الامم المتحدة خاصة بتعويضات المصريين وحسم امر هذه التعويضات على عجل واستلموا كامل تعويضاتهم الكاذبة. وكلنا يتذكر كيف ان المصريين برعوا في تزوير الجوزات في العراق بحيث كل واحد منهم كان له اكثر من جواز وباكثر من اسم يحول به من عدة مصارف حتى افلسوا ( ميزانية) العراق والتي بقيت مجهولة على العراقيين طبعا. وبعد مرور سنين اتذكر انه اتصل احد المصريين باحد البرامج وقال للمذيعة المصرية انه يريد ان يحصل على تعويض فقالت له ان لجنة التعويضات قد انتهت من جردها واحتساب وتسليم كافة التعويضات وان الاوان قد فات منذ زمن بعيد على ذلك.اما ماحصل بعد السقوط فقد وجد فيه المتصيدون والهباشة والفرهوديون ( مولد وصاحبه غايب) فسارعوا الى تقديم العقود المزورة والمشكوك فيها وطالبوا بالتعويضات اسوة بكل الدول المجرمة بحق العراقيين المحرومين والذين الى يومنا هذا يعيش اغلبهم على المزابل من الجوع والحرمان .. علما باننا لم نسمع يوما ما بان شركة مصرية كانت تبني او تعمر او تشق طريقا او تدير مصنعا او تجارة او اسواق في العراق بل كنا نرى الشركات التركية والكورية والفلبينية واليابانية هي التي كانت عاملة في العراق وليس الشركات المصرية .. حتى على صعيد الافراد فقد عرضت الجزيرة الارهابية بعد السقوط تقريرا لاحد الفلاحين المصريين العائدين من العراق وكانت متعاطفة معه لانه كان يحمل حقيبة تحتوي على خمسمائة وخمسون الف دولار وعند عبوره نويبع وجدت الشرطة المصرية هذا المبلغ الكبير معه فسالته كيف حصل عليه فقال ( انه وجده على احدى المزابل في بغداد ) وفي الحقيقة قد يكون اخذه من احدى المصارف او البيوت الصدامية لانه كان يثق بهم ولايثق بالشيعة .. فصادرتها السلطات المصرية منه ولكنها لم تعدها للحكومة العراقية.. وهكذا فان الديون المصرية على العراق اخر نكتة يصعب على العقل تصديقها .. ولكنه زمن الفرهود.ناهدة التميمياشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha