بقلم : عباس طلال / رئيس تحرير جريدة الزوراء / نقابة الصحفيين العراقيين
بمرارة لاتطاق .. فقدت الزوراء احد ابرز كتابها .. الشهيد نزار عبد الواحد ( رحمه الله ) .. الذي اغتيل يوم الاربعاء الماضي .. ونزار الذي كان يستعجل في ارسال عموده الاسبوعي من ميسان عبر الانترنت كان قد استعجل سفره الى مدينة الرب العظيم .كان كاتبا .. حريصا .. امتاز بدقة اختياره لما يكتبه وبات اسمه محفورا في ذاكرة القراء .. واليوم وبعد ان استعجله الموت لم يكن امامي الا ان املأ الفراغ الذي تركه نزار في مساحة عمود الصفحة الاخيرة ( اليتيم ).نزار عبد الواحداللحظات الاخيرةعباس طلال / رئيس تحرير جريدة الزوراء
قبل ان يضع كلماته الاخيره على مقدمة مسامعي تنبهت كما لو كنت في يقظة مفاجئة . الى ان ثمة سرا ينطوي عليه هذا الصوت وحين ارتدت لمخيلتي القريبة البعيدة صورة اماسينا الترابية و ( سوالفنا) عبر سنين .. تلك السوالف التي تتصدر جبهة القلب دائما احسست قد انكمش فعلا في فضائها الرحب بعض بائعي الموت فيما انسحبت بقايا امالي الى اماكن مجهولة من سنين التسعينيات .انه نزار عبدالواحد .. الذي يشاطرني الحزن والحب فقد انعكس على صفحتي الدافقة ليل طلق كانت تتحرك تحت سمائه حشود من المواجع لا أول لها .. ولا اخر ، تعبر كل سنيني في عثار متصل لتختصر علي الطريق .. ليفارقني ولربما اتبع اثره والتقيه في قيامة مهشمة متوشحا بحياءه الجنوبي المستفيض.- لقد اغتالوا نزار عبدالواحد.. هكذا قالها جبار طراد.انه غادرني مع صباحات ممن احببتهم ..اذ يحلو له السفر الى مدينة الرب في وقت مبكر لما يحققه من الاختصار المشبع بالياسمين والندى من راحة عميقة تعيد له صدى الصباحات البعيدة التي غرز فيها اقدامه سعيا وراء هدف . * العمارة ..كانت في اول صحوها تلتقط اطراف يقظتها بشوارعها المستقيمة .. وازقتها السمراء كان فيها خجلا على ابواب بيوتاتها التي ستودع نزار في ظهيرة غلفها الصمت .. واخرى من بيوتاتها تنسل لتعاتب بعض دكاكينها المحاذيه لبعض الاهل والاحبة بوداعه .. كل مافي هذه المدينة التي ينزع نزار ملابسه فيها .. ترسم لعينيه صورا امضى فيها ازمان مختلفه..فمازالت بعض ملامحه تذكرني بصراعات هجرته الى بغداد التي كانت تتطلع عبثا لعودته.هل صحيح انه محمولا على اكتاف احبته؟نعم .. محمولا يستلقي نظره على صغاره الثلاث .. وأمرأته واهله في انبساط تلقائي . رجال .. صحفيون .. موظفون .. واصدقاء حرصوا على مرافقته في رحلته المتعبة .. ياخذون سبيلهم بصمت .. وصبر .. اياديهم مسبلة وعيونهم دامعة الى الارض التي ستحفظ الامانه .. نساء متلفعات بعباءات سود يحملن حقائب سفره الممتلئة بالدموع .. واكياس التسوق العائد بها لاطفاله الذين يلوذون باذيال خطوات الاب الذي غادر مدينته بحذر شديد ربما يلحق بالاخرين اذى ..صورة مغرقة بالحزن ونزار يشم في هذا الحزن رائحة الناس والعمل والمحبة .. بل انه كان يرى في الوجوه صور الوجوه التي زرعتها في رأسه خيالات القصاصين ورسوم الرسامين ..انه السفر الابدي .. يثقل حركة الاجساد التي تحمله .. يتوقف نزار .. ويستفيق على تثاقل حركة الاجساد وهي تزحف زحفا كبيرا ..يتوقف وينصت ليستطلع قامات المشيعين له والعالقه بحزنه .. يفتح عينيه ويرهف اذنيه ويستدير نحو اطفاله الذين اتجهت اليهم الانظار ثم طفق في اصغائه لصراخاتهم .. واضحى لما يقولون به من نعي .. وما كان يتبين منها الا حبهم اليه .. وحبه اليهم .سكت بلحظة استجمع فيها شجاعته بعد ان غص صوته بعبارة فيها ربيع يعشق عشقا جنوبيا ..وقال .. نعم .. سأمضي مع ما مضى من الوقت انه وداعي الاخير .. لصغاري وللاهل والاحبه ..فرحلتي الابديه ستكون لمن احبه.
https://telegram.me/buratha