( بقلم : حسن هاني زاده )
كان ذلك اليوم الكئيب في الرابع من حزيران عام 1967 يوما ينذر بحدوث شيء ما حيث اجتمع جنرالات الكيان الاسرائيلي في مقر قيادة الاركان في وسط تل ابيب لتلقي آخر الاوامر من رئيس هيئة الاركان آنذاك اسحاق رابين.وكان من بين الجنرالات موشيه دايان واسحاق شامير وحاييم هرتزوك ومناحيم بيغين واريل شارون وموردخاي غور وحاييم بارليف وموشيه شاريت وحاييم وايزمن اكثر الجنرالات تحمسا لابادة الجيوش العربية.
دخل الجنرالات في غرفة العمليات وكان ليفي اشكول رئيس الوزراء الصهيوني يصغي الى آخر التقارير الاستخباراتية بشأن استعدادات الجيوش العربية ومدى نسبة نجاح الجيش الاسرائيلي في حال خوضه معركة شاملة مع هذه الجيوش. وكانت كل التقارير تشير الى حسم هذه المعركة لصالح اسرائيل لعدة اسباب.
السبب الاول هو ان الحماس القومي بشأن تحرير فلسطين وطرد اليهود من الاراضي الفلسطينية قد تراجع بسبب نشوب خلافات بين منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة احمد الشقير وبعض القادة العرب ومنهم الرئيس المصري جمال عبدالناصر.
السبب الثاني هو ان بعض القادة العرب مثل العاهل الاردني الملك حسين والرئيس العراقي عبدالرحمن عارف ليس لديهما رغبة في ادخال جيوشهما في معركة مع اسرائيل تكون نتائجها معلومة سلفا.
والسبب الثالث يعود الى قلة خبرة الجيوش العربية في خوض معركة تقليدية مع الجيش الاسرائيلي الذي كان تفوقه واضحا في اتخاذ التكتيكات الميدانية.
والسبب الرابع ان التجهيزات العسكرية الموجودة لدى الجيش المصري هي من صنع الاتحاد السوفيتي ولا يمكنها ان تواجه المعدات العسكرية الغربية المتطورة لدى الجيش الاسرائيلي.
وفي ظل هذه التقارير الاستخباراتية توصل القادة العسكريون والسياسيون في اسرائيل الى هذه النتيجة بان الوقت قد حان لتوسيع الدائرة الامنية الاسرائيلية من خلال احتلال الاراضي العربية المحيطة بالاراضي الفلسطينية.وفي اليوم الخامس من حزيران عام 1967 امر رئيس الوزراء الاسرائيلي ليفي اشكول بتحرك الجيش الاسرائيلي باتجاه جبهات الشمال والجنوب و الغرب دون تحديد مدى الرقعة الارضية التي يستطيع الجيش من احتلالها.وقامت اسراب من طائرات اف 4 واف 5 والميراج في الساعة السابعة والنصف من صبيحة يوم الخامس من حزيران بشن غارات على القواعد الجوية المصرية ودمرت ما يقارب 400 طائرة حربية من طراز سوخو و ميغ وتوبولوف وهي جاثمة في المطارات العسكريه في انحاء مصر.
انجزت اسرائيل بدون اي عائق المهمة الرئيسية المتمثلة في تدمير الطيران المصري بغية منعه من تقديم غطاء جوي للقوات البرية المصرية خلال المعركة. وبعد اقل من ساعة تحرك الجيش الاسرائيلي باتجاه جبهات الوسط والشمال والجنوب حيث تحركت ارتال من الدبابات والمدرعات دون ان تواجه اي قذيفة مدفعية من الجانب العربي.وكان الهجوم قد نزل كالصاقعة على العرب مما حدا برئيس منظمة التحرير الفلسطينية احمد الشقير الذي جاء ليلقي خطابا قوميا في القدس ان يهرب من مقر اقامته في حي الشيخ جراح متنكرا بزي النساء الذي اعاره من نادلة فلسطينية تعمل في فندق الامباسدور في نفس الحي الذي كان يقطن فيه. واستطاع الجيش الاسرائيلي في الجبهه المركزية بقيادة الجنرال موردخاي غور من احتلال القدس الشرقية حيث رفع العلم الاسرائيلي فوق قبة الصخرة.
وفي الجبهة الجنوبية سار الجيش بقيادة الجنرالين حاييم بارليف واريل شارون من غزة الى صحراء النقب ومن ثمة الى العريش وسيناء وشرم الشيخ واحتل مساحة شاسعة ما يعادل 7 اضعاف مساحة لبنان. وكان المشهد مثيرا للدهشة حينما رأى الضباط الصهاينة قادة وحدات الجيش المصري هائمين في الصحراء تاركين خلفهم اسلحتهم الخفيفة والمعدات. وكان ذلك المشهد الرهيب قد زاد من اندفاع الجنود الصهاينة لمطاردة الجنود العرب المتخفين خلف كثبان الرمل والقاء القبض عليهم بسهولة ودون اي مقاومة. وقيل ان بعض جنرالات العرب صادر جمال البدو القاطنين في العريش والهروب من ساحة القتال وهم متنكرين بزي رعاة الاغنام. وفي الجبهة الشمالية تمكن الجيش الاسرائيلي بقيادة مناحيم بيغن واسحاق شامير من احتلال مرتفعات الجولان دون اي مقاومة تذكر.وفي الجبهة المركزية بقيادة الجنرال ديفيد اليعازر تمكن الجيش الاسرائيلي من احتلال الضفة الغربية حيث هرب من المعركة الجنرالين الاردنيين اللواء الركن غازي الربايعة والعميد محمد خليل عبدالدائم من الضفة الغربية.واستمرت الحرب 6 ايام فقط وبعدما انجلت الغبرة واستسلمت الجيوش العربية دون اي ثمن ، توقف ازيز الطائرات ودوي المدافع وانتصرت اسرائيل على العرب.
تركت هذه النكسه اثرا سيئا على نفوس العرب والمسلمين واصبحت اسرائيل القوة الضاربة في المنطقة والجيش الصهيوني اصبح قوة لا تقهر. وبعد 39 عاما دارت الدوائر وانبثق جيلا من رحم الثورة الاسلامية في ارض لبنان اعاد المجد والاباء الى الامة الاسلامية.
ففي تموز عام 2006 تجمع قادة الجيش الاسرائيلي في نفس الغرفة التي من خلالها تحقق النصر لصالح الكيان الاسرائيلي حيث كان جيلا جديدا من الجنرالات يعدون العدة لشن هجوم كاسح على ابطال حزب الله في جنوب لبنان على ان يعيد المجد مرة اخرى لهذا الجيش . وبدأت الحرب الضروس ضد ابطال حزب الله الذين لم يمتلكوا الا الاسلحة الخفيفة والمتوسطة وسلاحهم الاهم هو الايمان ومبدأ الشهادة اسوة بابي الاحرار الامام الحسين عليه السلام. وبعد معركة طاحنة تكبد الجيش الاسرائيلي رغم استخدامه احدث المعدات والتغطية الجوية الواسعة تكبد خسائر جسيمة لم يشهدها هذا الجيش طيلة العقود الستة الماضية. وهرب جنرالات الكيان الصهيوني من ارض المعركه كما هرب جنرالات العرب في حزيران عام 1967. واعاد هذا النصر العظيم تاريخ الامة الاسلامية من جديد واعاد المجد والخلود الى الامة واثبت ان سلاح الايمان اقوى من اي سلاح في العالم.
حسن هاني زاده – صحفي ايراني
https://telegram.me/buratha