( بقلم : المهندسة بغداد )
ما ان رايت صورة الجواز في صفحة الاخبار لوكالتنا العزيزة وقرات مضمونه حتى تذكرت ايام المراجعة في تلك الدوائر وتمنيت كل الموفقية لهذه الدائرة للتخلص من الفساد الاداري المستشري فيها كما اغلب دوائرنا الرسمية وحيث ان المديرية تحاول معرفة مشاكل المواطنين ساكتب ما رأيت هناك .وقبل الاسترسال في ذلك احب ان انوه بشكل شخصي ان هذه الدائرة الوحيدة التي حينما دخلتها بعد السقوط اشعرتني بالسعادة برغم كل الفوضى المنتشرة لسبب بسيط انني دخلت بدون ذلك الخوف الكبير قبل السقوط من وجوه لا تعرف الله وعليه احببت ان اعطي صورة لما قبل السقوط وبعده .
حيث ان لي مع هذه المديرية ذكريات كثيرة ربما لا تسعها مقالة لذلك ساعبر مرحلة التقديم على الجواز واستحصاله الى استلام اول تأشيرة خروج لي خارج العراق بعد انهائي الدراسة الاعدادية لكي اطالب بدفع مبلغ 200 دولار ضريبة ومثلها للمحرم المرافق باحثة عن مقعد دراسي استحقه في بلدي لكن سـُلب اما ليعطى لابن بعثي مناضل او لطالب عربي يفرق عني بالمعدل اكثر من 10 درجات !! ولكي احصل على هذه التأشيرة لابد من مختار المنطقة ان يوافق ولابد من المسؤول الحزبي في المنطقة ان يزور المنزل مخافة ان لنا نية الهجرة وهذا ما استغربته حينها من ان ذلك البعثي قد فتش بيتنا تقريبا ولم يغادره الا بسلب خمسة الالاف دينار كما كل من يوقع لك لمجرد سفرة استمرت شهر واحد !! فالحكومة الاردنية تطرد الطالب العراقي من باب جامعتها قائلة ان لك بلداً او ان تدفع لهم الالاف الدولارات بينما طلبتهم يمرحون مجاننا في جامعاتنا .
رجعت عاقدة العزم على عدم التفكير بالسفر مرة اخرى لشدة ما عانيت واسرتي حينها من خسارة معنوية ونقدية لسفرة بسيطة غير ان ظهور المذيع عماد الدليمي على الشاشة ليخبرنا بمرسوم جمهوري مفاده ان الضريبة قد رُفعت جعلني اقفز فرحاً وقبل ان يــُكمل الخبر سحبت حقيبة السفر من اعلى الدولاب وبدات ارتب اغراضي وكان هذا الامر قبل اشهر من السقوط وكانت الحرب متوقعة ولم تكن لي أي رغبة في انتظارها خاصة وانا خريجة جديدة لاترضى ان تتعين في زمن الطاغية .
وبدأت مراجعاتنا لذات الدائرة لاصدم بانني ممنوعة من السفر فأما ان ادفع 600 الف دينار لكل سنة دراسية واما ان اتعين خمس سنوات في دوائر الدولة وهنا بدأت رحلة عذابي التي دامت اربعة اشهر اذهب فيها كل اسبوع لاجد لوضعي حلا عسى ان يكون هذا القانون قد رُفع واشاهد مأساة الشباب والعوائل هناك في كل اسبوع كنت اذهب بكذبة جديدة فاسبوع ادعي انني ربة بيت واخر طالبة واخر اقول الحقيقة ولم اصل الى نتيجة فكل ادعاء يستلزم فايل معلومات كاملة ورشاوي لا حصر لها تفوق المبلغ المطلوب مني ولك ان تتصور ان لم يكذب الانسان يدفع الالاف الدنانير لتسير المعاملة فما بالك بالذي يكذب !!!
كنت اقضي الساعات الطوال هناك ودرجات الحرارة مرتفعة والوضع يرثى اليه اكون في لحظات في قمة الغضب فاقسم الف مرة في قلبي انني ان غادرت للعراق حدود لن اعود وبعض الاحيان تجعلني بعض المواقف اضحك من قلبي واردد في نفسي كلمات من تراثنا وانا انظر الى هؤلاء الضباط المتعالين بانتمائهم لاقذر نظام في الدنيا وكانت كلماتها تقول ( اريد الله يبيّن حوبتي بيهم .... كلما عذبوا حالي ساكت ما احاجيهم ) وخلال هذه الفترة لم اصل الى نتيجة وكم خرجت من هناك باكية ليلحظ تلك الدموع العرضحلجي ويرفع يده قائلة ( الله يفرجها عليج بنتي ) .
لقد قالها لي الضابط في وجهي تريدن الهرب ونحن هنا !! لقد عرفوا انها النهاية وهنا عرفت انني قصدت الباب الخطأ فمن لديه معضلة فليس له الا ابا الحسن ع خاصة ونيتي الذهاب بقرب ابنته وفي طريقنا للنجف الاشرف كانت الغصة تخنقني حد الموت لشدة المذلة والاذى الذي تعرضت له لاشهر دون نتيجة وما ان وصلت شباك الكرامة حتى ارتميت عليه شاهقة بان معاوية لايرضى ان ازور ابنتك فاختم جوازي من هنا واعتذرت منه لانني توجهت لهم قبله ، لقد كانت لحظة صدق معه وفعلا ذهبت الى تلك الدائرة ووقفت امام شباك المذلة في يميني الفايل الذي حفظ شكله كل ضابط وفي يساري تربة الحسين ع اضغط عليها بشدة وما ان وقفت حتى فتح الفايل ووقع في ذهول جميع الواقفين بما فيهم والدي فلقد وفى ابا الحسن ع كعادته واستلمت الجواز بعد يوم واحد اقلبه طيلة اليوم وسافرت به لنحتجز في الحدود يومان قرابة 500 شخص من غير سبب اغلقوا الحدود لاجل ذلة المواطن ليس الا وعندما وصلت الى سيدتي زينب ع متعبة مذلولة مريضة وقفت امام هذا الصرح الشامخ وقلت لها انا لم ادخل هذا البلد سبية ومعي يتامى ورؤوس اخوتي امام عيوني واشعر بكل هذا الالام فكيف صبرتي كيف ؟!! ودعوت الله ان لا ارى بعثي وضابط جوازات مجرم ثانية ولقد استجاب الله دعائي بسقوط النظام .
واليوم بعد السقوط وفي مراجعة تتوقت لها نفسي لتمديد ذات الجواز الاخضر لكن هذه المرة المراجعة بدائرة الشعب التي اتمنى ان يقرأ مقالاتي من يستطيع ان يوصلها اليهم فلسابق من مقالتي كان عن الزمن السابق وما ذكرته الا لتعلموا اننا لا نريد منكم شيئا سوى ان تعاملونا كبشر ليس الا ؟!!
عندما تهم بدخول هذه الدائرة التي اول خطأ فيها انها تقع على الشارع العام مباشرة وكانها تنادي هل من سيارة مفخخة؟!! دخلت في يدي حقيبة احمل فيها ما احتاجه هناك بصفتي خبيرة في هذا المجال وهن ( قنينة ثلج ماء شرب ، مهفة خوص لاغراض التبريد الشخصي وللعرضحجلي المتذمر ، مقص ، دبابس ، اقلام .. الخ ) والكارثة انه لم يسالني حارس عن هذا الكيس فلو دخل من يريد التفجير فلا اسهل .
وتبدا العملية باخذ فايل قيمته 250 دينار يوزع لعشرة دقائق وبعدها يباع ب 10 الالاف دينار ثم تدخل تلك الدائرة التي لاتتجاوز مساحتها ال 300 متر والمراجعين بالمئات وجوه متعبة ومتذمرة وعراك لا حصر له وطوابير لا تنتهي وازدحام شديد وما ان تقف في الطابور الاول حتى تكتشف ان الطابور يمر عبر مولدة كبيرة تعمل وعليك ان تقف بجانبها لاكثر من ساعة في حر الصيف مستمتع بسنفونيتها الرائعة وبعدها تنتقل الى الطابور الثاني والذي عندما تصل الى الضابط تتساقط قطرات الماء من المكيف الذي وضع فوق راس المراجع فلا تعلم هل تتكلم ام تمسح الماء وما ان تنتهي حتى تبدأ مفاصلك بالانين من شدة التصادمات .
والان بعد ان عرضت الحالتين وعن تجربة شخصية عاشها الالاف الشباب وربما ايدوني ان الحالة الاولى كان فيها اجرام بعثي صدامي مخيف ومتابعة مضنية قبل الحصول الى الجوازات ناهيك عن الذلة والكلمات النابية التي تنطلق من افواههم الغير نظيفة اما الان فالامر مختلف لا مجال للقلق من اسمك ولقبك والوجوه التي تكلمك تكلمك بغاية الاحترام فيما لو كان المواطن محترم لذاته غير ان اللوازم الانسانية للمواطن غير متوفرة وممكن بنوع من التنظيم واختيار الابنية المناسبة تحل هذه الازمة وبالنسبة للفساد الاداري وبالاخص هذه الدائرة فالمواطن السبب الرئيسي فيه في هذه المرحلة وان كان الموظف مخطيء ايضا لكن مواطننا اعتاد دفع الرشاوي والتي قد تكون في النظام السابق ضرورة وتقية من شرهم لكن الان ما من داعي فلماذا يدفع المواطن الف دولار ليخرج جوازه في اسبوع ثم بعد ذلك يتباكى من الفساد الاداري .
نطالب ان يغرم المواطن الذي يتعامل بالرشوة مع معاقبة المنتسب والان علينا ان نحضر انفسنا الى لقاء اخر مع هذه الدائرة لعام 2008 الذي سيشهد جوازات جديدة للجميع الا انني ساحتفظ بجوازي القديم الذي قطع انفاسي لاتذكر تلك الايام ولادعو الله ان ياتي اليوم الذي يعامل فيه العراقي كأنسان وان يتعامل الانسان ذاته كانسان
اختكم المهندسة بغداد
https://telegram.me/buratha